المتحقّق الوجوديّ روائياً بالسرديّة التي تحمل إجاباتها المفتوحة على جدلية رؤيتها المعرفية، الدائرة الأكبر من غائيات الإنجاز المُسمّى على دوائر الحقل الأدبي لجنسٍ ما، هو ذلك الامتداد الذي نجده محموماً بطبيعته الكتابيّة، فثمّة بُعدٌ جوهريّ للمُسمّى الإجناسي وهو الفكرة بتخلّقها كائناً، ولعلّ الفكرة هي المُنتَج الوجدانيّ بانثيالاته الواعية لمعمارية السردية الروائية.. ما يجعل ديموغرافية السردية منشغلة بالفكرة، ذلك الانشغال اليَقِظ بنيوياً لضرورة التفتق السرديّ بتنامي الفكرة في السياق الروائي واشتغال المكونات السردية على ثنائية المرويّ والفكرة. تلك الثنائية التي تنبلج من تساؤل الأسماء الوجوديّ عن ثيمات تموضعها الحكائيّ، بإبراز عوامل ذلك التموضع حياتياً عبر التحبير الإبداعي الذي تُنطِق فيه لطفية الدليمي الأسماء «شخوص» سرديّتها، ونُرجئ إليها التسمويّة بسياقها السرديّ الذي يحفر في العمق التاريخيّ لمدينة «السلام» بغداد، فهنالك قلق جمعيّ يحثُّ «حياة البابلي» بسؤال الهُويّة الحضارية والإنسانية الأكثر إلحاحاً من الهُويّة الشخصية على ضميرها الإنساني من «آسيا كنعان»، سَمِيُّ النجاةِ من جحيم الحرب والاحتراب..ولعلّ ذلك ما يُلمِح إشارياً إلى ولادة الأسماء من ماهية الفكرة.. لترويَ الأسماءُ فكرتَها؛ مُعرِّفها الوجوديّ المُحدِث لمحورية الصراع الهويّاتي ببُعدَيه الشخصاني والاجتماعي، عبر الديالوك الفكري الحكائي للمتحوّل الدراماتيكي الاضطرابي، الناجم عن جرائم الحرب العدوانية الأميركية على العراق، واستطالاتها التشويهيّة للتراث بعمقه الحضاري الثقافي وانعكاساته السوسيوثقافية والسوسيونفسية على الأفراد والمجتمع، والذي لم يقف عند تخريبِ وتدميرِ الأوابد المادية، فالعدوانية الوحشية لم تستهدف الفرد بإحداث الإعاقات الجسدية، كفعل ترويع وتعذيب فحسب، مارسته معتقلاتها الإجرامية، بل المستهدَف هو الإعاقة والإخصاء الإنمائي المجتمعي.
«سيدات زحل» لم تكن العَنْوَنة التي يقع عليها احتمال النص الآيل نقداً لدرسيّة المباشرة الدلالية أو التأويلية الرمزية، ولا الشرط المُلزِم بضرورةِ البناء على شموليةِ العنوان على البُنى السردية وموضوعتها، إلّا أنّنا نقع على التعالُق المحرّض لكيميائية الشخوص «السيدات» في ثنائيتها المشهدية الحية النافذة من حواسّ الذاكرة الوامضة، والتي ما تفتأ أن تعاودك إلى مُستلّاتِها بين ذاكرتَين؛ تاريخيةٍ مُستحضرَةٍ بمخيالِ الرؤى، ونصيّة متنامية مستكمِلة لآنيّة حراكِ سردياتها على مدارات «زحل» الذي يُباشر إيقاعاته الرمزية النصية المباشَرة بمدلوله المُفضي إلى التطيّر، إلّا أنه يمتد لينمو كظلال سايكوانفعالية لارتكاسات الأقدار المتمحورة على الاستلاب الهويّاتي الإنساني على مستوى الصراعات الثنائية للشخوص.
فـ«حياة البابلي» في كُرّاسها «زهرة الأوكيناوا أو الجمال»، الذي تطوي فيه كرّاساتِها الثمانية والثلاثين للفصول الثمانية من الرواية، متوغّلة في رؤاها الاستيهامية المُنزاحة زمكانياً عن البنية الزمكانية المتعددة باسترجاعاتها الإيقاعية، ما يخلق الفضاء الميثيولوجي بأنساق سرديتها بالانفتاح على التجريد الرؤيوي للفكرة.. الهُويّة الحضارية بجوهر ديمومة إنسانها لا بوصفها الإرث المادي... إنسانها الواعي لبذور الانبعاث لزهرة الأوكيناوا، الصورة الحسية بمكتنزها الدلالي لصورة الحضارة «الجمال» ومراحله بين الولادة والنضوج والازدهار والموت.
الموت أو انهيار المدن الحاملة للإرث الحضاريّ بفعل العدوان كعاملٍ خارجي، لا يُلغي العامل الداخليّ المرتبط بفساد النُظم السياسية المستبدة المُقصية للرأي والمتطرفة باغتياله كآليّة ناقدة للمنطوق العقلي المبدع جوهراً والمفعّل للإبتكار، مادةُ الوعي الفكريّ المجدّد، فالمُشاكِل على مستوى الحدث التاريخيّ لتخاطفات الأزمنة، المتضمّن للفكرة التي أحدثت التعالق المعنويّ بين شخصيات الرواية المتخيَّلة مع تباين أزمنتها، كحامد أبو الطيور، مدرس اللغة الإنكليزية الذي بُتر لسانه في العام 1991 في العراق، والواقعية كأبي حنيفة وإشكاليتها، وهي الممارسة الاستلابية للهُويّة الشخصية، المُفضي إلى استلاب الهُويّة المجتمعية، ثم الهُويّة الحضارية بروافعها الإنسانية.