عن الجنّاز Requiem 2020 للفنان المتعدّد المواهب طارق الرحباني

  • 0
  • ض
  • ض
عن الجنّاز Requiem 2020 للفنان المتعدّد المواهب طارق الرحباني

ريكوييوم جديد يمتد على مساحة بانورامية موسيقية بصرية لا تتجاوز السبع دقائق مضغوطة بأحداث سنة خرافية بكوارثها التي حلّت على العالم بشكل عام تتوج على لبنان بشكل خاص بانفجار ضخم وغير مسبوق دمر ثلث عاصمتنا ومرفئنا بلحظة. ريكوييوم بحركتين كِلاهما على مقام Mi minor. الأولى تسير على تمبو Lento moderato أما الثانية فتنفجر عنيفة على أجواء الـ maestoso ليختَتِمها الفينالي finale القصير إلى أجواء الأمل بآلتي للفلوت والهارب Harp بالـ andante على مقام الـ Mi major. قد ينفرد الفن بكونه يستطيع أن يقف شامخاً بوجه القبح وكل أنواع الثلوث البيئي والروحي والنفسي والصحي والمعنوي ليقول نقيضه الراقي والنظيف، لأنه بفروعه قادر على أسر اللحظة واستنطاقها بقوة الجمال والعدل والحقيقة. هو بلا شك سلطة قادرة على أن تفضح وتُعرِّي وتدل على المجرم والسفاح والظالم. لكن ذلك بحاجة إلى فنان حقيقي مسلّح بلغة تتوسل القيم التي لا يمكن للإنسانية أن تستمرّ بدونها، لغة الفن واحدة تقفز فوق فصاحة تعدّد اللغات ونُخبوية البلاغة والغموض فيها، لأنه لغة عالمية مفهومة من الجميع تتجاوز حتى نفسها وهي تتوجه للوعي الجمعي للبشرية. تقول الحقائق ببساطة لا يأسرها شيء أو حاجز. وحده الفنان المتعدّد المواهب مثل طارق هو القادر على القبض على الحقائق وأسرها بجماليات الفضائل الإنسانية التي نشعر جميعاً بضرورة تعميمها بما قلّ ودل من وقت وشجاعة في الذهاب بها إلى آخر الروح، ليعرّيها من قبحها حتى آخر قطعة من ثياب الإجرام والعبودية والظلام والجهل. يفعل ذلك بلغات الصوت والصورة والائتلاف والتنافر. طارق تجرأ بهذا الريكوييوم بالصوت دون أن يخاف التنافر الموسيقي عند ضرورات التعبير، لا في الميلودي ولا الهارموني ولا في التطاول على المقام عندما يخرج عن مركز ثقله الجمالي ليخضع لسلطه الشواذ ويسقط فيها تلوثاً وإجراماً، هذا بالصوت الموسيقي أولاً، أما ثانياً فيُنجزه طارق ببانورامية الصورة السينمائية التي يختارها متحركة بعبثية الحدث الذي تجرأ عليه طارق بفن التصوير الذي يربط الظواهر القبيحة والشريرة بأسباب تشريع نشوئها السياسي والاقتصادي. يعرّيها بقوة الروح الذاهبة إلى تجاوز السلطات التي تأسرنا بقوة وجبروت إصرارها على الربح بتجارة إشعال الحروب وتسعير الطائفية وتعميم الجهل والاستلاب. يفضحها طارق كلها في بانورامية فنية تكشف جرائمها في خنق الكوكب بسكانه بعبثيه تلويث الروح الإنسانية وتسطيح ثقافتها وفكرها واجتثاث جبالها بالكسّارات ومياهها وبحارها وأنهارها وسمائها وأحلامها بالتلوث بجشع الروح الاستهلاكية الفارغة التي لا يمكن تبريرها بأي قيمة إنسانية! هل يقتنع الناس بقدرة روح الفن على الإضاءة والتنبؤ والكشف والتنوير؟! يقبض طارق بفنه على اللحظة ليضغط فيها أجوبته الفنية ببانورامية فنية سمعية - بصرية لا تخاف ولا تستسلم للثرثرة أو ادّعاء النخبوية أو البلاغة خارج الضروره الفنية! قد يكون طارق قد دخل بنضجه الفني من جيناته الرحبانية عبر باب الموسيقى والمسرح الرحباني كونه حفيد الأخوين رحباني لجهة جدّه منصور وأبيه مروان الذي سرت منهما كروموزومات الفن بشكل باكر، أي جعله جاهزاً للعزف على أوتار المشهدية الفنية القادرة على دخول السينما والتصوير من روح الموسيقى لترتبط بكل مكونات لغته الفنية الخاصة سواء هذا الجنّاز Requiem أو عبر أعماله الأخرى السابقة التي يجهلها أكثر اللبنانيين أو القادمة بتنوع نترك كشفه لوقته، يعزف طارق عناصر لغته بتنوعها الفني ليدق جرس إنذار رحباني جديد في هذا الريكوييوم ببانورامية هذا المزيج الذي يدخل ليعرّي تلوث هذا الوجود كما يفهمه الفنان الملتزم بروح التحدي الرحباني الصعب، مدللاً بطريقته على خطر الخواء الروحي والفناء المادي والبيئي القادم لا محالة ليدمر التنوّع البيئي الضروري لوجود البشرية. هذا التدمير الذي يسير بتسارع غير مسبوق ولا يمكن إعادته irreversible إذا بقينا على حالنا في اجتثاث عناصر ومصادر حيوية البيئة بالمزيد من نفايات التصنيع الاستهلاكي والعسكري وتمزيق معاهدة كويوتو واستغلال وعي الناس بالأديان لاستلاب حريتهم بها إلخ.. طارق أدرك الخطر ولجأ إلى سلاح الفن والجمال ليقول الخلاص! فهل نسمع الصدى دعوته من المتلقّي هل نسمعه مثلاً من ضحايا انفجارنا الأخير الذي لا يبدو أنه سيرسو على فضح مسببيه بالسياسة، فلجأ طارق ليقول الأسباب الحقيقية وأسماء المجرمين بلغة الفن؟ من هو طارق الرحباني لمن لا يعرف؟ إنه حفيد منصور لجهة مروان درس الموسيقى والبيانو على يد أستاذهم جميعاً الموسيقي هاغوب ارسلانيان. كما درس السينما في «مانهاتن فيلم أكاديمي» مع المخرج روبرت توتاك. من أساتذته الارت دايركتور ألان ستارسكي الحائز أوسكار عن فيلمه «شيندلر ليست» للمخرج سبيلبيرغ وفيلم «ذا بيانيست» لرومان بولانسكي. اتجه طارق موسيقياً صوب الموسيقى التصويرية والأفلام، فألّف عدداً من الموسيقى التصويرية لزملائه الطلاب كما وضع الموسيقى التصويرية للمونودراما: Riding midnight express للمؤلف والممثل بيلي هايز التي ما زالت تُعرض باستمرار من حين إلى آخر في عروض متنقّلة بين أوروبا وأميركا، وعُرضت أيضاً في لبنان لثلاث حفلات سنة ٢٠١٨. وضع طارق أيضاً موسيقى مسلسل «شريعة الغاب» المؤلف من ٣٠ حلقة من إخراج أخيه منصور الرحباني الذي لم يُعرض بعد، وله عدة مؤلفات أخرى.

0 تعليق

التعليقات