رحل أخيراً عالم النفس المصري مصطفى صفوان (1921 – 2020) في باريس عن 99 عاماً، بعد تجربة طويلة جمعت التحليل النفسي اللاكاني والكتابة، والترجمة. ولد صفوان في الإسكندرية سنة 1921، ودرس الفلسفة أيضاً في جامعة الاسكندرية، قبل أن ينتقل إلى باريس في الأربعينيات مع أستاذه مصطفى زيور الذي كان أوّل من شجّعه على الخوض في التحليل النفسي. لكن سفره إلى فرنسا، جاء نتيجة عدم تمكّنه من الحصول على مقعد دراسة في جامعة كامبردج بعد الحرب العالمية الثانية، هكذا غادر إلى باريس لمتابعة دراسة الفلسفة عام 1946. كانت العاصمة الفرنسية حينها تصخب بدراسات اللغة بعد اكتشافات دو سوسير، وعلماء الإناسة الأميركيين والفرنسيين، خصوصاً كلود ليفي شتراوس كما كان قد أشار في إحدى المقابلات. منذ تلك الفترة، مضى صفوان باتجاه التحليل النفسي، خصوصاً حين تعلّم التحليل مع مارك سكولمبرغ، وحين تعرّف إلى أفكار المحلل النفسي الفرنسي جاك لاكان. هكذا، كانت اللغة طريقه الأساسي إلى علم النفس، حيث «نحن أبناء اللغة قبل أن نكون أبناء آبائنا وأمهاتنا» وفق تعبيره. حينها كان قد بدأ يقرأ مقالات لاكان، ويرتاد محاضراته. كما بدأ في العمل تحت إشرافه منذ نهاية الأربعينيات، حيث ارتبط به كتلميذ ثم كزميل له في مدرسته. يعدّ صفوان من الأعضاء المؤسسين لـ «الجمعية التأسيسية للتحليل النفسي» بداية الثمانينيات، ومن ثم «المؤسسة الأوروبية للتحليل النفسي»، بالإضافة إلى عضويته الشرفية في جمعيات للتحليل النفسي. بالإضافة إلى التحليل النفسي، كانت لديه مشاغل واهتمامات أدبية وثقافية وفكرية فضلاً على الترجمة، وعلى رأسها ترجمته لكتاب فرويد: «تفسير الأحلام» بترجمة لا تزال تعدّ الأهم عربياً. كذلك قام بترجمة «عطيل» لشكسبير إلى المصريّة العاميّة، وهي تجربة ناتجة من إيمانه بأهمية اللغات العامية. إذ يعتقد بأن احتقار الشعب للسانه هو إحدى أدوات السلطة لكسره، هذه السلطة نفسها التي تسعى إلى الفصل بين الكاتب والناس. وكان يعتبر أن غياب تعليم اللغة العامية سيبقى الهوة السلطوية بين الثقافة والشعب، ما سيؤثر في عمليات الخلق الأدبي والثقافي. وبالنسبة إلى نظرته إلى مستقبل علم النفس في العالم العربي، فكان قد عبّر عن عدم إيمانه بوجود مستقبل له من دون نهضة فكرية شاملة. ترك صفوان أيضاً مؤلفات فكرية وأخرى مرجعية في علم النفس مثل: «الكلام والموت»، و«إشكاليات المجتمع العربي المعاصر – قراءة من منظور التحليل النفسي»، و«لماذا العرب ليسوا أحراراً؟» التي ترجمها المحلل النفسي المصري مصطفى حجازي الذي ترجم له أيضاً مؤلّفه المرجعي «التحليل النفسي علماً وعلاجاً وقضيّة».