إنها أكبر من تلك المساحة التي وصفها هيرودت في تاريخه: «ويسكن البلاد الممتدة من أرض الفينيقيين حتى حدود مدينة كاديتس [غزة] السوريون الذين يُسمون «الفلسطينيين». ومن هذه المدينة -التي تضارع مدينة سارديس في حجمها- فإن جميع الموانئ حتى جينيسيوس تتبع ملك العرب. والمنطقة التي تمتد من هناك حتى بحيرة سربونيس (سبخة البردويل) والتي بالقرب منها ينحدر جبل كاسيوس ليصل إلى البحر، بل هي الأرض والحب والشعر والطريق والطواف والزيتونة والجلجلة والحواريون والمعراج والقيامة... هي».«الأرْض، أُمُّ البِدَايَاتِ أُمّ النِّهَايَاتِ. كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ تُسَمَّى فلسْطِين»، كما يقول شاعرها وعاشقها محمود درويش. هي «أمّنا الريح، هاجر المتعبة» التي تعد الطعام لأبنائها العائدين على عربات المنافي، كما يقول سميح القاسم، وكل «بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة حطموها على قحف أصحابها» كما يقول مظفر النواب. المهرولون، المطبّعون، المنبطحون، شذّاذ الآفاق، والمطبّلون طمعاً بصرّة من الدنانير من جوائزهم وعطاياهم والراقصون بالسيف في مهرجاناتهم لن يمسوا شعرةً من مفرِقها، هي رغم الدم على عباءتها المطرزة والممزقة بألف خنجر، العروسُ والحسناء والجميلة إلى ألف من أسمائها الحسنى، والعدو وإن وجدوا له ألف اسم جديد هو الغول وغدّة السرطان والوحش. هم ثلة من المثقفين والشعراء والكتّاب من أهلها ومحبّيها ومريديها من المحيط إلى الخليج، من البحر إلى النهر، ممن يوجهون اليوم أمام موجة التطبيع المخزية تحية حب إليها. يقبّلون أياديها، ويمسحون فوق شعرها الذي لطالما تحنّى بالدم، ويرددون أمام الغول ما قاله شاعرها معين بسيسو: «لتنسني يميني/ لتنسني عيون حَبيبتي/ لينسني أخي/ لينسني صديقيَ الوحيدْ / لينسني الكَرى/ على سرير سهادْ/ مثلما السلاحْ في عنفوانِ المعركهْ/ ينسى يدَ المحاربْ/ ومثلما الناطورْ/ ينسى على كرومِهِ الثعالبْ/ إذا نسيتْ/ أنَّ بينَ ثدييْ أرضنا يبيتْ/ إلهُ أورشليمْ/ وأنَّ من قطوفْ/ دَمِنا يَعتصرْ/ الشهدَ واللّبنْ/ وخمرةَ السّنينْ/لكي يعيشْ/ ويُفرخَ الوحوشْ».

محمد حسونة ـــ 2013


◄ صالح لبريني
(شاعر من المغرب)

بالنسبة إليّ، كل حديث عن فلسطين والتطبيع هو حديث عن صراع قائم بين المشروعية التاريخية والوجودية وبين الخرافة الصهيونية المفتعلة والمؤسّسة على الاحتلال واغتصاب الحق الفلسطيني. والمعادلة هنا لن تستقيم في طرحها لإيجاد الحل النهائي لقضية عمّرت وستعمّر لقرون نظراً إلى العديد من الحيثيات التي لا يتسع المجال للتفصيل فيها. وما دام الصراع قائماً والمحتلّ متمادياً في اغتصابه للإنسان والجغرافيا والتاريخ، فلا مجال لأيّ تطبيع. فكل تطبيع من أيّ طرف يُعتبر خيانة للتاريخ والحضارة والوجود. ذلك أن فلسطين ليست قضية فلسطينية تخص الفلسطينيين وحدهم، بل قضية كل عربي ومسلم أولاً، وثانياً قضية كل من في قلبه ذرة إيمان بالحق والعدل. ومن ثمّ فالقضية الفلسطينية قضيتي، التي لن أتنازل عنها مهما كانت الظروف والسياقات، لأنها دمي الذي تتنفّس به شرايين القلب النابض بروائح أمكنتها وأزمنتها الضاربة في عمق الوجود البشري، وهويتي التي تشكّل عصب كينونتي العربية الإسلامية.
إن مسألة الصراع مسألة وجود، وتفرض قضاء طرف على آخر بكل الوسائل المتاحة، ولعلّ الصهيونية المهيمنة على دواليب السلطة تعمل جهدها من القضاء على الشعب الفلسطيني، وهذا مستحيل ويندرج ضمن المستحيلات السبعة. والسبب يعود إلى إرادة الشعب الفلسطيني القوية والصامدة في مواجهة كل أشكال التهويد الممنهجة من لدن القيادة الصهيونية، وإلى الشرعية التاريخية وليس الدولية، لأن الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة بكلّ تشكيلاتها مع العدو الصهيوني وضد الحق الفلسطيني، رغم ما نراه من تمثيل مسرحي فاشل لدول العالم. لكن الغريب ما نراه من تهافت ساذج، ينمّ عن انعدام التجربة في الحياة السياسية، من لدُن بعض الدول العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ضارباً عُرض الحائط كل التضحيات الجسام للشعب الفلسطيني والعربي. وهذا في اعتقادي الخاص أبشع جريمة تُرتكب في حق الشعب الفلسطيني باسم السلام، لأن هذا التطبيع ضد التاريخ، وضد الهوية، وضد المنطق الحضاري. وباعتباري مثقفاً عربياً، أعلن رفضي التام لتطبيع الخذلان والمهانة، الذي تمّ مع بعض الدول العربية، وأدعو المثقفين العرب للخروج من سلبيتهم وصمتهم لمقاومة هذا التطبيع وفضح مخططات الصهيونية الهادفة إلى القضاء على الوجود العربي في المنطقة.


◄ عبد الهادي العجلة
(كاتب وأكاديمي من فلسطين)

إن الدول قضايا، والقضايا مواقف، والمواقف هي المحدِّد في العلاقة، وهكذا هم الأشخاص، فهم ذوو مواقف، والموقف دوماً قضية. فإما يكون الإنسان صاحب قضية أو لا. وقضية فلسطين هي أمّ القضايا، وبالتالي هي أمّ المواقف، فالموقف من فلسطين وقضيتها والفلسطينيين وقضيتهم هو المحدِّد، سواء للأشخاص أو الدول أو الأنظمة السياسية أو الأنظمة الحاكمة. إن الموجة الأخيرة من التطبيع العلني الفاضح بين أنظمة عربية لم تكن يوماً سوى أداة من أدوات قمع الفلسطينيين بشكل مباشر، أو غير مباشر، ولأن الموقف قضية، فإن المتتبّع لمواقفهم السابقة من القضية يجد أنها لم تكن سوى «رفع عتب». تحرّكني ملاحظتان أكثر من غيرهما، ليس غيرة ونقمة على المطبّعين الجدد في العلن، ولكن أسفاً وشفقة عليهم مما يرتكبونه بحق أنفسهم.
أخبرني صديقي الدنماركي قبل أعوام طويلة عن أن الدنماركيين مثل علبة «الكاتشب»؛ تحاول التقرب منه وتجد صعوبة في بناء الصداقة أول الأمر، لكنه عندما ينفتح يكون كعلبة الكاتشب، ينهمر دفعة واحدة. وهكذا هم المطبّعون الجدد، ومن يناصرهم من شخصيات صنعوها في كذا مواقف لتدعمهم أمام العالم حين تكون شعوبهم مكمّمة الأفواه.
فجأة بدا ألحب كأنه من طرف واحد، وبدأت الهدايا من مقالات حول السينما الإسرائيلية والعلم الإسرائيلي (ولا نستغرب لاحقاً أن يكتبوا عن الحمص والفلافل الإسرائيلي!). أما الملاحظة الثانية وهي الأهم، أن الأنظمة الديكتاتورية والقمعية هي فقط التي تستطيع التطبيع. من يستطيع إخماد شعبه وتكميمه هو من يستطيع فعل ذلك بنجاح. النظام الذي يستطيع أن يتحدث هو والأصوات التي يريدها ويدير الاقتصاد والمجتمع حسبما يريد، هو من يستطيع التطبيع لأنه يعرف أنّه لا رفض ممكناً من قبل الشعب، وإن وجد لن يتعدى صوتين وإن خرجت التظاهرات (كما في البحرين) يمكن قمعها، كما فعلوا على مدار السنوات الماضية، بل وقتلوا وحاكموا القائمين عليها أيضاً.
التطبيع موقف، والموقف قضية، والتطبيع هو أيضاً قضية ولكنه، حتماً القضية الخاسرة.


◄ ريمة راعي
(روائية وصحافية من سوريا)

«أشعر بأمان شديد كي أقول ذلك: أنا من إسرائيل». هكذا وصفت عارضة الأزياء الإسرائيلية ماي تاغر تجربتها الأولى في عرض الأزياء لمصلحة شركة إسرائيلية في صحراء دبي؛ الأرض العربية التي كان مقدّراً لها ألا يشعر فيها عدو بالأمان. الأمان! يا للمفردة العذبة! ويا لظلها الطويل الذي تحدث فيه مسرّات كثيرة! هل من مسرّات ممكنة دون أمان؟ هل يستطيع أشخاص خائفون أن يختبروا المسرّات أو حتّى الحياة؟
لم يعد بإمكان الإسرائيلية أن تجيب عن هكذا سؤال؛ فقد باتت آمنة ومحمية، لكن خير من يستطيع الإجابة هن نساء فلسطين، اللواتي لطالما شاهدناهن على الشاشات يلطمن على صدورهن، بينما الجرّافات الإسرائيلية تحوّل بيوتهن إلى ركام. أو قد نكون أكثر قسوة على أنفسنا، ونبحث عن الإجابة في مشهد الاحتماء المتبادل بين محمد الدرّة وأبيه قبل أن يستشهد بنيران الصهاينة، أو نستعيد صور المجازر الإسرائيلية في غزة وحيفا ودير ياسين وخان يونس وصبرا وشاتيلا وغيرها.
أستعيد كل هذه الصور، وأشعر بالذل والإهانة بينما أنا متسمّرة أمام شاشة التلفاز، أتابع البثّ المباشر بين تلفزيون دبي والبحرين وإسرائيل، وأسمع المذيعَين العربيين يتبادلان التحيّات مع المذيعة الإسرائيلية: شالوم!
فكّرت في هند، صديقتي الفلسطينية التي هُجّرت عائلتها من فلسطين، وولدت وكبرت وتزوجت في دمشق. ترى هل تتابع هذه المشاهد الآن؟ هل شاهدت الأعلام الإسرائيلية ترفرف على السفارات في أبو ظبي والمنامة؟ هل رأت أطفالاً إماراتيين يرتدون قمصاناً تحمل علم إسرائيل؟
استعدت حديثنا في اتصالنا الهاتفي الأخير، حين سألتها عن ابنتها قمر، فهمست لي بصوت خافت كي لا تسمعها طفلتها ذات الست سنوات: تصوري، منذ أيام سألتني، لماذا الله لا يحب جدو يا ماما؟ وحين استفسرت عن سبب استنتاجها العجيب هذا؛ قالت إنها تسمع جدها، بعد كلّ صلاة يرجو الله أن يصلّي في المسجد الأقصى.
- لماذا لا يسمح الله لجدو أن يصلي في المسجد الذي يحبه يا ماما؟
أخبرتني هند أنها غصّت، وهمست للصغيرة: الله يحب جدو كثيراً، لكن إسرائيل هي التي تمنعه من الذهاب إلى المسجد. وإسرائيل غول كبير يلتهم الناس، ولا بد من موت الغول؛ حتى يصلّي جدو وبابا والجميع في المسجد الذي يحبونه.
قلت لهند: إذا صدّقت قمر حكاية الغول، سيكون سؤالها الجديد هو: متى سيقتلون الغول يا ماما؟
لا إجابات ممكنة عن سؤال «متى»، لكن اليقين الوحيد هو «من» سيفعل ذلك. وحدها بنادق المقاومين تجيب، وحجارة أطفال فلسطين، ومفاتيح البيوت التي يحتفظ بها العجائز قرب قلوبهم. وحدهم الشرفاء يعرفون من سيقتل الغول.


◄ شيخة حسين حليوى
(قاصّة وروائية من فلسطين)

كانت قريتي «ذيل العِرج» قبل هدمها عام 90 تحاذي ما تبقّى من محطّة العفّولة، التي كانت جزءاً أو فرعاً من سكّة حديد الحجاز الواصلة بين حيفا ودرعا في جنوب سوريا، لافتة قديمة ظلّت تُشير إليها. لاحقاً، انضمّت قريتي إلى قائمة «ما تبقّى» دون لافتة سوى أطلال مصاطب الأكواخ تطلُّ منها أعشابٌ عنيدة. لا تعبير كان يمكن أن يصفّ إحساس الفقد الذي كان يرافقني وأنا أتخيّل محطّة تعجُّ بالمسافرين من فلسطين إلى دمشق كلّما مررتُ من هناك. أراضي قريتي تمّت مصادرتها لمصلحة سكّة حديد غير معروفة وجهتها، سكّة طويلة مسيّجة ومحطّات خالية، وقد تندّر البعض أنّها ربّما بُنيَت ليتمّ عبرها تهجير فلسطيني الداخل إلى عواصم عربيّة توطّنهم فيها، وهمس البعضُ أنّ الآتي أعظم وأقسى. كأن تعود الحياة إلى محطّات قطار الحجاز! ليس هناك فلسطينيّ واحد في الداخل لم يحلم أن يزور عاصمة عربيّة، أن يشتري تذكرة من محطّة قطار، ببساطة، ويجد له مكاناً في مقطورة ويختار لاحقاً أيّ محطّة ينزل بها. ليست هناك أسرة فلسطينية لم تتقطّع أوصالها في نكبة 48 ويتوزّع بعضُ أفرادها لاجئين في الدول العربيّة، ليست هناك أسرة فلسطينيّة لم تحلم بقطارٍ يرتقُ ما تقطّع. يستقلّ القطارَ فلسطينيٌّ، ينزل منه في عاصمة عربيّة فلسطينيٌّ!
بعد أكثر من سبعين عاماً على النّكبة، قطارٌ سريع، أكلَ ما أكل من أراضينا، سيمرُّ من محطّاتنا، سنتابعهُ بألم وحسرة، سيقولُ المنتظرون:
شتّان بين قطارٍ يلمُّ الشّملَ وآخر يفتّتُ الشّملَ.


◄ لطفي الشابي
(شاعر وروائي من تونس)

إنّ معاهدات الخيانة والتطبيع مع الكيان الصهيوني لم تنطلق في السنوات الأخيرة. ما يقع اليوم هو خطوة في سلسلة حملات التطبيع التي هرولت إليها بعض الأنظمة العربية الرسمية منذ عقود. ولستُ ممّن يوجّه إصبع الاتّهام إلى الآخر الغريب، فذلك مشروع لهم، فهي حربُ وجود وهم حريصون على ضمانه. أمّا نحنُ، فقد صحّ فينا قول الشّاعر: «وكأنّا لمْ يَرضَ فينا بريْب الدّهر حتّى أعانَه من أعانَا». نحن من هدمنا كلّ الصّروح التي كانت تصدّ حملات الصّهاينة ومن والاهم: منذ غزو العراق بقيادة صهيو/ أميركيّة وتنفيذ عربيّ متواطئ... إلى إطلاق فتيل «الرّبيع العبري» وتوجيه دفّة الهبّة العربيّة الرّافضة للاستبداد ولحكم الخوَنة الخانعين إلى تعميق الأزمة في البلدان العربيّة وتوسيع مدار البؤس وتعميمه. كلّ ما عاشه الواقع العربيّ في العقدين الأخيرين كان استكمالاً لضرب ما تبقّى من حصون الممانعة والرّفض، بأيادٍ عربيّة هدّامة لا تخدم إلاّ مشروع الآخر الغريب ولا تدفع إلاّ إلى توسيع نفوذه في المنطقة.
كلّ ذلك كان يحصل وفق تمشّ مدروس ومحكم البناء. تعوّدنا كلّ المواقف المندّدة القديمة التي ظلّت نبرتُها تخفت من واقعة إلى أخرى. حتّى وصلنا إلى صمت جلّ الدول العربية الذي يَشي بتواطؤ الجامعة العربية التي صارت عرّاب التطبيع الرسمي مع الصهيونية.
والآن، ما الذي يمكن أن نقولَ (فلم يعد للفعل الآن من سبيل) لكيْ نواجه هذا المدّ المرعب المتعاظم من عام إلى آخر؟ لم نعد نملك إلاّ فَضْلةَ إصرار وبقيّة عزْم والكثير الكثير من الأحلام التي لا نريد أن نودّعها. لم يبقَ لنا، نحن الشّعراء، إلاّ أن نستكمل ما بقيَ من الطريق الطّويل الذي سلكَه قبله الحالمون، وأضاؤوا الوجهة وزيّنوا في أعيننا وقلوبنا وعودَ العواصف.
سنحلمُ، ونغري بالحلم، ولن نقول مع الخانعين: «لا فائدة». بل سنقول مع الواثقين بالرّؤيا: «نحن محكومون بالأمل»، ولا يمكن أن يكون هذا الوضع قدراً أبداً. ولنحلم معاً بما كان يطلبُه أبو القاسم الشّابي، وهو الخالد بيننا بمثل ما كان يرى ويريد: «لا عدْلَ إلاّ إن تعادلتِ القوى وتصادمَ الإرهابُ بالإرهاب»


◄ عائشة بلحاج
(شاعرة من المغرب)

ما الذي تبقى من الشعارات القديمة وزمن الرفاق، سوى سقف قد يقع بين لحظة وأخرى، وريح تهبّ حولنا... سأنطلق من موقف جيلي مما يحدث الآن؛ فلنقل إن الجدران تقع من حولنا، نحن الذين وُلدنا في الثمانينيات ووسط القمع الذي عشناه في بلداننا، كانت فلسطين هي الثورة المسموح بخوضها حيثما شئت، في بيتك أو في الشارع أو في المدرسة أو الجامعة... يمكن أن تغنّي عن فلسطين، وتشتم العدو الإسرائيلي، وتركض متظاهراً ضده في الشوارع، وتحرق علمه، ثم تعود إلى بيتك، وأنت ممتلئ بالحياة، مع حلم مشروع بالثورة.
ما الذي تبقى من ذلك الآن؟ لا شيء على الإطلاق. نحن في زمن يقول فيه مذيعون عرب لـ «زميلتهم» الإسرائيلية في بث مشترك: شالوم... بوجه أحمر، ويغني فيه فنانون لتل أبيب. وبعدما كنا ندعم مقاطعة الشركات المطبّعة، أو الداعمة للصهيونية، أصبحت الآن منّا وفينا. الوضع غريب لدرجة أننا عندما نتحدث عن فلسطين في بلادنا، يُقال لنا: اخرسوا. ولا يقولها رجال شرطة أو مخبرون، بل يقولها رفاقك الذين ينصحونك بألا تضيع صيحة واحدة من أجل فلسطين. وبدلاً من ذلك تأتيك النّصيحة حادة كالسيف: انتبه لبلدك.
هكذا علينا جميعاً أن ننسى فلسطين وندسّ رؤوسنا في بلداننا التي قد نفيق بين ليلة وأخرى لنجدها قد طبّعت مع العدو التاريخي الذي اتفقنا جميعاً على معاداته، وكان آخر ما اتفقت عليه الدول العربية. والآن، حتى وهي تطبّع واحدة بعد الأخرى لن تتفق. والسخرية أن ما تظن أنها قد ربحته، لن تحصد منه سوى الفراغ، ولعل ما شهدناه في حفل التوقيع الأخير خير دليل على خسائر التّطبيع الرمزية.
لقد ضحكوا علينا وسمحوا لنا بعقود من الثورة العاطفية، وبعد أن يقضوا على حلم دولة فلسطين، من يقدر من هذه الدول على تخدير السّعي الإنساني للتحرر. الانتصار لفلسطين انتصار للإنسانية فينا، وللقيم. إنّه جزء من التّغيير الذي سيحدث يوماً ما.


◄ نصر جميل شعث
(شاعر من فلسطين)

التطبيع، كإجراء خرج للعلن، يعني أن الصراع مع الصهيونية طويل. للأسف، ومن باب التبذير: فعل المضارع «يعني» يُقدّم شرحاً لما هو واضح منذ زمن بعيد. الواضح هو أن أنظمة عربية بعينها تعمل جنباً إلى جنب مع الصهيونية وكخادمة لها.
الجديد في هذه المرحلة أن عربدة المال، باسم المصالح المشتركة وإرساء «السلام والاستقرار» في الشرق الأوسط؛ أن هذه العربدة قد بلغت مبلغها وألبست النكاية بالفلسطينيين وبالشعوب العربية لبوسَ الكرنفال؛ فرحاً وثقةً بالمجرمين وسرّاق الأرض العربية. والمتابع لكيف يوجّه الإماراتيون، الآن، آلة إعلامهم الرسميّ؛ يدرك حجم تطرفهم الدفين في معاداة كلّ ما هو جوهري وأصيل وحقيقي وعادل. كاتبة من الإمارات ترى أن في عقد حاكميها اتفاقية سلام مع الصهاينة سياسة وحكمة، وفي الوقت نفسه ترى أن لفلسطين شكل الروح في الإماراتيين حكومة وشعباً. وعليه، ليس هناك من تعليق عليها سوى: يا لهذا التخبّط ويا لسياسة اللغة على نحو ركيك ومكشوف؛ صيانةً للعبودية وتبريراً وقحاً للخيانة.
وتظلّ كلمات كتبها شعراء وأدباء وفلاسفة حول العالم في حبّ فلسطين والوقوف مع شعبها؛ تظلّ أهمّ تاريخياً وجمالياً من كيانات صنعها الاستعمار وأرخى لها حبال الوهم؛ وهم الاستقلال. ففي مواجهة حامية كان خاضها مع مراسل علهمشمار (الإسرائيلي)، قال الكاتب جان جينيه في معرض دفاعه عن الفلسطينيين ووصفه لهم، أثناء زيارته لمخيمات اللاجئين، في الأردن، عام 1970: «هناك شيء أصيل، شيء حقيقي... هذا يعني أن تكون في قلب أغنية عصرية، لا رواية رخيصة... إذا كنتَ تعرف هايدغر، فستعرف أن الفلسطينيين يُمسكون، الآن، بزمام وجودهم».


◄ شكير نصر الدين
(ناقد أدبي ومترجم من المغرب)

التطبيع وفلسطين. فلسطين لا تقبل حرف العطف.
التطبيع فلسطين: تناقض في الألفاظ.
التطبيع تلطيف في اللفظ يُحتال به قصد توطين فكرة الاحتلال في الأذهان، كناية مغرضة، تعريض باطل يريد إفراغ المعنى و التاريخ والحضارة بعدما أفرغ أهل الأرض من ديارهم، منذ سايكس و بيكو إلى أحفادهم، ترامب ومن لا يستحق الذكر لاسمه النتن، برعاية «سامية» من أمم تدعي الديمقراطية ولا تؤمن بها خارج المركز الغربي وصنيعتها المرفوضة، الجسم الدخيل الذي وإن أخذ شكل دولة، فهو أحقر من فلس فلسطيني، عملة رائجة قبل نهوض الكيان الغاصب ومن يبارك احتلاله من قبائل لم تكن حتى الأمس سوى شرذمة عشائر، دولة كان اسمها فلسطين، وما زال اسمها فلسطين، فحتى لو مسحته google، فإن الخريطة ليست هي الأرض، الأرض لها أبناؤها الشهداء منهم والأحياء، المقيمون تحت الاحتلال أو المهجرون.
التطبيع لا يكون مع محتل، غاصب لأرض، ولو امتلك قوة السلاح والدعم ممن هم على ملته الصهيونية، سواء كانوا من دينه أو من أشياعه وأتباعه أو ممن لهم حسابات الاصطفاف خلف المحتل، والحال أن فلسطين منزوعة السلاح أقوى بشرعيتها الحضارية، القومية وحوزتها الترابية، لأن أضيق درب، في أصغر حارة في فلسطين أعرق من ناطحات سحاب مستوردة أقيمت في أرض صحراء. لا يعني هوان العرب اليوم الاستهانة بحق فلسطين في استرجاع أرضها، وأهلها في الشتات، فهذا حق لا يطاوله التقادم. وكل تطبيع سياسي أو تجاري أو ثقافي هو خيانة لهذا الحق الشرعي. لا للتطبيع.


◄ عبد الفتاح بن حمودة
(شاعر من تونس)

لم يكن الأمر مفاجئاً أبداً بعد إعلان الإمارات والبحرين التطبيع العلنيّ مع الكيان الصهيوني، فقد سبقته معاهدة السلام مع مصر عام 1979 ثم مع الأردن كذلك وصولاً إلى معاهدة «السلام» في أوسلو. كانت بريطانيا الاستعمارية قد زرعت ذلك السرطان منذ وعد بلفور. منذ ذلك الوقت قامت أميركا برعاية إسرائيل وتسليحها وجعلها تملك ترسانة نوويّة. كانت دول عربية عديدة مطبّعة سرّاً منذ عقود، وها هي تعلن ذلك رسمياً. ما يعنيني أن تكون الشعوب قد تعلّمت الدرس بأنّ الأنظمة العربية هي أول الخائنين للقضيّة الفلسطينية التي تاجروا بها كذباً ونفاقاً. على النخب أن تقاطع كل تعامل ثقافي وفني ومعرفي مع أي دولة عربية قامت بالتطبيع، وأيضاً مقاطعة المهرجانات العالميّة التي يشارك فيها ضيوف من الكيان الصهيونيّ. إن أخطر أنواع الأنظمة العربية هي التي تتستّر وتتاجر بالدين من أجل التغطية على جرائم خيانة فلسطين، البلد الذي تمّ اغتصابه واحتلاله وتهجير شعبه وحرمانه من تقرير مصيره وإعلان دولته المستقلّة.
وعلى الفصائل الفلسطينيّة أن تتوحّد وأن تنبذ كلّ خلاف. لأن التوحّد هو السبيل الوحيد لمقاومة الاحتلال. وعلى الشعوب العربية مقاطعة الحجّ إلى مكّة لأن أموال الحج تهدى إلى أميركا التي تسلّح الكيان الصهيوني. فبناء مدرسة أو مستشفى أفضل من الحجّ فالشعوب العربية تهدر طاقاتها ومقدّراتها.


◄ مريم ميرزادة
(شاعرة وروائية من إيران)

بالنظر إلى أنّ مصطلح «التطبيع» يعني لفظياً جعل الشيء «عادياً» أو «طبيعياً»، وتطبيع العلاقات بالتالي يعني جعل العلاقات طبيعية، فإنّ الخطوة الأولى لفهم المعنى المفهومي للمصطلح يتطلّبُ فهم الطرف الذي يعود إليه. يرى الدكتور هشام غصيب بأنّ حقيقةَ أن يكون التطبيع مع الكيان الصهيوني، تتطلّبُ فهماً لطبيعةِ هذا الكيان والمخطّط الأميركي والنظام الأمبريالي الذي غرسَه في المنطقة، من أجل فهم تعبير «التطبيع مع إسرائيل».
لعلّ الأمرَ أشبه ما يكونُ بفهم القضايا الفلسفية التي تعدُّ خطوةً أوليةً في تعريف المنهج المتّبع في تحليل هذه القضايا كما يرى روبين كولنجوود. فإنّ فهمَ قضية الاحتلال تستتبعُ تلقائياً فهماً للسبل التي تنتهجُها الدول المتأثرة بهذا الوجود من أجل تحليل وضعِها في ظلّ هذا الوضع المفروض عليها وفهم هويّتها. راحت الدول العربية تخطو باتجاه التطبيع خلال محطّاتٍ تاريخيةٍ مختلفة منذ عام 1948 وحتى اليوم، تراوحت بين السرّ والعلن، تحت عنوان اتفاقيات السلام تارةً وتارةً بعناوين أكثر مقبوليةً في الذهنية العربية ومراعاةً للتوجّهات المناهِضة لهذا الوجود، رافعةً شعارَ القضيّة الفلسطينية أوّلاً.
وما بين ظلّ المخطّط الكبير لدولة شعب الله المختار، الذي تقصُرُ أنظارُ الكثير من أعراب الخليج الفارسي عن رؤيةِ نَيرِه وشؤمِه الممتدّ زمنياً وجغرافياً، وبين الغايات الأمبريالية العالمية التي باتت مستشريةً تحت مسمّى العولمة في خلايا الأمّة العربية دون أن تعيَ ذلك، في الاستهلاك والثقافة والإعلام والتكنولوجيا وفي كل مكانٍ من حياتِنا، بين هذا وذاك، طارَ ثوبُ جسد الأمّة العربية، وانكشفتِ البِطانة الأصلية. تداعى الحياءُ وتهافتَت المُداراةُ وسارعَت الحكوماتُ العربية إلى إعلان التطبيع مع إسرائيل والمجاهرة به. وفي كل مرة، تتبدّلُ وجهةُ أصابع الاتهام لتشيرَ إلى إيران عدوّاً مشتركاً يهدد المنطقة. فالوحدة العربية والإسلامية تشكّلُ تهديداً لمصالح الأمبريالية التي لم تجد حيلةً أفضلَ من اللجوء إلى تذرية الشعوب وتدمير قوميتها وتفكيك هويّتها بكل الأشكال المقدور عليها ومن كلّ المنافذ ونقاط الضعف ومواضع الخلل والانشقاق.
يشكّل التطبيع العربي مع إسرائيل تضييعاً للذات، وفقداناً للهوية بل موتاً للعقل العربي، حيث لا سبيلَ للتعايش مع كيانٍ غاصب بنيانُه محض أيديولوجيٍّ تشتغل عليه الأنظمة التي تحمل خطابَ الهيمنة والتمدّد من أجل احتكار القوة بكلّ أشكالها. رغبةٌ متدفّقةٌ لا تنضب، للسلطة، إرادةٌ عمياء للقوة. وفي حضرة السلطة والقوة، ثمةَ دائماً ضعيفٌ مسلوبُ الإرادة، لا يمكنُ أن يقدّمَ مشروعاً لدولةٍ حديثة مستقلّة في ظلّ تفتّت وجودِه، وتذرّي هويّته.


◄ محمد خطّاب
(كاتب ومترجم من الجزائر)

اسم إدوارد سعيد مقترن بفلسطين اقتران العطر بالوردة. هوية العطر لا تنفصل عن الوردة مطلقاً. لكن إدوارد سعيد خلّاق للمسافات، من يريد فهم روح المقاومة عنده، عليه بإدراك نقدي وحقيقي لروح المسافة. خارج المكان هو تعبير عن قسوة النفي حيث لا بيت ولا سكن لك، سوى الذاكرة وما هو قادم، مع الإحساس الدائم بتهديد الانزلاقات تحت القدمين. سفر سعيد كان سفراً في الثقافة، مع أنه مناضل حقيقي، وهب فلسطين أجنحة حقيقية وظلاً مناسباً. لقد حوّل المعرفة التي صادفت فيه أرضاً خصبة منذ البداية إلى سلاح قوي بخبرة ناقد لم يستسلم لسحر الخطابات النقدية التي تضمنتها السرديات الكبرى. روح الحداثة عند سعيد لم تكن مفصولة عن «جسده». المعرفة والنقد والثقافة كلها كانت أدوات لمقاومة ما يسمى بالهمجية التي تزيّت بأثواب الحداثة المعاصرة.
يكفي أن نقرأ «خارج المكان» – مذكراته الحزينة – لكي نعرف أين تسكن روح المقاومة، بغض النظر عن الكتب التي كتبها أساساً في فلسطين مثل كتابه «مسألة فلسطين» الصادر سنة 1979. «خارج المكان» هو الفضاء الثالث أو المكان الذي استطاع أن يتحرك فيه سعيد لإنتاج ثقافة مقاومة للنظرية وللهمجية معاً، للمعرفة المتسيّدة وللإمبريالية. ثم اجتمع في فلسطين نموذج الجمع بين الصفتين، كيف يكون جسد المثقف؟ ما هي عناوين نضاله؟ كيف خاطب التاريخ الخاص والعام؟
كل كتب سعيد حتى المجردة منها مثل كتاب «بدايات القصد والمنهج»، تقول جسد سعيد وكيانه وحبه لفلسطين: تاريخاً وذاكرة وأرضاً وثقافة وحلماً، لأن قيمة الثقافة تتعزز بروح نقدية منفتحة غير متصلبة ولا تعرف الأحياز أو الجهات، وهو ما منحه له المكان الثالث أو خارج المكان، أو بتعبير القرآن الكريم لا شرقية ولا غربية.
الآن سعيد لا يزال مستمراً في روح النقد الذي اتسع شرقاً وغرباً، وازداد صلابة وقوة وانفتاحاً ضد كل أشكال الهيمنة. ويمكن تخيل إدوارد سعيد وهو يشاهد مسرحية التطبيع التي تجعله يفقد ثقته كما هو في العادة في شكل الفكر الهش والمسنود بقوة المال الذي غطى على فضيحة التبعية والخذلان.


◄ دارين حوماني
(شاعرة من لبنان)

هل نحن حقاً بحاجة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني كما يريد إيهامنا الملوّحون له؟ هل نحن بحاجة فعلًا إلى التقرّب من الولايات المتحدة من باب إقصاء فلسطين من ذاكرتنا وهويتنا؟ لا تقتصر أهداف أميركا في الشرق الأوسط على حماية دولة «إسرائيل» وحفظ أمنها بل تتمدّد لتعزيز اقتصادها المعتمد بشكل شبه كلّي عليها عبر فتح الأبواب العربية لدولة الاحتلال، لكن الاقتصاد ليس إلا شكلاً من أشكال التطبيع، سنجد أنفسنا أمام أشكال تتناوب للترويج لفكرة التشارك مع الإسرائيلي في كل القطاعات ومنها السياسية والاقتصادية والثقافية. هي أبواب لغرفة مشتركة يمكن عنونتها بـ «تجميل وجه» إسرائيل البشع والعنصري بأصابع عربية، وبشرط أن يلغي العربي من كتابه فكرة الإسرائيلي «المغتصب» واستبدالها بالإسرائيلي «المظلوم» الذي يريد السلام والطمأنينة فقط في أرضه؛ إنه يريدنا أن نشطب ما ارتكبه من مجازر وتهجير بحق الشعب الفلسطيني «الذي لا يستحق كل هذه التضحية»، ويريد لنا استبدال الدماء التي سقطت منا مقابل فواتير من الخسارات ليس أكثر، يريدنا أن ننسى في مقابل احتفاظه بدعاواه التوراتية وبأرض ميعاده التي تخيّلها أجداده منذ ثلاثة آلاف سنة ولا يزالون يحتفلون بها سنوياً.
ماذا يريد الإسرائيلي من التطبيع الثقافي غير إضعاف مناعة العربي الذهنية تجاه فكرة «المحتلّ والمغتصب» وتشتيت وجدانه نحو أرض أخرى يحرث فيها؟ هل يصدّق هؤلاء الملوّحون للتطبيع أن الصهيوني سيتنكّر لما في داخله من استعلاء تجاه العربي؟ إنهم يشيدون بديمقراطيّة هذا الكيان في الوقت الذي يعمل حرّاسه جاهدين لقمع فلسطينيّي الداخل وتهميشهم وتكريس دونيّتهم، وهذا ما يحكي عنه العديد من المثقفين اليهود وليس على لسان أهل فلسطين. إذا مررنا في شوارعهم سنسمع أصواتاً تخبرنا بحزن عن إنجازاتهم على أجساد قتلانا منذ ما قبل النكبة، سنجد فيهم من هم أكثر منا اقتراباً من فلسطين.
بعد أول اتفاق عقده الكيان الصهيوني مع طرف عربي وإلى آخر اتفاق، منذ كامب ديفيد إلى الاتفاق الإماراتي-الصهيوني وضع الاسرائيلي عينه على المثقف العربي على مستوى واحد مع السلاطين العرب بل وأكثر. في عام 1982 أسّس الكيان الصهيوني «المركز الأكاديمي الإسرائيلي» في القاهرة، ولم يكن هدفه كما هو مكتوب في بيانه: «توثيق أواصر العلاقة بين الجامعات والباحثين في مصر وإسرائيل»، بل كان يهدف إلى غسل عقول الأكاديميين والباحثين العرب في جميع المجالات من أجل أن يتسلّل الإسرائيلي بين جثثنا ويُفقدها القدرة على الصراخ. وقد تَبع الاتفاق الأخير بين الكيان الصهيوني والإمارات اتفاقية تعاون للتدريب والإنتاج في 21 أيلول/سبتمبر من هذا الشهر بين «لجنة أبو ظبي للأفلام» و«صندوق الأفلام الإسرائيلي» ومدرسة «سام شبيغل» للسينما والتلفزيون الاسرائيلية تتضمّن خططاً لمهرجان سينمائي سنوي بالتناوب بين أبو ظبي و«إسرائيل». كما يضمّ إقامة ورش عمل مشتركة وبرامج تدريبية متقدّمة لصنّاع الأفلام في البلدين ولتطوير النصوص، بهدف تطوير إنتاجات مشتركة بين أبوظبي و«إسرائيل». وبين عامَي 1982 و2020 ثمة اتفاقات تطبيعية ثقافية علنية وسرية بين أطراف عربية وإسرائيلية لا يهدف الإسرائيلي منها إلا إلى تشويه التاريخ وكتابة تاريخ فلسطين بخط يد العربي بما يتوافق مع الرؤية الصهيونية.
من مسلسل «أم هارون» ومن أحلام بفائض عتمة لزياد الدويري وآخرين سنكون أمام ساعات مترابطة على توقيت الإسرائيلي «المظلوم»، يكتب رئيس قسم الدراسات الشرقية في جامعة تل أبيب يرون فريدمان في مقال نشره موقع «يديعوت أحرونوت»: «إن مسلسلَي «أم هارون» و«مخرج 7» يهدفان إلى إبراز مظلومية اليهود والتدليل على أنهم ضحية القمع العربي ويعبّران عن محاولة للتمهيد للتطبيع بين إسرائيل والخليج، وأن مسلسل «أم هارون» حرص على تبنّي المصطلحات التي اعتمدتها الحركة الصهيونية في توصيف تاريخ فلسطين». قد يبدو جلياً أن الإسرائيلي هو الذي يحتاج إلى التطبيع مع العربي وليس العكس. لكن صحيح أن ثمة جهداً لتكريس الإسرائيلي «الطيب» في الوعي الجمعي العربي، إلا أنه في المقابل ثمة وعي آخر يجمّع نفسه على شكل زيتونة فلسطينية ويزرعها من جديد على سطح الأرض العربية جمعاء وسنقتفي جذورها لنجدها حتى في أعمق أعماق الدول الساعية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني.

* من قصيدة «العدو» لمحمود درويش

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا