لا حياد في قاعات «متحف نابو» (الهري- شمال لبنان). فالتاريخ وثيقة دالة على «حيادهم» الكاذب، لا بل على خُططهم وتخطيطهم وإصرارهم على جعلنا أشياء لا بشر، قطعاناً لا مواطنين، مشاريع وقود لحروب لا تنتهي، أهلية كانت أم لصدّ الآتي من الخارج، مشاريع لـ «تصفير» أعمارنا، والعود على بدء ألا نَحْيَا بعزة وكرامة ما لنا من أوطان مُحررة من غصْبهم و«لاحيادهم»، ومن غرائز الفتك بيومِنا، وعمرنا، ودهرنا، ومستقبلنا، وأحلام نومنا، ويقظتنا، وحتى بأحزان قلوبنا لو شئنا البكاء والتعبير. تاريخنا/ سكاكينهم في نهش أوطاننا وتقسيمها وشرذمة عُرى أوصالها.. سكاكينهم التي أوغرت «تنْزيف» جروحنا قبل أن نولد، وفي أثناء إغماءاتنا، وقبيل سويعات الرحيل والانتقال..
لا حياد في قاعات «متحف نابو»... فالجدران المتوزعة بين طابقين وإطلالاتهما عبر زجاج على شاطئ بحر أبيض متوسط تحمل بصمات تواريخ تلك التواريخ.. وفيها من الخبر والمبتدأ والاستمرار مأساة فلسطين، فأين الحياد؟ وأي حياد؟
تاريخ رسمته بلا حياد اتفاقية سايكس- بيكو، ولها على أحد جدران «متحف نابو» خريطة تقسيمنا/ تشويهنا/ العبث بمصائرنا/، ثم أكدت انحيازاته و«حياديته» الكاذبة رسالة وعد بلفور إلى أحد زعماء الصهيونية (روتشيلد) يتعهد له فيها بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. رسالة تضمنت كل الحياد لذاك المشروع الصهيوني، وكامل «اللاحياد» تجاهنا/ حقوقنا.. وعد عمّدته خُططهم وتخطيطهم وخبث نواياهم وعميق احتقارهم لشعوب منطقتنا العربية بالدم، حروب ومجازر، بدءاً من فلسطين، وانتهاء بها، وإلى اليوم، وإلى أن يقضي الله أمراً...
«يأس وأمل/عندما يتبصّر الفن الحرب والتاريخ»، عنوان لوحات وجداريات ومنحوتات لمضمون واحد: سكاكين «لاحيادهم» التي أعملوها في جراحنا. (يستمر المعرض لغاية 20/09/2020 في «متحف نابو» لفنانين تشكيليين من فلسطين وسوريا ولبنان والعراق)، ويعكس ما وقع (أو بالأحرى ما أوْقعُوه) في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق. إنها شرذمات الطوائف بديلاً لبناء الأوطان بعد رحيل العثماني، فشهدت ما شهدته من اقتتالات وتقاتل تحت عناوين كاذبة هنا وغارقة في تفاصيل «لاحيادها» من المنبع هناك.
ألفرد طرزي جعل العملة الوطنية خلفية للأحداث التي شكّلت لبنان


ثمة عدد من أعمال الكولاج/ الملصقات «خلطها» ألفرد طرزي (مواليد 1980) المتخرّج من الجامعة الأميركية في التصميم الغرافيكي، وجعل من العملة الوطنية خلفية لأحداثها وشخصياتها التي شكّلت لبنان/ الوطن: ثماني عشرة طائفة، استقلال الـ43، المكتب الثاني، عام 58، حرب أهلية ومعابرها، احتلال اسرائيلي، مجزرة صبرا وشاتيلا، نص جان جينيه الخالد عن المجزرة، نشوء مقاومة (يشير طرزي إلى أن حزب الله نفذ 19 عملية ضد المحتل الإسرائيلي عام 1990 و187 عملية عام 1994)، أحزاب، اتفاق الطائف، إرث الحرب بالمخطوفين والمفقودين، إعمار، اغتيال، محافظين جدد وخططهم واحتلالهم العراق وأفغانستان، مشروع الشرق الأوسط الجديد عام 2006 وسقوطه، تظاهرات 8 و14 آذار، ربيع عربي و... حقائب سفر!
في الصورة المعلقة على الجدار في المعرض للشاعر الراحل خليل حاوي سطر من قصيدة له يقول: «أرى فحمة سوداء من المحيط إلى الخليج»، وكان هذا آخر ما كتبه قبل وفاته منتحراً صبيحة 6 حزيران (يونيو) 1982 أي ثاني أيام اجتياح إسرائيل للبنان... قبل أن يشهد سواه نحر المقاومين لهذا الاحتلال الإسرائيلي على أرض لبنان...

* «يأس وأمل/عندما يتبصّر الفن الحرب والتاريخ»: حتى 20 أيلول (سبتمبر) ـــ «متحف نابو» (الهري ـ شمال لبنان)