قرأت مقالة السيدة باسمة دولاني في جريدة الأخبار (7 تموز/ يوليو 2020) حول مؤتمر «التربية والتعليم/ جدلية الأسلمة والعلمنة». وبالرغم من أنني لم أحضر المؤتمر، أو أقرأ الأبحاث، إلا أنه استناداً إلى الملخص الذي قدمته باسمة الدولاني، أود إدراج الملاحظات التالية علّها تثير إغناء للنقاش حول هذا الموضوع وخاصة ما ورد في ورقة الباحث أحمد ماجد الذي يقول: «يعالج المؤتمر مفردتين حملتا مثاقيل كبيرة من دلالات الثقافة، والبناء الحضاري، والنواظم المؤسساتية؛ المجتمعية والحكومية، بل إنهما تعبيران منغمسان في أقسى جدلية شهدها التاريخ هي سرديات الدين والعلمنة المتمحورة حول «الإنسان»».أولاً، مفهوم العلمنة لا يختص بـ «الإنسان»، بل بالمجتمع؛ المجتمع المبني على الهوية القومية/ الوطنية (nation-state) بدلاً من الهوية الدينية (theocracy)، لأن ماهيته تقوم على فصل الدين عن الدولة. فالدولة العلمانية تجاهر بحياديتها المطلقة تجاه دين مواطنيها، والحق في اختيار ما يرونه مناسباً في حياتهم الروحية ونظرتهم إلى مصيرهم بعد الموت، بما فيه حريتهم في تبنّي الإلحاد وعدم الإيمان بحياة أخرى. وبهذا تكون الدولة العلمانية قد أعادت الدين إلى خيار الفرد أو «الإنسان»، لا إلى قرار دولتي كما كان يحدث في القرون الوسطى حين كانت الإمبراطوريات تُدار باسم الدين شرقاً وغرباً، حيث تنتفي الحرية الفردية في اختيار دين مغاير للسلطة الدينية، أو اختيار الإلحاد.
في هذا الوضع، تصبح الإشكالية بين دولة يقودها الدين ورجال الدين (دولة إسلامية أو مسيحية أو يهودية) وبين دولة علمانية يقودها دستور من صنع الإنسان ومبنية على العلم المتحرّك والمتطوّر بتقدم الزمان والمكان.
ثانياً، الفصل بين الدين والعلم كان موجوداً في الدولة الإسلامية الأموية وأوائل الدولة العباسية وصولاً إلى الخليفة المتوكل الذي شنّ حرباً على العلم والعلماء وأمر بإحراق كتبهم. منعْ سيطرة العقل والعلم على مسار المجتمعات كان منحى عاماً شرقاً وغرباً. مارست أوروبا قبل المشرق العربي القمع الفكري والإرهاب الجسدي وصولاً إلى قتل كلّ من يخالف تعاليم الكنيسة، كغاليليو الذي اضطر تحت وقع الحرمان الكنسي لأن يتراجع عن مقولاته العلمية الصحيحة لصالح مقولات الدولة الدينية الخاطئة.
إذاً، أولوية العلم لبناء المجتمعات لا علاقة له بحضارة شرقية أو غربية، بل بتطوّر المجتمع من إمبراطوريات دينية إلى مجتمعات تحتاج إلى العلوم الوضعية كي تتطور، لأن الدين قاصر عن تقديم الأجوبة الصحيحة لأنها ليست من اختصاصه، فأُقصي الكاهن عن ممارسة الطب بعدما تفوّق عليه الطبيب المختص.
إنّ إعادة المكانة للبحث العلمي المتحرر من القيود الدينية هو الذي أدى إلى تطور المجتمعات قاطبة شرقاً وغرباً.
ثالثاً، من هنا، يجب عدم الخلط بين مفهوم العلمنة من جهة، ومشاريع المدارس التبشيرية من جهة أخرى. فهذه الأخيرة كانت مهمتها الأساسية ليست ترسيخ العلمنة، بل الأدلجة للتفوق الغربي كجزء من هيمنة الغرب واستعماره لمنطقتنا.