هل الذكور حقاً أفضل من الإناث؟ هل خُلق الذكر ليكون السيد والأنثى كي تكون خادمة وتابعة له! هذا ما تقوله تأويلات دينية في ما يسمى الديانات الإبراهيمية الثلاث، حيث تتم العودة إلى نصوص في كتبها، تقول بأنّها مقدسة لإثبات وجهة النظر تلك. التأويلات الذكورية لنصوص توراتية وإنجيلية، هو موضوع كتاب «البشارة بحسب حواء: تاريخ التأويل النسائي» (The Gospel According to Eve: A History of Women›s Interpretation ــــ منشورات انترفارسيتي ــ 2019) لأماندا بنخويزن أستاذة «العهد القديم» في «معهد كلفن اللاهوتي». تقول الباحثة في مدخل كتابها إنه أثناء عملها، قالت لها زميلة إنها ليست مهتمة بـ«الكتاب المقدس» نصاً دينياً لأنه «ليس بشارة جيدة للنساء». لكن بنخويزن لا تقبل ذلك، بل تؤكد بأنه بشارة للنساء بكل تأكيد. ففي موت المسيح وقيامته، هناك مغفرة الخطيئة والمصالحة مع الرب وسيتم خلاص كل من يؤمن بيسوع، وهذا وعد «الكتاب المقدس».لكن ماذا يقول «الكتاب المقدس» بالضبط عن حواء؟ وما الاستنتاجات التي يمكن أن نستخلصها من تصوير حواء في «العهد القديم» عن طبيعة المرأة؟ الإجابة عن هذه الأسئلة، كانت من مهام المعلقين الكتابيين وسلطات الكنيسة الذين كانت غالبيتهم العظمى من الذكور عبر التاريخ المسيحي. وسرعان ما ظهر تقليد تفسيري مهيمن لشخصية حواء على نحو سلبي تأثر بالفلسفة اليونانية والفكر الأرسطي. إذ خلصت غالبية المفسرين إلى أن حواء كانت مخلوقاً أدنى وثانوياً يتحمل المسؤولية الرئيسة عن غمر العالم بالخطيئة والصراع. ونظراً إلى أن النساء جميعهن حواء، فقد منح هذا التقليد التفسيري نظام الأبوية عقوبةً إلهيةً بجعل النساء خاضعات لآبائهن وأزواجهن وإخوانهن وحرمانهن من الحق في الملكية الخاصة ومتابعة التعليم الرسمي والزواج بحرية والتصويت للقادة المدنيين والمشاركة في الشؤون العامة واختيار المهنة والمشاركة في القيادة الكنسية.

ويلسون بيغو ــ «آدم وحواء» (63.5 × 77.5 سنتم ـــ 1953)

تقول الكاتبة إنّ الحسم بخصوص الادعاء بدونية المرأة في التأويلات الذكورية ناتج عن تفسيرات رجال ذكوريين لسفر التكوين (1-3). فهذه الإصحاحات الثلاثة تمارس دوراً مهماً في القَصَص اليهودية والمسيحية. والمهم فيها ـــ كما ترى الكاتبة ـــ ليس حسابات تاريخية للخلق وإنما الآثار اللاهوتية عندما يتعلق الأمر بتصوير الزوج الأول، أي آدم وحواء. فقضايا الخلاص هي مصدر قلق كبير: كيف دخلت الخطيئة العالم؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ تضاف إلى ذلك مسائل السلطة لأنهما كانا أول زوج بشري. وأيضاً، بما أن الرجل قد خُلق أولاً وفقاً لسفر التكوين 2، فهل هذا يعني أنه يحتل المرتبة الأولى في العلاقة؟ ويضاف إلى ذلك سؤال: هل خَلق المرأة من ضلع الرجل علامة على تفوقه؟ ثم هناك السقوط وتبعاته وكيف أثر هذا الحدث في علاقة الرجل والمرأة؟ ثم ما معنى أن يكون المخلوق ذكراً أو أنثى! وهل لدى النساء والرجال قدرات فكرية أو روحية أو معنوية أو عاطفية مختلفة؟ هل النساء مناسبات على نحو خاص للخدمة والرجال للقيادة، أم أنّ النساء والرجال متساوون؟
تناولت الكاتبة هذه الأسئلة وغيرها من خلال النظر في النصوص تاريخياً من خلال عيون مأوّلات ومفسّرات، مع أن معظمهن لم يكن من اللاهوتيات ولم يكتبن بالضرورة أطروحات علمية، لكنهن عالجن هذه المقاطع وتفسيراتها بطرق مختلفة.
يستكشف العمل كتابات تفسيرية تعود لعشرات النساء سنشير إلى بعضهن لاحقاً، تبنى بعضهن التفسيرات التقليدية، لكنهن أعدن صياغتها بطرق فريدة في تحدٍّ للتفسيرات الذكورية التقليدية. تضع الكاتبة مؤلفها ضمن السياق التاريخي، إذ قدمت للقراء تفسيرات تقليدية كما حددها آباء الكنيسة الأوائل كان بعضهم حلفاء للنساء.
منذ أوائل القرن الرابع، كانت النساء يقرأن قصة حواء من أجل أنفسهن ودمجهن أفكارهن في القصائد والمسارات والأدب وجيل الأطفال والحوارات والمشورة وكتب الصلاة. لقد تم استبعادهن من الهياكل الكنسية للتأثير والسلطة، ومُنعن من الأوساط الأكاديمية. اللاهوت الناتج على الأرض، خرج من واقع وصراعات الحياة اليومية حيث وجدت النساء أنفسهن يواجهن تصريحات الكنيسة والمواقف الثقافية التي تقلل من شخصيتهن. على الرغم من تعميمها على نطاق واسع على مدار التاريخ، فقد قُرئت النساء على أنهن حواء. هذا الكتاب هو محاولة لاستعادة أصواتهن، واستكمال تاريخ وجهات نظر الرجال حول حواء في تفسيرات النساء. في قلب هذا العمل، إذن، سؤال بسيط: ما الذي فكرت به النساء عن حواء عبر التاريخ؟ هل ترى النساء حواء مخلوقاً أدنى وثانوياً؟ هل حمّلت النساء حواء المسؤولية الأولى عن إدخال الخطيئة إلى العالم؟ هل قبلت النساء بالذنب والعار من خطيئة حواء؟
علاوة على ذلك، من خلال قراءاتهن الوثيقة للنص، فإن تفسيرات النساء تكشف الافتراضات غير المعلنة التي تستند إلى قراءات تقليدية لهذا السرد، وتذكرنا بأن التفسير لا ينفصل عن معتقداتنا وسياقاتنا وخبراتنا. في هذا الصدد، تقول الكاتبة، بأنّ عملهن يذكرنا بموقع قراءاتنا لـ«الكتاب المقدس»، ما يشجعنا على جرعة صحية من التواضع حول عملنا التفسيري. تفسيرات «العهد القديم» ذات قدرة على إحداث ضرر أو شفاء، وهدم أو رفع. لقد فهمت المأوِّلات والمفسرات هذا، وأدركن أنه على الرغم من أن حواء أصبحت مبرراً لقمعهن وتهميشهن، فقد تم تفسيرها بطريقة مختلفة، أو يمكن أن يقلن إنها يمكن أن تكون المحفّز لتحريرهن. نحن في حاجة إلى أن نسمع من النساء المفسّرات لأن الاختلافات في طريقة تجربة النساء للعالم من نظرائهن الرجال، تضفي رؤى مختلفة حول حقائق «الكتاب المقدس». والمصلح الاجتماعي فرانسيس وِيلارد (1839–1898) لاحظ في القرن التاسع عشر أن سعينا إلى اكتشاف حقيقة «الوحي الكامل للإنجيل» يحتاج إلى عين المرأة وعين الرجل معاً.
هذا المؤلف هو خطوة نحو تلك الحقيقة المتمثلة في الوحي الكامل للإنجيل لحواء «العهد القديم» وإرثها في التاريخ.
من النقاط المثيرة في الكتاب أنّ كثيراً من المأوِّلات والمفسرات يستعنّ بسفر التكوين 1 الذي يضع الرجال والنساء على قدم المساواة كما تم في صورة الله. السيادة المعلنة الوحيدة هي على المخلوقات الأخرى. وعند قراءة سفر التكوين 2، لاحظت المأوِّلات والمفسرات أن خلق امرأة من جانب آدم، أو ضلعه، هي صورة شراكة. فقد شكلها الله منفصلة عن آدم حتى تكون لها علاقة به، قبل إحضارها إليه مساعِدَةً، وهي نفس اللغة المستخدمة لمساعدة الله من قومه. لا يوجد في النص ما يشير إلى دونية حواء أمام آدم. إضافة إلى ما سبق، في حين أن العديد من المأوِّلين قرأوا أن حواء هي التي قادت آدم للضلال، فإنّ ثمة مفسرات ومفسرين يقترحون دوافع أخرى لحواء بما في ذلك إفادته بإنماء معارفه. وبدلاً من إلقاء اللوم على حواء، لاحظ مفسرون مسؤولية آدم، بخاصة إذا كان حاضراً كما يشير النص. كما قرأ مفسرون ومأوِّلون سفر التكوين 3: 14-19 ولاحظوا أن اللعنة انصبت على الثعبان فقط. أما البيانات المتعلقة بالرجال والنساء، فهي وصفية لعواقب السقوط وليست إلزامية للعلاقات كما قصدها الله.
تركز المؤلفة على المأوِّلات والمفسرات والمعلقات بدءاً من القرن الخامس عشر حتى الوقت الحاضر. إنها تغطي بعض النساء من الفترة السابقة، بما في ذلك القديسة هلدغارد فون بنغن (1098-1179) وإسوتَّا نُغارولا (1418-1466) ومودراتا فونتِس (1555-1592) وآركَانجِل تارابوتي (1604-1652) ولوكريزيا تورنابوني (1425-1482) وماري أستيل (1666-1731) ومارغرِيت فِيل (1614-1702) وكاثرين بوث (1829-1890) وفرنسيس وِيلارد (1839-1898) سارة غرِنك (1792-1873) والأفروأمركية سوجورنر تروث (1797-1883) ولوكريسيا موت (1793-1883). ولا ننسى الهولندية الكالفينية آنا ماريا فان شورمان (1607-1678) التي نشرت مبحثها لرسالة الدكتوراه الذي سجلته باللاتينية، كما هو معهود في أوروبا ذلك الوقت وتُرجم إلى الفرنسية والإنكليزية بعنوان «ما إذا من المسموح للمرأة أن تكون عالمة». علماً بأنها كانت أول خريجة جامعية في أوروبا، برعت في أربع عشرة لغة مختلفة بما في ذلك اللاتينية واليونانية والعبرية والآرامية والعربية والسريانية.


لكن لم يكن كل مأوِّلي «العهد القديم» يمثلون حواء سلباً. فعلى سبيل المثال، أكد جون خريسوستوم (347–407) المساواة الأصلية بين المرأة والرجل. قال إن المرأة «مثل الرجل في كل التفاصيل، عقلانية وقادرة على تقديم ما يمكن أن يكون مفيداً في أوقات الحاجة والضروريات الملحة للحياة» وعلى قدم المساواة مع الرجل في الاحترام والسيطرة على الخلق. وبالمثل، تبنى غريغوري الكبير (540–604) المساواة الجنسية قبل السقوط، ما يشير إلى أن إخضاع المرأة للإنسان لم يكن جزءاً من تصميم الله الأصلي للعلاقات بين الرجل والمرأة. وباسيليوس قيصرية (329–379) أكد من دون تحفّظ خلق كل من الرجل والمرأة في صورة الله، وعلى هذا النحو، متساويين في الكرامة والفضيلة. جاء المزيد من الدعم لقراءات المساواة لحواء من المُأوِّلين في العصور الوسطى مثل بيتر لومبارد (1096–1164) الذي أكدت جمله أن المرأة رفيق الرجل لا عبدة له. كما ردّد توما الأكويني (1225–1274) تعليق لومبارد لاحقاً، إذ كتب: «على المرأة ألا تستخدم السلطة على الرجل، وبالتالي لم تكن مصنوعة من رأسه؛ كما أنه لم يكن من الصواب أن تخضع لازدراء الرجل كعبد له، وبالتالي فهي لم تصنع من قدميه». بدلاً من ذلك، أكد أيضاً أن كون المرأة من ضلع الرجل يدل على الوحدة الاجتماعية بينها وبين الرجل. لذلك من الطبيعي أن يحب الرجل زوجته لأنه في ذلك يحب نفسه تماماً. ظهرت قراءة أخرى أكثر إيجابية لحواء في أعمال همبر دي رومان (1200–1277) وهو من الرهبنة الدومينيكية الذي لاحظ أنه بينما تم خلق آدم خارج الجنة، فقد حظيت حواء بشرف متميز في صنعها في الجنة ما يعني وهباً إلهياً.
وفي حين أن بعض المعلقين حمّلوا حواء المسؤولية الأولى عن إغراق العالم في الخطيئة، لم يكن جميعهم مرتاحين لهذه الصيغة. فمِليطو السرديسي على سبيل المثال حمّل آدم المسؤولية الكاملة عن الخطيئة. مأوِّلون آخرون خففوا من شعور حواء بالذنب من خلال طرح مريم حواءً جديدة ألغت طاعتها خطأ حواء. فكما جاء الموت من خلال حواء، جاءت الحياة من خلال مريم التي صححت خطأ حواء من خلال تواضعها وطاعتها والمشاركة في خلاص البشرية لتصبح «الأم الحقيقية لجميع الكائنات الحية». المهم أنّ ما تؤكده مأوِّلات ومأولين أن كل شخص يتحمل المسؤولية بالتساوي في هذه الحلقة المأساوية.
في ما يخص بنية المؤلف، نرى أن الفصل الأول «تفسير حواء» يستكشف تفسيرات آباء الكنيسة الأوائل الذين سيصبحون شركاء محادثة وخصوم وأحياناً حلفاء للمأوّلين والمفسرين في محاولاتهم لتغيير الأفكار حول النساء بناءً على قراءتهم للنص التوراتي. باتّباع هذا التوجه الأساس، قامت الكاتبة بترتيب المؤلف موضوعياً واستكشاف الاتجاهات في تفسير حواء عند ظهورها عبر القرون.
يستكشف الفصل الثاني «الدفاع عن قيمة المرأة» عمل النساء في القرن الخامس عشر حتى السابع عشر اللواتي استعنّ بقصة حواء للدفاع عن قيمة المرأة وكرامتها. ويذكر الفصل حالة إيسوتَّا نوغَارولا (1418-1466) التي قالت إن حواء كانت أقل عرضة للذنب من آدم لأنها كانت الجنس الأضعف لكنها جادلت في هذا الافتراض بطريقة أوضحت وجود تناقض منطقي في إلقاء اللوم على حواء للتسبب في السقوط إذا لم تكن قوية في قدرتها العقلية مثل آدم. لماذا سمح لنفسه بذلك إذا كان الشريك الأقوى؟ وقد نشر في إيطاليا بين عامي 1524 و1632 أكثر من خمسين مؤلفاً يدافع عن النساء ومن ذلك العائدين إلى موديراتا فونتس (1555-1592) وأركانجيلا تارابوتي (1604-1652)، اللذين تناولا معنى عبارة «الضلع والمساعد»، بما يدل على أن هذه الكلمات تشير إلى المساواة لا التبعية. يستعرض الفصل الثالث (تعزيز تعليم المرأة) تفسيرات هذه الفترة الزمنية نفسها التي استخدمت قصة حواء للدفاع عن وصول أكبر إلى التعليم الرسمي للنساء وركز على النساء اللواتي طالبن بتعليم المرأة. أولئك الكاتبات مثل لوكريزيا تورنابوني (1427-1482) في القرن الخامس عشر، وما بعده جادلن بأنه إذا وقعت حواء ضحية للثعبان، فذلك كان بسبب نقص التعليم. كانت الحجة هنا أن تعليم النساء سيؤدي إلى تحسن أخلاقي. لاحقاً، سوف يتغلب تعليم النساء على التهمة القائلة بأنهن غير قادرات فكرياً على اتخاذ القرارات الأخلاقية المناسبة. يعكس الفصل الرابع (دعم المرأة زوجةً وأماً) صراع المفسرات والمأوِّلات في القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر، مع ما تدل عليه حواء للمرأة كزوجات وأمهات. كان تركيز الكاتبات على دور المرأة في كونها بوصلة أخلاقية للأزواج ومعلمة الدين والأخلاق للأطفال. كما جادلت بعض النساء مثل ماري أستل ضد إخضاع النساء ودافعن عن مساواتهن في الزواج.
الفصل الخامس (تمكين المرأة من الوعظ والتدريس) يعنى بتفسير حواء في القرنين السابع عشر والتاسع عشر من قِبل المأوّلات اللواتي أوضحن قضية السماح للنساء بالوعظ وتعليم الإنجيل. وفي هذا الفصل، نلتقي بالنساء اللواتي يشاركن في قصة حواء في ما يتعلّق بدعوة النساء إلى الوعظ والتدريس. كتبت مارغرِت فِل، مؤلفة كتاب «الكويكرز» في القرن السابع عشر، عن «مبررات الحديث للمرأة». كان هذا أحد أقدم الدفاعات لوعظ المرأة. في رأيها، كان الوعظ مهمة المسيحيين جميعاً. كما ظهر عدد من الدفاعات في السنوات التالية بعضها يتوافق مع حركات الإصلاح الاجتماعي. وهكذا فإن كاثرين بوث (1829–1890) المؤسسة المشاركة لـ «جيش الخلاص» كتبت دفاعاً عن دعوتها للتبشير. كانت الشخصية الرئيسة الأخرى هي فرنسيس وِيلَارد (1839–1898) التي سعت للدفاع عن حق المرأة في الوعظ وعن حقها في التصويت.
الفصل السادس (تشكيل شخصية الطفل) يستكشف تمثيل حواء في «الكتاب المقدس» والأدب والمواد التعليمية لأطفال القرن التاسع عشر التي أعدتها النساء أساساً، لكن ليس حصرياً، للتكوين الروحي والأخلاقي للنساء والأطفال. نعود إلى عالم أكثر تقليدية لتشكيل الأطفال. خلال القرن التاسع عشر والعشرين، كرّس عدد من النساء اهتمامهن لإنشاء مواد للأطفال لاستخدامها من قبل المرأة. ورغم أنهن ربما تبنين أدواراً تقليدية أكثر، فقد أعدن تفسير صور سفر التكوين لحواء حيث قدمن دفاعات عن مساواتها الأخلاقية والفكرية. أصبحت الأعمال التي تم إنتاجها في القرن التاسع عشر أساساً للمواد التي جاءت بعد ذلك، بما في ذلك الحركات النسوية من أجل حقوق المرأة.
إضاءة على قصة حواء اليوم وتأثيرها المستمر في الأيديولوجيا الجنسانية/ الجندرية


الفصل السابع (الدعوة للإصلاح الاجتماعي) يتناول بالبحث المُأوِلات والمفسرات في القرن التاسع عشر اللواتي استدعين قصة حواء في دعوتهن للإصلاح الاجتماعي للسكان المضطهدين بمن فيهم النساء والأشخاص الملونون والفقراء. سارة غرينك وسوجورنر تروث ولوكريسيا موت، من بين أخريات ممن أصبحن قائدات رئيسيات في الدعوة للإصلاح الاجتماعي، بما في ذلك إلغاء العبودية. لقد جادلن بهذا على أساس حقوق الإنسان للمرأة. تلاحظ الكاتبة أنه «في مواجهة حقيقة عدم التمكين والحرمان من الحقوق والإخضاع المستمر، حوّلت العديد من حالات إلغاء النساء انتباههن إلى الدفاع عن حقوق المرأة» وانخرطن في قصة حواء.
أخيراً يتناول الفصل الثامن (التأثير في الأيديولوجية الجندرية) قصة حواء اليوم وتأثيرها المستمر في الأيديولوجيا الجنسانية/ الجندرية، خاصة داخل المجتمع المسيحي. نتعرف هنا إلى مسألة الأيديولوجية الجنسانية وجهود أشخاص مثل إليزابيث كادي ستانتن (1815-1902) لفضح النظام الأبوي الموجود في كل من «العهد القديم» والمجتمع. إذا كانت ستانتن تظن أن بطريركية «العهد القديم» تمثل مشكلة للنساء، فقد حاولت كاثرين بوشنيل (1856-1946) ولي آنا ستار استخدام «العهد القديم» لدعم حقوق المرأة والمساواة. لقد وجهتا انتباههما إلى أسئلة الترجمة (بوشنيل كانت مبشرة إلى الصين، وبالتالي تم تعريفها إلى التحديات التي تطرحها الثقافة على الترجمة والتأويل والتفسير. إذا كانت الثقافة الصينية تطرح مشاكل، فلم تقدّم السياقات الناطقة بالإنكليزية نفس الشيء؟).

توما الأكويني أكد أن كون المرأة من ضلع الرجل يدل على الوحدة الاجتماعية


أخيراً، يسعى هذا الكتاب إلى تتبع تاريخ القراءات البديلة لـ«لكتاب المقدس» التي تنعكس في أصوات النساء وتفاعلهن مع سفر التكوين 1-3. غالباً ما يتم اعتبار الأمر منتهياً وليس ثمة حاجة إلى التطرق إليه مرة أخرى ما لم يكن هناك دليل جديد. في هذه الحالة، فإن الدليل الجديد، بحسب الكاتبة، هو تاريخ، وجوقة لا تقل عن أصوات النساء التي تم دفنها مع مرور الوقت وتثير تحديات خطيرة للقراءات التقليدية ولأيديولوجيات النوع الاجتماعي التي ولّدت هذه القراءات. وكذلك، تقدم إعادة قراءة مقنعة تسلط الضوء على كرامة المرأة وقيمتها وإنسانيتها الكاملة. لم تكتب هؤلاء النساء في التاريخ كضغط من أجل أن يكن سياسيات، ولا كنوع من التسويغ لحركة نسوية علمانية. بدلاً من ذلك، كتبن ليشرحن للكنيسة كيف أن أفكارهن ومثلهن للأنوثة تؤذي بنات المسيح وتهدد سلامتهن البدنية ورفاههن. ومن المؤكد أن هذا لم يكن ما قصده الله لهن. فقد عرضت هؤلاء النساء تفسيراتهن الخاصة لـ«لكتاب المقدس» لتشجيع الكنيسة (والمجتمع) على إعادة التفكير في قناعاتهن حول طبيعة المرأة ودورها.
تقول الكاتبة إن مؤلفها يوحي بأنه وجد في تاريخ الكنيسة المسيحية دوماً رد فعل ضد التفسيرات التقليدية لحواء ومقاومة النساء (والرجال) في الكنيسة لمفاهيم الدونية الأنثوية. وهذا المؤلف يوضح كيفية تأثير الموقع الاجتماعي والتجربة الشخصية في طريقة اختيار القراء للنصوص وتفسيرها، وما يرونه في النص ويسمعونه منه، وما يختارون تجاهله. وما يميز مقاربتها أنها تتناول مسألة ما يقوله «العهد القديم» عن النساء من خلال عدسة تاريخ التفسير، وتضيف: «من الشائع اليوم أن دفع المساواة بين الجنسين في الكنيسة هو رد فعل على الثقافة، لكن ما أقوله (أو أوضحه) في هذا المؤلف هو أنه كان هناك من آمنوا بالعكس عبر تاريخ الكنيسة، أي أن التبعية الأنثوية وقصر أدوار المرأة كان استسلام الكنيسة المسيحية لبطريركية سائدة. يفسر هؤلاء المؤولون والمفسرون والمفسرات أن «العهد القديم» يدعم المساواة الكاملة بين النساء والرجال».