استسلمت مجموعة «هاشيت» للضغوط التي تعرّضت لها وأعلنت يوم الجمعة الماضي امتناعها عن نشر السيرة الذاتية للمخرج الأميركي وودي ألن التي يُفترض أن تبصر النور في السابع من نيسان (أبريل) المقبل تحت عنوان Apropos of Nothing. قرار دار النشر الفرنسية العريقة جاء بعدما تظاهر العشرات من موظّفي فرعها في الولايات المتحدة «غراند سنترال بابليشينغ» (الذي كان سينشر الكتاب)، الخميس الماضي، في نيويورك، بعيد استنكار الصحافي الشهير رونان فارو، ابن وودي ألن وميا فارو، نشر مذكّرات السينمائي الذي تتهمه ابنته بالتبني ديلان فارو، بالاعتداء عليها جنسياً، حين كانت في السابعة من العمر، الأمر الذي ينفيه باستمرار.
(إستفان أوروز ــ المجر)

وقالت ناطقة باسم الدار، في بيان تناقلته وسائل الإعلام، إنّ قرار إلغاء كتاب وودي ألن «كان صعباً»، مضيفةً أنّ «هاشيت» ستعيد حقوق النشر للمؤلّف. علماً بأنّ رونان كان قد أكّد في وقت سابق من الأسبوع الماضي أنّه لن يتعامل بعد الآن مع «هاشيت»، التي نشرت الشركة المتفرّعة منها «ليتل، براون آند كومباني» في أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي كتابه الأوّل Catch and Kill حول خفايا قضية المنتج الهوليوودي السابق هارفي واينستين الذي صار في طريقه إلى السجن بسبب قضايا تحرّش واعتداء جنسيَّيْن.
القرار الذي اتّخذته «هاشيت» قسَم الرأي العام، تماماً كما فعلت سابقاً الاتهامات التي وجّهتها ديلان لزوج أمّها باعتدائه جنسياً عليها في طفولتها.
أوّل الذين هبّوا لتسجيل موقف من القضية كان ستيفن كينغ (72 عاماً). عبر حسابه الرسمي على تويتر، عبّر الكاتب والمؤلف الأميركي اللامع في مجال الرعب، عن شعوره بـ «عدم الارتياح»، مشيراً إلى أنّ الأمر لا يتعلّق بصاحب فيلم Midnight in Paris: «أنا أهتم لأمر السيّد ألن. ما يقلقني هو مَنْ سيتم تكميمه بعده». ثم استطرد كينغ قائلاً: «اسمحوا لي أن أضيف أنه كان من غير اللائق أن ترغب «هاشيت» في نشر كتاب وودي ألن بعد التعاون مع رونان فارو».
بدورها، وصفت صحيفة «نيويورك بوست» الأميركية خطوة «هاشيت» بأنّها «قرار تجاري بارد»، كونها وقفت في صف رونان فارو الذي يعدّ من أبرز الصحافيين الذين يعبّرون عن غضب ومخاوف حملة «مي تو» (أنا أيضاً)، وبالتالي أمّنت «مصدراً أكبر لجني الأموال» في هذا الزمن. غير أنّه برأي الصحيفة، فارو وموظّفو «هاشيت» على خطأ. فبغض النظر عن مدى غضبه الشديد، من «الفحش» أن يعمل صحافي إلى إسكات أحدهم: «إنه يدّعي أنّه يقف ضد منتهكي السلطة ــ لكنّه أساء بشكل صارخ إلى نفسه».
كثيرون يضعون خطوة «هاشيت» في خانة الرقابة. أبرز متبنّي هذا الرأي، الصحافية ومذيعة الراديو البريطانية، جو غلانفيل، التي كتبت في صحيفة «غارديان» مقالاً عن الموضوع. «موظفو «هاشيت» الذين خرجوا من مكابتهم احتجاجاً لم يتصرّفوا كناشرين، بل أخذوا دور الرقيب»، قالت. ثم شدّدت على أنّه «لا أتحقق من النقاء الأخلاقي أو السجل الجنائي للكاتب قبل قراءة عمله. أما إذا كنت سأباشر بتطبيق معايير «هاشيت»، فسأضطر بالتالي لتجريد رفوف كتبي من العديد من إصدارات الكتّاب الأحب إلى قلبي».
مذكّرات وودي ألن لم تُعرقَل بسبب مضمونها، بل بسبب أفعال يُزعَم أنّه ارتكبها في حياته الشخصية. اتهامات لا يبدو أنّ لدى القضاء أدّلة كافية بخصوصها تكفي للادعاء على الفنان المثير للجدل البالغ 84 عاماً وخوض معركة معه في المحاكم. لكن إلغاء كتابه ما هو إلا محاولة علنية لتكميم شخص ما ومنعه من سوق أفكاره، إلى جانب تشويه سمعته، بناءً على لا شيء سوى الكراهية الجماعية له. والعاملون في مجال الكتابة والإبداع يُفترض أن يكونوا من أكثر الحريصين على تبادل الأفكار ومناقشتها إلى أن تسود فكرة على أخرى.
ما حصل مع Apropos of Nothing نموذج صارخ عن كيفية اكتساب التفكير الجماعي الآن تأثيراً بارزاً على حرّاس البوابة. فإذا قام عدد كافٍ من الأشخاص بالتعبير عن استيائهم من عمل ما أو الشخص الذي يقف خلفه، فستتجنب الجهة الراعية له خوض معركة بخصوصه. وفي أيّامنا هذه، بات اتخاذ قرارات تتعلّق بحرية التعبير بناءً على الغضب الأخلاقي لحركة MeToo# أمراً جيّداً بنظر جزء لا يُستهان به من الرأي العام، وحجب المشاريع والأشخاص واستبعاد الآراء «الخاطئة» من المشهد أصبح موضع إعجاب، حتى ولو كان عشوائياً!