ترجمة رشيد وحتيالميلاد: 1885. الموطن: ولاية إيداهو. معلم. نُبِذَ إلى الخارج؛ المبرّر: «متقوقع جداً في الحي النيويوركي Latin Quarter». بحث في ما بعد عن ملاذ وسلوى وسط أرواح شبيهة، خارج بلده. ثلاث وثلاثون سنة: بمدينة البندقية؛ بينما كان يسمن بدنه بنظام غذائي أساسه بطاطا، نشر A Lume Spentoi، ديوانه الأول.
عزرا باوند

عنه نشأت صداقة عنيفة مع ييتس، الذي كتب بصدده: «طبع منهمك بالصقل والمعاندة، يصدم دوماً أحاسيس الآخرين؛ لكنه يتوفّر، في ظني، على بعض عبقرية وحسن نية معتبرة». حسن النية؟ هذا أقل ما يمكن أن يقال! بين 1909 و1920، عندما كان يقيم في لندن ثم في باريس، جعل من نفسه بشير حروب أمجاد الآخرين. فلباوند أهدى ت. س. إليوت «الأرض اليباب». باوند هو من تدبر لجويس استكمال عوليس. سخاؤه في هذا الجانب نقطة شهد بها بالذات همنغواي ــ الذي نادراً ما يحتفي بعطاء الآخرين ــ هكذا: «حالياً، كتب همنغواي (بيد أنه كتب هذا في 1925)، لدينا، من خلال باوند، شاعر رئيس كرس للشعر، لنقلها، خمس وقته. بما تبقى من هذا الوقت، يكد باوند لتعزيز الحظوظ، المادية كما الفنية، لأصدقائه. يدافع عنهم حين يهاجمون؛ يدخلهم إلى مجلات، أو يخرجهم من سجون. يقرضهم مالاً. يبيع صورهم. ينظم لهم حفلات موسيقية. يكتب عنهم مقالات. يقدمهم لنساء ثريات (راعيات آداب وفنون). يحض ناشرين على أخذ كتبهم. يسهر طوال الليل عند أسرتهم عندما يزعمون أنهم يحتضرون، ويتطوّع مسبقاً كمنفذ لوصياتهم. يدفع لهم مقدم حساب على نفقات المشفى ويثنيهم عن الانتحار. ولكن بعضهم لا يتوانى، في آخر المطاف، عن طعنه في الظهر، كلما سنحت له الفرصة».
توفّق باوند، رغم ذلك، في نشر هجائياته بشكل منتظم، في الإرعاد بأناشيده («الأوديسة المدهشة لأديب»، هكذا عرفت ماريان مور هذه القصائد، في دليل جديد على دقتها)، في تكريس الجهود، للنحت والتشكيل، جهود لا شك في أنها مخيبة، لكنها، بالنسبة له، مهمة. مع ذلك، ما صار، شيئاً فشيئاً، العنصر الأكثر «جذباً» له، من بين كل مواضيع اهتمامه، هو دراسة الاقتصاد. («بوسع كل تاريخ يغفل الاقتصاد أن يركن للسبات») عمّق في هذا المضمار أطروحات غريبة، كان بعضها ماحقاً له. في 1939، كناطق مفوّه بالإيطالية وممالئ لموسوليني منذ أمد طويل، شرع في صوغ مسلسل خطابات ذات روح فاشية على موجات راديو روما. ما جعله موضع اتهام كخائن لبلده. خلال توغلها في إيطاليا، توفقت وحدات أميركية أخيراً في وضع يدها عليه في 1945. خلال أسابيع عديدة، ومثل دابة جربة في قفص حديقة حيوان، تم سجنه في بييزا في قفص في الهواء الطلق.
شهوراً بعد ذلك، غداة تقديمه للمحاكمة بتهمة الخيانة، قرر بأنه «معتوه» ـــ مثلما يكون كل شاعر في كامل قدراته الدماغية كفنان ــ وهكذا أمضى اثني عشر عاماً، حبيساً بعيداً عن الجميع، في مارستان القديسة إليزابث، في ولاية كولومبيا. هناك رتل على النزلاء أناشيده البيزية. عمل تقلد به جائزة بولنغن، كتشريف مجيد انتقد بتجريح في بعض الأوساط النفورة.
وذات يوم مطير من نيسان (أبريل) 1958، قدم باوند، الهرم ذو الاثنين وسبعين حولاً، بلحيته التي اشتعلت وترمّدت منذ أمد قريب، بوجه نصف إله قديس اختطته الأخاديد الملخصة بجلاء لقصته المؤسفة، أمام قاض يدعى بوليتا ج. لاوس وتلي عليه الحكم بأنه «معتوه لا شفاء يرجى له». لا شفاء يرجى له، لكنه غير ضار «بشكل يبعث على الاطمئنان»، ما يسمح بإطلاق سراحه. ليعلن فوراً: «كل رجل يستطيع العيش في الولايات المتحدة معتوه»، وليجمع متعجّلاً حقيبته من أجل العودة إلى إيطاليا.
أياماً قبل أن يستقل الباخرة، أخذت له صور: متعجرفاً، هازئاً، مطبقاً عينيه إلى حد الانغلاق الكامل، بينما كان يطلق في الهواء أنفاس أناشيد لا معنى لها، كان يمشي طولاً وعرضاً كما لو كان يخطو مرة أخرى في قفص بـييزا؛ قفص صار الحياة ذاتها.

«الكلاب تنبح: شخصيات عامة وأمكنة خاصة» ــــ 1951-1973، غاليمار، 1977).