أقام «معهد المعارف الحكمية» ندوة بعنوان «دور المؤسسات الدينية في الحياة السياسية اللبنانية» بمشاركة الأب إبراهيم سعد، والشيخ ماهر حمود، والشيخ أحمد قبلان، والشيخ سامي أبو المنى، والزميل بيار أبي صعب، في وقت تعذّر فيه حضور المطران نبيل العنداري. افتُتحت الندوة بمداخلة أبي صعب الذي انطلق من فكرة أساسية هي أنّ الخلاف مع المؤسسة الدينية ليس خلافاً صداميّاً، والقواسم المشتركة أهم وأكبر من نقاط الخلاف، مشيراً إلى أن سوء التفاهم العظيم في مجتمعاتنا يكمن في الفهم الخاطئ للعلمانية، فما إن تقول «علمانياً» حتى يُقال «هذا الكافر المُلحد». وقال أبي صعب: «بالنسبة إليّ أنا العلماني اللاديني، مكاني هو إلى جانب هذه المقاومة الإسلامية التي دافعت عن الحق ووقفت إلى جانب المظلوم ضدّ الظالم»، متسائلاً في نهاية مداخلته: «هل يمكننا أن نخترع وطناً يعيش فيه المؤمن وينضم إلى الكل؟ هل يمكننا أن نبني وطناً للجميع؟ ثمّ كيف نتعامل مع الغيرية أو الاختلاف؟». وقدّم المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بدوره لمحة تاريخية عن الحياة والتشكيلات السياسية اللبنانية منذ الاستقلال حتى اليوم، لافتاً إلى الفارق الكبير بين لبنان المنتَج ولبنان الرؤية! وهذا يعني أن المعركة اليوم هي معركة لبنان الرؤية، أي «كيف يجب أن يكون لبنان لأن لبنان قديماً كان يعبّر بأبرز صيغته عن لبنان المنتَج وليس لبنان الرؤية».وبين الدولة الطائفية والدولة المدنية، قال قبلان: «نحن نصرّ كمؤسّسة دينيّة على الدولة المدنيّة. ونحن نريد دولة مهيكلة بطريقة كاملة بعيداً عن هويّة من يحكم»، مؤكّداً اعتقاد المؤسّسة الدينيّة بضروريات أساسية أبرزها قداسة حقوق الإنسان، مهما كان انتماؤه، وحمايتها، وهو ما يؤكّد عليه الإسلام في رؤيته. كما أيّد رئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة» الشيخ ماهر حمود كلام الشيخ قبلان؛ مشيراً إلى أنّ المشكلة ليست في المؤسسة الدينية أو تلك المدنية، «فقد يكون الحكم دينياً والحاكم ظالماً والعكس صحيح. إنّما المعيار هو الاستقامة. والمشكلة تكمن في البون الشاسع بين النظرية والتطبيق. كما أنّ المشكلة تكمن في الإنسان، فإن صَلُح الإنسان صَلُح المجتمع».
ثمّ كانت هناك مداخلة للأب إبراهيم سعد رئيس المحكمة الروحية في «أبرشية صيدا ـ مرجعيون للروم الأرثوذكس» الذي قدّم نقداً ذاتيّاً للكنيسة متسائلاً: «بماذا يؤذي الكنيسة الاعتراف بكلّ الطوائف والطبقات؟!». كما اعتبر أنّ المؤسسة الدينية في حالة انحدار، وهذا الأخير يتمّ على ثلاثة مستويات: طقسي، اجتماعي، وروحي. وتابع: «بالنسبة إليّ كلبناني وكمسيحي وكأرثوذكسي وكرجل مكرنس، ليس لديّ حرج في أن يكون أيّ مسلم في أيّ مركز أو وظيفة إذا كان على الأخلاق التي أعتقد بها».
أمّا الشيخ سامي أبو المنى أمين عام «مؤسسة العرفان التوحيديّة»، فقد اعتبر بأنّ الترويج للطوائف يضعف الدولة، ويجب أن تكون الدولة هي الحامية للمواطنين. كذلك يتوجّب على الأحزاب أن تنطق بحقوق المواطن، كما ينبغي لها أن تسعى لتبنّي موقف يناسب الدولة، ويرفض التعصّب. وقد أكّد ـــ كما الجميع ـــ على ضرورة حفظ العيش المشترك والتعاون الأخوي والإنساني مع الجميع والشراكة الوطنية. كما رأى أبو المنى أنّه لا بدّ من وضع إستراتيجيّات وطنيّة للمشاركة الفاعلة والعمل لإطلاق مبادرات وتطوير السياسات ومناهج التربية للعيش معاً، وتعزيز ثقافة الحوار.
رئيس «اللجنة الأسقفية الكاثوليكية لوسائل الإعلام» في لبنان سيادة المطران نبيل العنداري اعتبر في كلمته ـ تلتها الإعلامية بثينة عليق نيابةً عنه ـ أن إِنهاض لبنان يقتضي من كلّ الذين يتعاطون السياسة والشأن العام التمسُّك بمبادئ الحوار وحلّ الخلافات في إطار المؤسَّسات الدستوريَّة، ورفض الاحتكام إلى أي شكلٍ من أشكال العنف والصدامات المسلَّحة تحت أي ذريعة أو سبب، معتمدين على الجيش اللُّبناني وَقوى الأمن الداخلي وحدهما للمحافظة على أمن المُواطنين والاستقرار. وعرّج على موقف الكنيسة من الدولة المدنية، فاعتبر أن الدَولَةُ المدنيَّة دولة لجميعِ مُواطِنيها لا تميّز بينهم في العرق أَو اللغة أو الجنس أَو الدين. ولذلك، فإنَّ تدين المواطن أو عدم تديُّنه، أو إيمانه أو عدم الإيمان ليس من شأن الدولة. فالدولة كمؤسّسات وموظَّفين تمارس الحياد بخصوص دين وتديُّن مواطنيها. والدولة المدنيَّة لا تحول بين المواطن ودينه. كما شدّد على ضرورة التعاون ـــ إذا ما كان فصل الدين عن الدولة يخضع لضرورة الدولة المدنيَّة ـــ بين الدولة المدنية والمؤسسات الدينية لِتَحقيقِ خَيرِ الإنسان. وقد تخللت الحوار مداخلات وأسئلة من الجمهور، إذ شارك في الحضور نخبة من العلماء والمثقفين.