علامة فارقة في الدراما التلفزيونية

  • 0
  • ض
  • ض
علامة فارقة في الدراما التلفزيونية

غيّب الموت أمس، شوقي الماجري بما يشبه الصفعة المباغتة. خانه قلبه في توقيت أحمق، ذلك أن هذا المخرج التونسي كان علامة فارقة في الدراما التلفزيونية العربية، وصاحب بصمة بصرية لافتة، أكدها عملاً وراء الآخر، متكئاً على ثقافة سينمائية عميقة، وروح يسارية عزّزت خياراته الدرامية المشغولة بأناة ومهارة. نكاد نجزم بأنه من القلائل الذين وضعوا خبراتهم السينمائية لمصلحة الصورة التلفزيونية. كوادر مدروسة، وسيناريوات محبوكة بإحكام، وإيقاع حركي يمزج بحرفية بين متطلبات جماليات الصورة السينمائية والمزاج التلفزيوني، ليس كوقت مستقطع للتسلية المنزلية بقدر ما هو جرعات بلاغية في توثيق حركية الشارع وأوجاع التاريخ ومحنة الجغرافيا. وتالياً، فنحن إزاء صاحب مشروع بصري ــ بما هو متاح إنتاجياً ـــ بقدر خسارته كسينمائي لم تتح له الظروف أن يعمل في ملعبه الأصلي. كأن حياة صاحب «أخوة التراب»، و«الاجتياح»، و«أسمهان» نهب للأقدار بما فيها موته المبكر. السينمائي العائد من الدراسة في أحد أعرق المعاهد السينمائية في بولونيا (معهد «وودج») وجد نفسه محاصراً، ولم يتمكن من إنجاز فيلم سينمائي واحد، عدا فيلم قصير بعنوان «مملكة الصول». لكنه سينجز ــ بعد أعمال تلفزيونية عدة ـــ فيلماً يتيماً بعنوان «مملكة النمل» (2012)، يقارب مكابدات الفلسطينيين الذين يعملون في الأنفاق السريّة على حدود غزة. ربما كانت ندرة فرصه السينمائية سبباً في حسرته، ومحاولاته المحتدمة في تعويض خسائره بدراما تلفزيونية تقف عند تخوم السينما، وتستل من الأدب والسيرة والتاريخ حمولتها السردية مثل «عمر الخيّام»، و«أسمهان»، و«أبناء الرشيد»، و«هدوء نسبي»، و«نابليون والمحروسة»، و«توق». كما سيقتحم أسوار أسئلة راهنة وجدلية وشائكة، كما في عمله التلفزيوني الأخير «دقيقة صمت» (2019). ولد شوقي الماجري في حي «السويقة» الشعبي في تونس لأسرة متواضعة، لكنه سيشق طريقه خارج الأزقة الضيقة مفتوناً بعروض النوادي السينمائية، والتظاهرات زمن الحبيب بورقيبة، فكان أن انتسب إلى كلية علم الاجتماع في جامعة تونس، من دون أن يفقد رغبته بدراسة السينما، أو أن ينطفئ شغفه بأفلام تاركوفسكي، وفيلليني، وكيروساوا، وبرغمان، أولئك الذين تركوا أثرهم في جيل الثمانينات وما تلاه. كان حلمه أن يذهب إلى روما لدراسة السينما هناك، إلى أن شاهد نماذج من السينما البولونية في إحدى دورات مهرجان قرطاج السينمائي، فتعلّق بهذه السينما بشدّة، وسيتحقق حلمه بالحصول على منحة للدراسة في «المعهد الوطني للسينما والمسرح والتلفزيون» في بولونيا. هكذا ستقوده الدروب إلى دمشق في عزّ فورة الدراما السورية ليضع توقيعه التلفزيوني الأول على عمل «تاج من شوك» المقتبس عن شكسبير، وسيجذبه «هواء الشام» كواحدٍ من أهلها، عبر أعمالٍ كثيرة ونوعية في آنٍ واحد مثل «أخوة التراب»، و«حلاوة الروح»، كما سيحصد عمله «الاجتياح» (2007)، جائزة «إيمي» العالمية كأفضل عمل أجنبي. كان شوقي الماجري إذاً، مشروعاً ثقافياً عربياً، ولد في تونس، وعاش في دمشق، وتوفي في القاهرة.

0 تعليق

التعليقات