على ما نذكر، أول زيارة لسعاد ماسي (1972) إلى بيروت حصلت قبل 15 سنة. في أيار (مايو) 2004 إن لم تخنّا الذاكرة، والأمسية احتضنها مسرح «بيار أبو خاطر» في «جامعة القديس يوسف». يومها كان ألبومها الأول، «راوي»، قد حقق انتشاراً واسعاً وأرقام مبيعات عالية، ووضع صاحبته في قائمة الأسماء التي تنوي المهرجانات الفنية والجهات التنظيمية على أنواعها دعوتها لإقامة الحفلات المكفولة النجاح. صوت رقيق وحنون حدّ الهشاشة. غير قوي، لكن نبرة مميّزة جداً، دافئة، غير حامية، وأقرب إلى الحزن الحميم، في الأغاني الهادئة، وإلى الفرح الطفولي في تلك الاحتفالية الطابع. ألحان سلسلة (يشوبها بعض التكرار أحياناً) وذات مزاج شعبي غير قابل للحصر في بيئة محددة، ولو مالت، في هذا العنوان أو ذاك، إلى التراث الشرقي، المغاربي بشكل خاص، أو إلى النَفَس الأوروبي الغربي، من موانئ البرتغال إلى شوارع إسبانيا وساحات باريس، أو إلى الفولك بمعناه الواسع غرباً (الأميركيّتَين: الكانتري في الشمالية والموسيقى اللاتينية في الجنوبية) وجنوباً (أفريقيا). شهرة باكورتها دفعت بالراحلة رنده الشهّال ــــ ورغم توقيع موسيقى فيلمها «طيارة من ورق» من دماغ فنيّ كبير اسمه زياد الرحباني ــــ إلى الاستعانة بأغنية ماسي الأشهر، «راوي» التي حمل اسمها الألبوم المذكور، ربما لتطعيم الشريط الصوتي لفيلمها بشيء من روح عصره، وسط الأنغام الزيادية المعبّرة، في المباشر عن مجريات القصة، وفي العموم عن كل عصر. لغاية الآن، لم تتخطَّ الفنانة الجزائرية الأصل، الفرنسية الإقامة، بداياتها. فاللون الذي حدّد هويّتها الأولى ليس من النوع الذي يمكن قَولَبته بطرق وأشكال مختلفة. فأساس هذا اللون، موسيقياً، هو اللحن. وهذا اللحن له ملامح شبه ثابتة، وقد قدّمت سعاد ماسي زبدته منذ البداية، وجلّ الممكن هو محاكاته من زوايا عدّة، متى تعذّر تخطّيه. هذا ما يُنتظَر منها عند كل إصدار، وهذا ما يمكن ترقّبه في حفلتها المقبلة في «ميوزكهول»، إذ أن جديدها يُطلَق رسمياً بعد أيام (في 11 الجاري) والبرنامج سيقوم بالتأكيد، بجزءٍ منه، على أفضل ما سيحويه الألبوم الذي يحمل عنوان «أمنية». لا نعرف شيئاً عن هذا العمل سوى الفيديو الترويجي الذي نشرته ماسي أخيراً، والذي يوحي أن الصبية المحبوبة تتابع العمل في الاتجاه نفسه، وهذا متوقّع من فنانة لا تحب التجريب للتجريب والصرعات للفت النظر، لا شكلاً (فرقتها، طلّتها على المسرح وأكسسوارات الظهور،…) ولا مضموناً (العناصر الفنية كافة لـ«أغنيتها»).
غنّت بلغتها الأم بشكل أساسي، وبالفرنسية وبالإنكليزية، ووضعت نصوص وألحان معظم أغانيها


سعاد ماسي مولودة في الجزائر في أسرة بربرية متواضعة الحال. درست الموسيقى والعزف على الغيتار (الآلة الغربية الأكثر انتشاراً في بلدها، بحكم الجيرة الإسبانية). قبل ألبومها الخاص الأول الذي تلا انتقالها (بسبب تهديدات الظلامية في تسعينيات الجزائر) إلى العيش في فرنسا، انضمت لفترة إلى إحدى الفرق الجزائرية ذات التوجّه السياسي لناحية النصوص، الغربي المعاصر (روك) لناحية الموسيقى. بعد «راوي» (2001)، أصدرت «داب» (2003) و«مسك الليل» (2005) و«يا حرّية» (2010) و«المتكلّمون» (2015). غنّت بلغتها الأم بشكل أساسي، وبالفرنسية وبالإنكليزية، ووضعت نصوص وألحان معظم أغانيها، بالإضافة إلى القصائد التي اختارتها من الشعر العربي في «المتكلّمون» (المتنبي، إيليا أبو ماضي، أبو القاسم الشابي،…)، في حين اتّخذت من العاطفي موضوعاً محورياً، بالإضافة إلى السياسي والاجتماعي، البسيط والهادف (حقوق ووضع المرأة عموماً) الذي طغى على ألبومها الرابع بشكل عام. قبل ألبومها الأول، شاركت في نشاطات فنية حية في فرنسا، ما أمّن لها علاقات إنتاجية، أفضت إلى مشاركة أحد كبار رموز المنوعات الفرنسية في «راوي»، دنيال بالافوان، الذي غنى معها أغنيتها الشهيرة Paris، وهذا ما تكرر لاحقاً مع فرنسيس كابريل وغيره.
سعاد ماسي، التي دعمت الصحوة الشعبية الأخيرة في بلدها، من خلال المشاركة في التظاهرات التضامنية التي نُظِّمَت في فرنسا، أقامت حفلات عدة في بيروت في السنوات الأخيرة، وحفلتها المرتقبة الليلة (إنها السادسة أو ربما السابعة في لبنان) تأتي ضمن مشروع «فرانش فايبز» (ذبذبات فرنسية) الذي أطلق أخيراً ليكون الرديف الفرنكوفوني لـ«ليبان جاز»… والحضور إجباري لمن لا يستطيع انتظار جديدها ثلاثة أيام إضافية!

* حفلة «أمنية» لسعاد ماسي: 21:00 مساء اليوم ــــــ «ميوزكهول» (واجهة بيروت البحرية ـ بيال) ــــ للاستعلام: 03/807555