ذهبت الفوتوغرافية ليلى علوي (1982) إلى العاصمة البوركينابية واغادوغو لتصوّر وجوه المعذبين على الأرض، بدعوة من منظمة العفو الدولية. مرة أخرى، وضعت الفنانة المغربية الفرنسية نفسها قدماً في الفن الفوتوغرافي، كملتقطة لوجوه المهمّشين والمقصيّين في رحلات ألمهم. غير أنها التقت هناك بالوجه الأفظع للبشرية... وجهها الإرهابي، إذ سقطت برصاصه في هجوم فندق «سبلانديد» خلال تناولها العشاء في مقهى "كابوتشينو" مساء الجمعة. لم يستطع جسدها تحمل الألم والرصاصات التي اخترقته، لتفارق الحياة في المستشفى أول من أمس. ورغم تجربتها القصيرة، فقد راكمت علوي تجربة مميزة في مجال الصورة. تجربة جعلت البورتريه حجر زاويتها. ليس فقط من خلال تتبع ملامح الوجوه فقط، بل حكاياها أيضاً ووضعها الإنساني وشروط كينونتها. تتبعت علوي، بالضبط هذا الوضع، وممكناته لكن من دون غرق في البؤس، أو الاستشراقية والنزعة الاستعلائية تجاه «موضوعاتها». كانت كاميرا علوي تتموضع في نفس مستوى مَن تصورهم، فتصير النظرة إلى ضيوف استديوها المتنقل بين المدن، نظرة أفقية، تعكس هذا البحث عن اللقاء بينها وبينهم، من دون أفكار نمطية.
في مجموعة «ناطرين» رافقت رحلة اللاجئين السوريين في لبنان عام 2013

ترعرعت علوي بين الثقافتين الفرنسية والمغربية، لكنها عادت إلى المغرب العميق لاستكشافه من جديد. في «سوق بومية» في الأطلس المتوسط في المغرب عام 2011، أنجزت سلسلة من الصور لحيوات ومهن أشرفت على «الاندثار» أمام زحف «الحداثة»، كمهنة ساقي الماء الذي يتنقل بين الأحياء والأسواق، ويقدم ماءه البارد للعطشى. لتحقيق رغبتها في رصد الواقع المعيش، والتقاط الوجوه، انتقلت علوي، من دون أي ادعاءات، متسلحة باستوديو متنقل، وبرغبتها الكبيرة في اللقاء بالإنسان في تعدده الاجتماعي والثقافي والإثني وتجذر التراث في بلدان تعيش «أزمة هوية». كانت علوي تعتبر أن لأعمالها وظيفة توثيقية أيضاً تأتي إلى جانب بعدها الإبداعي الصرف. وجدت ضالتها في المناطق البعيدة التي لا تزورها عادة إلا الكاميرات الأجنبية مع مخيالها الغربي الذي يختزل البلدان في الفولكلور. في المغرب، تنقلت في المواسم والأسواق الشعبية، وتحدثت إلى الناس كما دعتهم إلى التقاط صورهم. في سلسلة صور المغاربة، فضلت علوي التقشف. جعلت خلفية صورها سوداء، ولعبت على إضاءة خفيفة، تمكن من عكس تعدد الألوان الذي يعبر الأزياء المحلية. هذه المجموعة عرضت العام الماضي ضمن "فوتوميد" في بيروت، حيث عاشت لفترة متنقلة بينها وبين المغرب.
خلال تجربتها القصيرة، استطاعت أن تقدم عبر الفوتوغرافيا، لمحة عن الذين لا تهتم بهم الكاميرات كثيراً. انشغال رافقها في أعمال أخرى، يظل أبرزها تجهيز فيديو اتبعت فيه مسارات المهاجرين السريين من دول جنوب الصحراء. التجهيز الذي يحمل عنوان «عبور» قدم في العديد من المعارض الدولية، آخرها «معهد العالم العربي» في باريس، حيث لا يزال يعرض حالياً. يستقرئ عمل الفيديو واقع رحلة المنفى، التي يعيشها «الحَرَّاقَة» (المهاجرون السريون) للوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط. التقت الفنانة هؤلاء طيلة أشهر، وسجلت شهاداتهم، قبل أن تعمل عليها فنياً من خلال الفيديو، مقدمة كلامهم، وحكايا عبورهم المؤلم بشكل ينزاح أحياناً نحو الجمالية، برغم قسوة الكلام. ترى الفنانة أنّ الجانب التشكيلي في العمل يخرج هذا الواقع المأسوي، من قالب الشهادات التلفزيونية التي تتكرر وتلخص المهاجر في أرقام، لتعطيه أفقاً تعبيرياً آخر.
حملت ليلى الهم الإنساني في أكثر من عمل، إذ رافقت رحلة اللاجئين السوريين في لبنان (عام 2013)، في مجموعة «ناطرين»، وكذلك سلسلة NO PASARA التي جاءت كرد على السياسات الأوروبية المتشددة تجاه المهاجرين المغاربة. انشغالات المصورة التي كانت تقيم بين نيويورك والمغرب لم تقتصر على المهمشين والتعدد الثقافي، بل عملت أيضاً على الفنانين والمبدعين المغاربة. أصدرت كتاباً تضمن بورتريهات لحوالى خمسين فناناً ومخرجاً وتشكيلياً مغربياً. وهي البورتريهات التي تشكل لا محالة، محاولة في حفظ الذاكرة الثقافية للبلد. درست علوي الفوتوغرافيا في جامعة «نيويورك سيتي»، وعرضت أعمالها منذ عام 2009. خاضت تجارب عدة في السينما والتصوير، إذ عملت إلى جانب مشاهير كالأميركي سبايك لي، والإيرانية شيرين نشأت، ومصمم الديكور الفرنسي سيرج لوتنز، الذي قدم كتاب بورتريهات المبدعين المغاربة. وقد بدأت مغامرتها الفنية مع التصوير عام 2006، حين أقدمت على السفر بين دول أميركا اللاتينية من أجل التقاط صور عن حضارة المايا. بعدها، حصلت على منحة من «الاتحاد الأوروبي»، قبل أن تنطلق في تجربتها للبحث عن جزء من تاريخ المغرب وحاضره. جزء يتبدد من دون أن ينظر إليه أحد. لكن مع رحيلها، يفقد المغرب واحدة من التجارب الشابة التي كانت تعد بالكثير في سماء الفن المغربي المعاصر...