يبدو مثيراً للدهشة أن يتمكّن مجموعة شباب متطوّعين في بلدة «مشتى الحلو» (ريف طرطوس) أن ينجزوا مهرجاناً صغيراً وعفوياً، ومسيجاً بالفوضى الخلّاقة ربما أن يتمكنوا من دعوة أعلام الفن السوري كضيوف ومحكّمين لمنتجات الشباب المشاركين على هامش المهرجان، بينما تعجز المؤسسات الرسمية والجهات الحكومية مجتمعة عن إنجاز أي شيء خارج سياق التقليدي الرتيب! كانت مصادفة أن نرى جموعاً من المهتمين والإعلامين تحيط فناناً تشكيلياً يرسم في صالون مفتوح ضمن فعاليات مهرجان «الدلبة السابع». اقتربنا أكثر لنكتشف بأنه يوسف عبدلكي. صاحب الكاريزما الشامية والنكتة الحاضرة على الدوام يمرر الطرفة السياسية ثاقبة الذكاء بين السطور. لا يرد على محدّثيه وهو يرسم. كأنه ينفصل عن الواقع! يذهب في خياراته إلى لوحات من القطع الصغير التي تنسجم مع روح إرثه ويمكن أن تصبح جاهزة بسرعة. طلبناه لحوار صحافي، فأعطانا كلمة بأنه سيكون حاضراً معنا قبل نهاية المهرجان ولكن لن يدلي إلا بما خص المناسبة. أخيراً كان هذا اللقاء السريع:

* إلى أي حد يمكن أن تؤثّر هذه الطبيعة البكر وهذا اللقاء العفوي مع الناس هنا في مهرجان «الدلبة» على مزاجية التشكيلي يوسف عبدلكي؟
ـــ قبل أن أتحدث عن أحاسيسي ومزاجي، دعني البداية أشير إلى هذا الملتقى الذي يملك ميزات عديدة، الأولى أنّه نشأ بروح وحماس الشباب، وهم وقوده إن صح التعبير، أكان في السينما أو الفن التشكيلي أو في النحت.... الميزة الثانية أنه مبادرة تطوعية ممولة بشكل أهلي ومحلي داخل البلدة، وهذا يؤكد لنا كم نمتلك قدرات وإمكانات محلية قادرة على إنجاز مشاريع سوريّة خالصة، بعيداً عن تدخل أي جهة خارجية، أو المنظمات غير الحكومية، والمنظمات التي تعمل على المجتمع المدني، والكثير منها لا تخفي حماس القائمين عليها، ولكن أيضاً لا تضمر الأهداف التي يرمي إليها الممولون وأجنداتهم غير الصحيّة على الإطلاق. أما الميزة الثالثة، فهذا الملتقى يعطينا بارقة أمل أنّه كيف بالإمكان أن نصنع مشاريع ثقافية بعيداً عن المؤسسات الرسمية وبالتالي بعيد عن أفكارها التي لها طابع بيروقراطي من جهة وطابع استبدادي من جهة اخرى وأيضاً طريقتها «الديماغوجية» بالتعامل مع الثقافة، هذا نشاط ثقافي شبابي مستقل، وأعتقد أن كل من له شأن أو اهتمام بالثقافة السورية أن يكون داعماً له.

* قبل ايام، حضرنا تظاهرة الأفلام الشبابية القصيرة، وربما هي من المرات القليلة التي تعرض فيها أفلام سينمائية داخل دور عبادة، وهذا ما يعتبر انتصاراً للفن على «التابوهات» رغم أن شروط العرض كانت سيئة لجهة انقطاع الكهرباء؟
ـ بالتأكيد شروط العرض كانت سيئة، ولكن ما أثار حفيظتي هو مستوى الأفلام الشبابية، التي أصفها بـ «أفلام الهواة» والكثير منها لا يرقَى إلى أن يسمّى سينما، وقد كان على القائمون على الملتقى الإمعان أكثر في سويّة الأفلام المعروضة وهذا أكثر ما لفت نظري في الأمر أكثر من مكان العرض
*ماذا تتمنّى لهذا المهرجان في المستقبل؟
ــ لا أتمنى لهذا المهرجان أن يتوسع بل أن يتعمّق، بمعنى أن تكون خياراته أدق وأعلى بالنسبة للرسّامين والنحاتين والسينمائيين، هذا ما أتمناه حقيقةً. هناك الكثير من المهرجانات الكبيرة والمنظّمة لكنها تتجه صوب الدعاية والإعلان وشيء له علاقة بالـ «الديماغوجيا». من ناحيتي أفضّل مهرجاناً صغيراً لكن نوعياً، يعطي للناس فرصة حقيقية في التنفس بثقافة حرّة.