قدّمت مجموعة «فهرس الممارسات النشريّة» أوّل من أمس، محاضرة أدائيّة ضمن فعاليات معرض «كيف تعاود الظهور: من بين أوراق النشر المستقل» في «مركز بيروت للفن». أعاد الثلاثي اقتفاء تحوّلات «محطّة الحجاز» في الشام، بالاستناد إلى مقاطع من مسرحيّة «المحطّة» للأخوين الرحباني (1973)، وإلى أرشيف من المنشورات والمجلّات والكتب جمعت من مكتبات وبسطات الساحة الدمشقية.كان صوت المطابع يعلو على صوت القطار في «محطّة الحجاز». وفي محاضرة «بانتظار المحطّة» لمجموعة «فهرس الممارسات النشرية» تتفوّق السيرة الورقية للمحطّة على طابع المواصلات والنقل. أوّل من أمس، تعرّفنا إلى أشهر محطّات القطار في دمشق في محاضرة أدائية للمجموعة الفنية السورية في «مركز بيروت للفن» (سوق الأحد ــــ بيروت). سامي رستم، وعمر نقولا وكنان درويش قدّموا عملهم ضمن فعاليات معرض «كيف تعاود الظهور: من بين أوراق النشر المستقل» الذي افتتح أخيراً حول ممارسات النشر البديلة والمستقلّة في العالم العربي والعالمي. معرض (لنا عودة موسّعة إليه لاحقاً) اشتركت في تنسيقه الفنانة المصرية مها مأمون والأردنية آلاء يونس، ويحوي تجارب فنانين ومصممين فنيين وكتّاب عرب وعالميين، منهم صنع الله ابراهيم وهالة بزري وساشا أبو خليل وجبور الدويهي وجنى طرابلسي وحسين ناصر الدين، إلى جانب عرض تجارب لدور نشر «أبولو»، و«دار الفتى العربي» وغيرها. عمل «فهرس الممارسات النشرية» يندرج ضمن هذا الإطار. المجموعة الفنية التي أسسها الشبان السوريون الثلاثة (رستم، ونقولا ودرويش) في برلين عام 2015 تقوم ممارستها الفنية على البحث في مسارات النشر، والأرشيف وتاريخ الطباعة، عبر إنتاج الكتب الفنيّة، والمحاضرات الأدائية والمعارض. هكذا دخلت المجموعة إلى أرشيف مكتبة منزل عبد الرحمن منيف بعدما تعرّضت للسرقة في دمشق قبل أعوام. تجربة صدر عنها مؤلف ورقي بعنوان «عندما سرقت المكتبة»، يوثّق لحوالى عشرة آلاف كتاب كانت موجودة في مكتبة الروائي السعودي الراحل. وبالعودة إلى عرض «بانتظار المحطّة»، فقد أطلقه الثلاثي في برلين عام 2017، كجزء من مشروع جماعي من تنسيق القيّمة الفنية الفلسطينية عدنية شبلي. قدّم أيضاً في الشارقة السنة الماضية، لكن عرضه في بيروت أوّل من أمس له خصوصيّة عن سابقيه، نظراً إلى أنها المدينة التي قدّمت فيها مسرحيّة «المحطّة» للأخوين الرحباني (إخراج بيرج فازيليان) للمرّة الأولى على «مسرح البيكاديللي» عام 1973. انطلقنا من بيروت، باتجاه محطّة الحجاز في دمشق. ما الذي جاء بـ«محطّة» الأخوين الرحباني الوهميّة إلى محطّة الحجاز في دمشق؟ وما علاقة ذلك بالنشر والكتب والطباعة؟ الإجابة عن هذه التساؤلات الأوّلية تشكّل بذاتها طبقات متعدّدة للمحاضرة: تاريخية وفنية وسياسية، وحتى شخصيّة. طوال مدّة العرض (45 د)، تبني المجموعة محطّتها الخاصّة والفريدة، وتقترح سبلاً أخرى للعلاقة مع المكان. كيف تكتب سيرة المدينة؟ أعاد الثلاثي رسم خريطة محطّة الحجاز مباشرة على المسرح، ونقلت إلينا عبر فيديو على الشاشة (كنان درويش). يرسم كنان خريطة لرحلاتهم إلى الساحة والشارع والمحالّ وقاعة الانتظار والمكتبات والمطابع. برفقته، يقدّم عمر نقولا علاقة كل منهم مع المحطّة ومحيطها. يقرأ ثلاث رسائل شخصيّة حول ذكرياتهم عنها، ورحلات التفتيش وجمع الوثائق والكتب من مكتباتها. تجارب شخصيّة تختصر في الوقت نفسه مراحل وتحوّلات تتراوح من عام 2003 إلى اليوم. كما تستحضر فترات أكثر قدماً تكتنز تاريخاً سياسياً واجتماعياً للمحطّة التي أنشئت عام 1907، وللساحة المحيطة بها حيث انتشرت المكتبات والمطابع، فضلاً عن طابعها المعماري، وهجرة سكّانها إلى أحياء أخرى في دمشق. اجتاحت الكتب المكان حتى وصلت إلى قاعة انتظار المحطة نفسها، مع تحوّلها إلى قاعة لمعرض الكتاب الذي توقّف أخيراً. أما سامي رستم فهو صلة الوصل بين مسرحيّة «المحطّة» ومحطّة الحجاز. يخبرنا عن زيارة الأخوين الرحباني وفيروز لدمشق (عام 1973)، ونزولهم في «فندق الشرق» المجاور للمحطة. يرافقنا صوت وردة (فيروز) في مقاطع من العرض. في المسرحية، تبقى الشابة مقتنعة بوجود محطّة للقطار تمرّ في حقل البطاطا. وحدها تؤمن بها من أبناء المنطقة. كأنما المساحة بين الخيال والواقع في مسرحيّة «المحطّة»، تأتي لتوسّع من طرح المحاضرة التي تقترح سيرة أخرى لـ«الحجاز» لا تتقيّد بتاريخها الرسمي. أكثر التبدّلات إيلاماً هو تحوّل متجر «الموصلّي» للأسطوانات والكاسيتات إلى مكتب للصيرفة عام 2012. أقفل الرجل متجره، وهاجر ربّما. والمحطّة صارت متحفاً لحقبة زائلة. يعبر بنا الثلاثي في هذه الرحلة من خلال الأرشيف نفسه، يرجعون إلى معلومات ووقائع في أعداد من مجلّة «الجندي السوري» حصلوا عليها من محالّ المنطقة، وكتاب «مترو الأنفاق»، وأسطوانة قديمة لمسرحيّة «المحطّة» اقتنوها من متجر الموصلّي، وصور فوتوغرافية التقطوها هناك. أما الأرشيف الذي جمع من مكتبات «محطّة الحجاز»، فيكمل سرد القصّة وحده، وخصوصاً حين انتقل من الشام إلى برلين، حيث تقيم المجموعة وتعمل حالياً.