تونس | ستعيش تونس العاصمة من اليوم حتى 20 حزيران (يونيو) الحالي على إيقاع الرقص والتعبير الكوريغرافي في مناسبة الدورة الثانية لـ «أيام قرطاج الكوريغرافية» التي انطلقت العام الماضي لتكون تظاهرة مفتوحة للشباب من أفريقيا وضفتي المتوسط للتعبير الجسدي في محيط عربي ما زال الجسد فيه محفوفاً بالكثير من الصمت. المهرجان الذي تنظّمه وزارة الشؤون الثقافية يأتي تتويجاً لمبادرات سابقة في الرقص المعاصر قامت بها الفنانة الراحلة رجاء بن عمّار التي نظّمت طيلة سنوات في فضاء «مدار قرطاج» تظاهرة تُعنى بالجسد والرقص المسرحي، وكذلك نوال اسكندراني وكل هذه المبادرات توقّفت ولم تصمد في غياب الأمكانيات المالية الكافية.على خطى «أيام قرطاج السينمائية» (1966) و«أيّام قرطاج المسرحية» (1983) تحاول هيئة «أيام قرطاج الكوريغرافية» التي ترأسها مريم قلوز أن تكون سابقة عربية تفتح نوافذ على أفريقيا والمتوسط، بخاصة جنوب أوروبا من خلال الورشات والعروض والأعمال المشتركة. ففي الدورة الثانية لـ «أيّام قرطاج الكوريغرافية» 22 عرضاً دولياً (من أوروبا وأفريقيا والعالم العربي) و15 عرضاً تونسياً وثلاثة عروض باليه وخمسة عروض في الشارع. كما يتضمن البرنامج الذي يشارك فيه 225 مخرجاً وراقصاً وممثلاً ورشات عدة منها ورشة مدوّنة أكرم خان التي ستديرها كريستينا ألين الراقصة في فرقة خان في بريطانيا وستعتمد فيها «رؤية فنية تحترم وتحتذي بشكل الكاثاك الهندي والرقص المعاصر وتبدأ الورشة بإيماءات تم تطويرها من خلال لغة وحركات أكرم خان قبل أن يكشف المشاركون عن قدراتهم من خلال التمارين والحركات التي ترتكز إلى الإيقاع والسرعة والدوران والصمت».

« ماذا لو غداً...» (فلسطين/ فرنسا)

أما الورشة الثانية فستكون مع معهد غوته (ألمانيا) سيديرها دافيد براتدستاير تحت عنوان «ما حدث في تونس»، وتطرح الورشة تفاعلات الشباب التونسي مع الانتفاضة التي أسقطت نظام بن علي. ما الذي حدث قبل وأثناء وبعد الانتفاضة أو المعروف باسم الربيع العربي في تونس؟ وما الذي رسخ في أجساد المواطنين خلال هذه التحركات الاجتماعية؟ قبل هذا المنعطف، ما الذي شحن أجسادهم؟ ما هو شعورهم أثناء الانتفاضة وبعدها؟ كيف يمكن للجسد أن يتفاعل مع مثل هذه الأسئلة؟ كيف يمكن إخراجها وإعطاؤها حركة؟ كيف ترتبط الذكريات الشخصية والاجتماعية؟ ما هو أساس الإبداع النابع مما يمكن تسميته بالذاكرة الجسديّة الاجتماعيّة؟ ما هو دورها؟ ما هي المبادئ التي ندافع عنها؟ وما هي تلك التي اكتسبناها؟ نحن في حاجة إلى الحفاظ على الرابط مع الحركة التي نخلقها في جسدنا الفردي وكذلك الاجتماعي.
هذه الأسئلة تضع أساساً للتبادل مع الفنانين لأنها تتجاوز الثقافات والحدود. أما الورشة الثالثة «درس في الرقص، رقص جزر الأنتيل»، فستديرها شانتال لوال (غوادلوب/ فرنسا) وتهدف «إلى بناء حوار بين التقاليد والحداثة لإعادة النظر في الرقصات الاجتماعيّة وإعادة تشكيلها في عالم هندسي تتداخل فيه مع الرقصات الحضريّة». وتسعى شانتال لوال إلى «خلق لغة كوريغرافية تقوم على المزج بين الرقصات الإفريقيّة ورقصات جزر الأنتيل وكذلك بين المخزون الموسيقي التقليدي والمعاصر».
الدورة الثانية لـ «أيام قرطاج الكوريغرافية» ستفتتح بعرض فرنسي من إنتاج «مركز الكوريغرافيا الوطني» في منطقة ران لعصمان سي مع راقصي Peradox -sal بعنوان «ملكة الدم». أما الاختتام، فسيكون بإمضاء التونسي رضوان المؤدب بعنوان «بحيرة البجع» لفرقة باليه الأوبرا الوطنية لمقاطعة الران الفرنسية، ورضوان المؤدب عرفه الجمهور التونسي منتصف التسعينيات بعد تخرّجه من المعهد العالي للفن المسرحي في تونس ممثلاً مع توفيق الجبالي في مختبر «التياترو»، قبل أن يهاجر إلى إيطاليا لمواصلة تكوينه في الرقص المسرحي.
وبهذا المهرجان تؤكد تونس إصرارها المتزايد على فتح نوافذ للفن المعاصر يقطع مع الفولكلور الذي طالما سجن فيه الجسد في مشهد اجتماعي وسياسي يتحكّم الإسلاميون في جزء كبير من معطياته، لكنّهم فشلوا في كتم صوت تونس وتعلّق شبابها بالحرية والإبداع.

* «أيام قرطاج الكوريغرافية»: بدءاً من اليوم حتى 20 حزيران (يونيو) ـــ «مدينة الثقافة» (تونس العاصمة ـــ شارع الحبيب بورقيبة ـــ قاعة سينما مسرح «الربو» في قاعة الحمراء) ـ
للاستعلام: carthagedance.gov.tn


لا رقص من دون كرامة
تحت شعار «لا رقص دون كرامة جسدية»، تنطلق الدورة الثانية من «أيام قرطاج الكورغرافية» من المعيش والحميمي والذاكرة الجماعية. في حديث إعلامي، تقول مديرة المهرجان مريم قلوز: «بما أن الرقص هو فعل فنّي بقدر ما هو فعل سياسي وهو ممارسة تترجم المفارقة الاجتماعيّة، ولأنه ضروري في عملية التحوّل الديمقراطي، فإن هذا المهرجان يمثل فضاء للحرية والمشاركة والفرحة». تيمات وقضايا سياسية واجتماعية ونفسية تقاربها العروض المشاركة مثل أزمة الهوية (عرض «مرآة مكسورة»/ تونس)، والرغبة («بين الأرض والسماء»/ توغو)، والحرب واللجوء والشتات («ماذا لوغداً...»/ فلسطين/ فرنسا)... كما تتخلل المهرجان سلسلة تكريمات لرموز في هذا المجال على رأسها الراقصة والممثلة التونسية سندس بلحسن التي راوحت مسيرتها بين الرقص والسينما، وملاك السبعي أول راقصة تونسية تنضم إلى المعهد الوطني للموسيقى والرقص في باريس، وهي كذلك «كوريغرافيّة ومُدّرسة وراقصة تبحث دائماً عن التوازن بين النضال كمواطنة والإبداع الفني» بحسب البيان التعريفي عنها.