في مثل هذا اليوم رحل محمد الماغوط. ولكن هل رحل محمد الماغوط حقاً في مثل هذا اليوم؟ اختاره الموت في مطلع الربيع (1934- 3 نيسان/ ابريل 2006) هو الذي كتب عن الشتاء وزمهرير الخوف وخريف الحزن. رحل مطمئناً إلى مخزونه الضخم من الرعب البشري والقسوة ووحل الأرصفة، من دون أن يشهد الكارثة اللاحقة. لقد سدّد الفاتورة سلفاً، ونبّه إلى أسباب الهلاك، من دون أن يكترث أحد إلى جحيمه بوصفه طائراً يغرّد خارج السرب. رحل الماغوط تاركاً لنا زوّادة لا تنضب من الألم والحسرات والمآتم، فهذا شاعر اختصاصه الوحيد: الحريّة. لذلك ظل أعزل بعيداً عن الحشد، وأغراض الشعر الأخرى عدا الهجاء. نصف قرن من البكاء والدموع سفحها في صحراء العرب مثل حفيدٍ أصيل لشعراء الأطلال، إذ لطالما اكتشف الخراب من دون مجهر، فوصف الأنقاض والمقابر والأقفاص الضيّقة للروح البشرية وهي تحتضر «لا أراهن على نفاد الخبز أو الماء أو الوقود، بل على نفاد الصبر» يقول. يوم ربيعي آخر، في غياب محمد الماغوط.