ايلينا ـــ كولومبيا
أما عنصرية «البرامج الاجتماعية»، بنظر نخال، فتتحول إلى مادة للتنميط والفوقية ورسائل الوعظ والنصح. وتتساءل الباحثة اللبنانية عما إذا كان المذيعون والمذيعات الذين يقاربون هذه المواضيع، قد خضعوا لتدريب كي يسمحوا لنفسهم أن يعطوا تحليلاً بشأنها. فهذه المواضيع متشابكة ومعقدة اجتماعياً، في حين ينصّب المذيع نفسه حكماً، وينتهي إلى تثبيت الأنماط الاجتماعية الموجودة.
تُعطي نخال مثالاً عن هذا التناول التشويهي لقضايا المستضعفين، عندما يستضيف برنامجٌ عائلة من النازحين السوريين ليلقي الضوء على مشكلة مادية لدى العائلة، كحاجتها لتأمين الطبابة، فتنتهي الحلقة بإلقاء المذيع أو المذيعة درساً وعظياً للضيوف بكونهم لا يجب أن ينجبوا المزيد من الأطفال! ليس بعيداً من هذا السلوك، تتم مساءلة استغلال النساء بحثاً عن فضيحة أو «مؤامرة مخفية». الأمر نفسه يفعله الإعلام مع ذوات البشرة الملونة، فتتحول قصص قمعهن إلى البحث عن أخطاء قمنَ بها. مثلاً حين تنتحر عاملة منزلية، يجري البحث عن أي خطأ قامت به العاملة، لإلقاء اللوم عليها هي في الانتحار! تنطلق من هنا لتتكلم عن«شيطنة المهمشين» عبر استخدام خطأ قام به شخص معيّن لسحب الشرعية من معاناة مجموعة بأكملها. كذلك بالنسبة إلى البرامج الكوميدية حيث يتم بكل سهولة، تسليع النساء وتدعيم الأفكار النمطية وصرف النظر عن الطبقة، بالإضافة إلى الاستخفاف بمعاناة النساء واستغلالهن. ولاحظت نخال أن حدّة العنصرية والطبقية في هذه البرامج، تزداد كلما زادت من جهة أخرى المطالبة بالعدالة الاجتماعية واتسع الحراك السياسي والاجتماعي، لسبب واضح برأيها وهو أن الشخص المتمتع بامتيازات يشعر أن هذا الحراك يهدد امتيازاته.
كما تطرقت نخال إلى المواقع الإلكترونية التي تُجنسن Sexualize العمل السياسي للنساء. تعطي مثالاً على ذلك، مقالاً في جريدة «المدن» الإلكترونية للكاتب يوسف بزي بعنوان «ريا الحفار الحسن: ابنة الجيل الملعون» (19 شباط/ فبراير الماضي). في هذا المقال، يصف بزي وزيرة الداخلية على النحو الآتي «هي (الحسن) كمن يستعدّ لاجتماع مجلس إدارة في الساعة الثامنة صباحاً ويتحضر لعشاء رومانسي في اليوم نفسه، وعند الظهر عليه أن يوبخ ضابطاً عسكرياً». تشير نخال إلى أنه حتى وزيرة الداخلية بكل امتيازاتها لم تنجُ من الجنسنة، فما بالكم بأي واحدة أقل امتيازات منها.
ترى نخال أن الإعلام اللبناني يتعاطى مع النساء، خصوصاً المهمشات منهنّ (مثل ذوات الهويات الجنسية المخالفة للسائد) مثلما كان الأشخاص والأطفال ذوو البشرة السوداء يعرَضون في أوروبا أوائل القرن الماضي، كحيوانات غريبة، فيتفرج الرجل «الماتشو» عليها ليضحك أو يتعجب أو يلمسها ويرى عريها وبؤسها ويشعر لدقائق بأنه أفضل وأقوى. يتحسّس امتيازاته وحقوقه وينتشي. وليس وحده من يفعل ذلك، كذلك المرأة التي تمتلك امتيازات، المرأة اللبنانية البرجوازية غير المهمشة. تُشعر هذه البرامج النساء البرجوازيات ببركة الطبقة، الجنسية، العرق واللهجة والطائفة والشكل والعلم. تخلُص نخال إلى أنه في الحديث مع النساء وعنهن في الإعلام اللبناني، هناك دائماً منظومة أخلاقية جاهزة محفوظة بين كلمات حداثوية تظهر رأسها البشع حينما يريد المذيع والمذيعة، وهي منظومة تتسع إن كان الحديث مع نساء مطلقات، أو «عانسات» أو أقل علماً، أو متزوجات بكثرة أو ذوات بشرة ملونة أو فلاحات أو مثليات أو نساء عابرات... الإعلام يسعى لاستضعاف المهاجرات الفقيرات والعاملات و«الكويريات»، ويضعهن على مذبح الدين والمنظومة الأخلاقية مهما كان الموضوع الذي يتكلمن عنه.
بدورها، المتحدثة من منظمة Enya Lenya التي تُعنى بالعاملات الأجنبيات وبتمكينهنّ، انتقدت سلوك الإعلام اللبناني في التعاطي مع هؤلاء العاملات وقضاياهنّ، ليصبح الإعلام متواطئاً مع نظام الكفالة الظالم الذي يدوس على أبسط الحقوق الإنسانية للعاملات المنزليات في لبنان: «الإعلام يظهرنا كقصة مضحكة أو كقصة حزينة، لكنه لا يوصل صوتنا الحقيقي ولا يساعدنا كي نأخذ حقوقنا».
أما غوى صايغ، من مجلة «كحل» التي تقدم نفسها كـ «إعلام نسوي»، فتحدثت عن هيمنة وسائل الإعلام التقليدية على المشهد العام، كدليل على «التبادل الرأسمالي للمعلومات»، إذ إن هذه المؤسسات الكبيرة هي التي تحدد ما يصلنا من معلومات. لذلك، يجب العمل على دعم المنصات البديلة التي أصبحت «مواقع نضالية»، لا مجرّد وسيلة لإيصال المعلومة، بل هدفاً بذاتها. وتشير صايغ إلى أن تغطية الإعلام السائد لقضايا الجنس والجنسانية دائماً غارقة في ثنائية السلبي والإيجابي، الصح والخطأ، ما يجعل المتلقي عالقاً في هذا الخطاب الذي يؤدي إلى تعزيز اللامساوة وغياب العدالة.