يعود المخرج اللبناني ميشال جبر إلى المواضيع الشائكة. يقارب في مسرحيته الجديدة «مشاهد من الحياة الزوجية» العلاقات الزوجية إبان طقوسها وتحوّلاتها. إنها الحكاية الأزلية التي لا تنتهي كما يروي لـ «الأخبار»: «الموضوع أزلي بأسئلة تطرح نفسها بشكلٍ دائم ومستمر». المسرحية مأخوذة عن عمل للسويدي انغمار بيرغمان (فيلم «مشاهد من الحياة الزوجية» ـ 1973) «لبننه» جبر. إنها حكاية الزوجين ربيع (رودريغ سليمان) وزوجته ندى (نيللي معتوق) اللذين يعيشان تلك المرحلة الرمادية من علاقتهما. الواجبات العائلية واليومية باتت أمراً مرهقاً، من هنا تحوم نهايةٌ ما في الأفق. هل هي نهاية الحب؟ يقرر الزوج الرحيل مع عشيقته، لكن النهاية ليست كما تبدو عليه النهايات المعتادة. لاشيء معتاداً في هذه المسرحية.
رودريغ سليمان ونيللي معتوق في مشهد من العمل

تطرق الأخيرة الجانب «النفسي» أكثر من أي شأن آخر. إنها تقدّم «انفعالات» وردات فعل تشبه مجتمعنا أكثر من أي شيءٍ آخر كما يشير جبر: «لقد عملتُ على البناء السيكولوجي اللبناني: نجد الانفعالات وكل شيء فيها يشبهنا نحنُ الشرقيين». يشير إلى أن النص الأصلي لبيرغمان كان مختلفاً لناحية ردود الفعل: «السويديون يضبطون أنفسهم. أما نحن، فنحتدّ أسرع. نخاف الوحدة وصوت الصمت». إخراجياً، بذل جبر جهداً كبيراً في خلق تلك «الحبكة» الدرامية التي تجنّب المسرحيات «النفسية/ السيكولوجية» سمة «الثقل»، فبدت «خفيفة على المشاهد». إذ يهرب المشاهد اللبناني عادةً من المسرحيات «النفسية ذات الطابع الحديث/ التجريبي». هنا تظهر حرفة ميشال جبر، إذ يقدّم شخصيات تشعر بأنك تعرفها أو شاهدتها من قبل، لا بل إنها قد تكون أنت في لحظةٍ ما. أمرٌ آخر يحتسب للمخرج اللبناني هو اختياره لأبطاله: رودريغ سليمان ونيللي معتوق. بعد اكتشافه المهم لبطلة مسرحيته الماضية (كيفك يا ليلى) نيللي معتوق، أعاد تقديمها من جديد عبر هذه المسرحية. هي بدورها تشير إلى الاختلاف بين الدورين وكيف كان التدريب كما العمل مختلفاً تماماً: «العمل الأول كان مونولوغاً، والثاني مع ممثل شريك. لقد أصبح عندي ثقة أكبر بالنفس. هذا ما تغير، أعرف كيف أتعامل مع نفسي.
حكاية زوجين يعيشان تلك المرحلة الرمادية من علاقتهما

هذا تعلمته «في كيفك يا ليلى». ميشال «اشتغل علينا» من ناحية التعاطي مع العمل والنص والأداء. هو دائماً يخاف على العمل والشخصيات». تبدو معتوق أكثر حنكةً هذه المرّة في تقديمها لشخصيتها المعقدة والصعبة الأداء، فتبرع في تقديم الشخصية حين تكون «لعوباً»، ثم يخفت الأداء قليلاً حينما تؤديها «غاضبة» وربما هذا يعود لرغبتها بتقديم «غضب» هادئ يقارب ربما النص الأصلي لبيرغمان مقابل «الغضب الانفعالي» المعتاد في المجتمعات الشرقية إبان «حدث كالخيانة» مثلاً. بدوره رودريغ سليمان الذي يقدّم شخصية الزوج بطريقة تبدو في البداية معتادةً، سرعان ما ينزع عن نفسه صفة الاعتياد الذي يظهر في الدقائق الأولى للمسرحية ليقدم دوراً شديد التعقيد: ينفعل، يغضب، يبدو رجلاً «شرقياً» بكل ما تحمله هذه الشخصية من عادات وتقاليد وضوابط وحتى عقد. هو يقارب هنا شخصيةً أقرب إلى الحقيقة منها إلى شخصية مسرحية فحسب. في هذا كله، نجح جبر في تقديم الشخصيات. بدا ديكور المسرحية أقرب إلى غرفة النوم/ المكتب في لحظة ما. المسرح/ المنزل الذي يقاربه المسرح الشكسبيري/ الأوروبي الكلاسيكي بدا ظاهراً. نجد ديكور منزل متكاملاً، مطبخاً، غرفة نوم، مدخلاً بباب. إنه ديكور كلاسيكي متكامل مع إضاءة تتناسب تماماً مع الوضع. هنا يأتي التساؤل: ألم يكن ممكناً أن يكون الديكور أقل ليعطي الممثلين الفرصة أكبر للسطوع؟
أمرٌ آخر ملفتٌ في المسرحية هو استخدام المقدّمة حيث يبرع جبر في تأدية دور «المقدّم/ الشيطان». كما في الأساطير اليابانية القديمة، يحكي شيطان الحكمة هذا ما يفترض أن يكون القصة خلف كل ما يحدث. يحضّر المشاهدين لما يجب توقعه قبل حتى دخولهم عالم المسرحية. يحكي أساطير الخلق على طريقته الخاصة. «مشاهد من الحياة الزوجية» تطرح قضية مهمة بطريقة سهلة، مؤكدة أن الأمور «ليست كما تبدو عليه من الخارج»، وأن «العلاقات» البشرية هي أعقد ما في الوجود.


* «مشاهد من الحياة الزوجية»: حتى 10 آذار (مارس) ـ «مسرح المدينة» (الحمرا) ـ للاستعلام: 01/218078