مقالات مرتبطة
المرحلة الثانية بعد الموافقة، استغرقت أكثر من عامين من العمل على تنقية الصوت وتحسينه في ألمانيا، وأشهراً من العمل على الصورة في أميركا. وقبل ثلاث سنوات، خرجت النسخة الأولى من مونتاج نفذته ريما الرحباني، يتضمن المقاطع الأفضل مع الحفاظ على سياق المسرحية من حيث المشاهد والحوارات. بقيت أمام هذه النسخة رحلات أخرى من العمل التقني. يقول محمد حمزة من Mmedia، أنّ النسخة النهائية كانت جاهزة قبل العرض الصحافي بخمسة أيام فقط!
عرض «بالنسبة لبكرا شو» تحيّة إلى ذكرى جوزيف صقر وليال الرحباني. الأخيرة هي التي قامت ـــ بطلب من شقيقها ــ بتصوير عروض عدة من «بالنسبة لبكرا شو» لغرض الإدارة الفنية. فمخرجه وكاتبه موجود على خشبة المسرح أيضاً، ما يمنعه من مراقبة العرض والأداء. صوّرت ليال العروض بكاميرا «سوبر 8» الأفقر نوعية والأقدم من كاميرات الـ «16 ملم» أو الـ «35 ملم» التي كانت تستعمل آنذاك في السينما والتلفزيون. انتقت ليال ـــ بحرّية أو ربّما بالتنسيق مع زياد ــ ماذا تصوّر في كل مقطع، من مسافة واحدة، من دون أي إضاءة إضافية عن إضاءة العرض الخافتة، لأنها أصلاً إضاءة مقهى ليلي، على عكس الإضاءة في المشاهد التي رأيناها مثلاً في إعلان مسرحية «فيلم أميركي طويل»، حيث الإضاءة خاصّة بغرف في مستشفى.
الجهد الكبير التقني الذي بُذل لإنقاذ هذه النسخة، لم يؤد الى نتيجة كاملة في الصورة والصوت، لكنه نجح في عرض مقاطع عديدة واضحة مشهدياً من المقاطع الأهمّ من المسرحية. محمد حمزة الذي كان يُشرف على عملية تجهيز هذه النسخة المصوّرة تقنياً يذكّر بأنّ حالة الصورة في هذه النسخ (البكرات)، كان كارثياً، إذ «كان هناك سواد في الصورة، وبعض الأماكن المعطوبة في الشريط، والتسجيل الصوتي لم تكن حالته أفضل، ولا حال الشريط أصلاً (البوبين)». ويضيف أنّ الفكرة في الأساس كانت أن تعرض المسرحية على الإنترنت على صفحة Mmedia، ثم طُرحت فكرة صالات السينما، «فهذه مسرحية أكثر من جيل، وليس كل الأجيال في لبنان هم روّاد الإنترنت».
هي خطوة تجارية كبيرة نظراً إلى حجم شعبية هذه الأعمال ومؤلّفها، لكنها في صالح الجماهير أيضاً، فمن سيتشارك هذه الذاكرة وهذا الإرث الفني من جديد، هو من شاهدها بعينه ويدفعه الحنين لأن يطلّ مجدداً على هذه الخشبة وأبطالها وإن عبر شاشة، أو هناك من سمعها مراراً وتكراراً ويريد أن يرى تلك الحبكة بعينيه، أو من لم يتعوّد على الاستماع لمسرحية لأكثر من ساعتين، وستحلّ له الشاشة مشكلته.
الأهمّ من هذا كلّه أن مضمون المسرحية ذاته يستحق أن يخرج دائماً لأنه حاضرُنا، ليس عملاً من السبعينات عن ظروف انتهت وواقع ولّى. «بالنسبة لبكرا شو» صوّرت الواقع الذي كان أهمّ أسباب انفجار الحرب، وأهم اسباب التردّي المستمر الى اليوم. لم تعد هناك أرض لأن أهلها هجروها الى المدينة بحثاً عن عمل. لم يعد هناك إنسان لأنّ العلاقات بين البشر في المدينة تتحوّل أرقاماً وحسابات. الأم والأب يعملان تحت أي ظرف ليسدّا الديون والأقساط، والمرتّب قليل، فيما مصروف المدينة كبير. الشاعر المثقّف يبيع قصائده بالجملة مع الأحذية. المحسوب على زعيم يفرض نفسه في مكان العمل. المدير والتاجر يستغلّان، والحلّ فرصة للعمل في الخليج. المزارع يغني للخسّة التي زرعها ثم اشتراها بأضعاف ثمنها. الجميع يشرب ويرقص في هذا المكان الصغير ويفرغ جنونه ومكنوناته.
بجملة مكتوبة، يقدّم زياد للعرض متمنّياً غضّ النظر عن رداءة الصورة والصوت حيث وُجدت، مذكّراً بأن تصوير هذا العمل لم يحصل بهدف العرض. يضيف زياد: «أساساً كم بكرا صار قاطع علينا وبعدنا ما عرفنا شو بالنسبة لبكرا». عاش نصّ هذا العمل وظلّ في الذاكرة لأنه - الى جانب جماله الفنّي وقوّته - بقي واقعاً نعيشه منذ حينها. لذا صورة الكلام والمضمون تبقى أقوى بكثير، من صورة العرض نفسها، بغضّ النظر عن جودتها. لكن ما ستضيفه الشاشة هي تلك اللحظات التي سنرى فيها بالصورة أداء الممثلين وتفاعلهم مع النصّ، وتلك القفشات التي سمعنا منها سابقاً ضحكات المتفرجين المتواصل، من دون أن نتمكّن من تخيل المشهد الذي بعث على هذا الضحك.
«بالنسبة لبكرا شو»: بدءاً من 21 كانون الثاني (يناير) في الصالات اللبنانية