الجرائد التي تنتفخ على طاولة في غرفة نومي إتّحدت بلون أصفر حزين، أحاول غربلة بعضها لأرميها فيستشيط نصفي حزناً... أفكّرأن أعيد كل شيء إلى مكانه حتى لو كانت وطناً مؤجّلاً للحشرات أو دليلاً قاطعاً للمعالج النفسي عن وجود مرض مزمن في صدري لا دواء له إسمه الجريدة. الحزن كلّه يتكدّس بين يوم ويوم، جريدة فوقها حزن فوقها جريدة، الكلّ ينام بين الورق ولا يريد النهوض.
الكائن الذي علق بقصاصة الورق هو نفسه الذي كان يروي زهوري ثم يمضي في العتم. هو نفسه الضوء الذي كان يراوح مكانه ذهاباً وإياباً ولم يُبدِ أيّة ملاحظة مظلمة عن قصاصة الورق.
هو لم يعد هنا منذ زمن طويل، هو مستغرق في تحليل أسباب إنتهاكات أسباب الحياة، في إبط الصبي الذي يبيع الجريدة، أحدهما يبحث عن الآخر الآن. هل أجدني أقع في غرام آخر يملأ غرفتي، إنّه الحب بلا متطلّبات، الذي يملأنا ولا يُفرغنا، ما كان يتنفسّه ليبقى على قيد الحياة... مفرطاً في هذيان رائحة الورق، لا يستطيع الإمتناع عن الحب...
بعدما قرّر التخلّص من الموطن المؤجّل للحشرات هزّه فراغ قاتل، بدت الغرفة موحشة عارية مثل منتصف الليل، مهجورة مثل منزل لا يزوره كائن حي، مثلي مثلك مثل الدهشة المرتعبة الفاصلة بين قنبلتين إحداهما تكلّمت بالسقوط والأخرى تدور ببطء...
بعد أن أعطى غرفته الحق في الحياة دون عبء محتمل رآها تسودّ..ليس من ضجّة سوى سعال مؤلم، يريد أن يستقرّ كل ما في داخله خارج رأسه محتويات صدره معدته، لو قُدّر له أن يتقيّأ أنفاسه كلها دفعة واحدة فينهي القسم الأول والأخير من حياته...
البارحة كان الضوء رائعاً هنا... انزلق حزنه خارج عينيه أراد أن يرتق وجهه قبل أن ينفجر بالبكاء ظلّ يحرّك قدميه الى أن وجد نفسه على قارعة الطريق..
أعاد كل ما امتلأت به غرفته، الأضواء التي كانت تستدير ذهاباً وإياباً دون أية ملاحظة مظلمة، الوطن المؤجّل للحشرات عاد الى مكانه، إخضرّ وجه غرفته تنفسّت نوراً، غرام آخر يصل على الطريق، يودّ أن سيظلّ (الآخر) ضوءاً مائلاً تحت خطوه الى أن يسقط الجزء الأخير من حياته ممتلئاً بكل ما ينام حوله...