ضمن فعاليات «فوكس لبنان»، يستضيف الـ«آرت لاونج» في بيروت ثلاث فرق موسيقية ستقدّم كل منها عرضاً ليلة الأحد. في اتصال مع جنيد سري الدين، أحد أعضاء فرقة «زقاق»، أخبرنا أنه «من خلال هذه المنصة، استطعنا هذا العام دعم أعمال ليس فقط للبنانيين، بل أيضاً لفنانين مقيمين في لبنان، لأننا نعتبر أنهم جزء من هوية البلاد الاجتماعية والثقافية والفكرية». تلقى المنظمون عدداً من الطلبات، أكثرها من موسيقيين ومسرحيين. أما في ما يتعلق بالشق الموسيقي، فقد تم انتقاء 3 مشاريع موسيقية من بين الطلبات التي أُرسلت. اطلعت لجنة مختصة مكوّنة من الموسيقيين خيام اللامي وشريف الصحناوي على كل الطلبات، ثم عُرضت مجدداً على لجنة أخرى عامة، تتألف من أفراد من «معهد غوته» ومن «زقاق» ومن المعهد الفرنسي. احتفظت اللجنة العامة بالمعايير الفنية الأساسية ودرست معايير لها علاقة بالتعددية والتنوع في ما تقدمه. يقول سري الدين إنّ «المشاريع الثلاثة تتميز بطرح مادة تستحق أن يُسلط عليها الضوء. يهمّنا كثيراً عمق التجارب الثقافية في السياق الاجتماعي والسياسي. وكل من هذه المشاريع الثلاثة له علاقة قوية بالسياق الحالي». ضمن هذه الرؤية الجامعة بين فنانين لبنانيين وآخرين مقيمين هنا، تقدّم مجموعة «أومي» حفلة مدتها 40 دقيقة. تجمع هذه الفرقة بين أربعة موسيقيين من خلفيات ثقافية متنوعة: نوبوكو ميازاكي من اليابان، مهند نصر ورامي الجندي من سوريا ورودي فيلدر من سويسرا. تعمل الفرقة على تقديم موسيقى خاصة من تأليف أعضائها. حول الأعمال التي تقدمها الفرقة، يشرح مهند نصر أنها «نوع من الموسيقى الشرقية الأصلية المعاصرة. تسعى الفرقة دائماً إلى خلق توازن بين عبق الشرق ولحنيته وتنظيم الغرب بنسيجه الهارموني وعنصر التوزيع». أما البرنامج الذي ستقدّمه في الحفلة، فهو يتكون من سبع مقطوعات موسيقية من تأليفها الخاص. ويضيف نصر أنّ «القطع الموسيقية متنوعة الطابع تبعاً لشخصية المؤلف. إلا أن بعض القطع يمكن وصفها بالساخر، وبعضها الآخر بالتأملي، وطبعاً منها ما يحوي إيقاعات من الشرق يمكن وصفها بالراقصة». الموسيقى التي تقدمها الفرقة مزيج بين الموسيقى اليابانية التقليدية والمعاصرة والموسيقى العربية. ومن هنا اسم الفرقة «أومي» التي تعني باليابانية المحيط. للارتجال مكانة في برنامج الفرقة أيضاً كما يؤكد نصر. فهي تؤمن «بالارتجال كحالة تعبير عن حرية الموسيقي الفكرية وكعتبة معرفية لما توصل إليه من تراكم فني. لكننا نؤمن بالارتجال المدروس لا الاعتباطي. فإننا نفسح مساحة لأنفسنا للارتجال على خشبة المسرح بعد التمرين والدراسة الكافية، وطبعاً المسرح مفتوح للمفاجآت والابتكارات اللحظية».
عن خيار فرقة «تنين»، يشرح سري الدين أن في موسيقاها عنفاً، وهي تقدم الموسيقى المعاصرة في هذا الإطار، في حين بات العنف غائباً عن الساحة الموسيقية مع أنه حاضر جداً اليوم في حياتنا. ثنائي «التنّين» مكوّن من عبد قبيسي وعلي الحوت اللذين التقيا حول اهتمامهما المشترك بالصوتيات المعاصرة للمدن، وفي الوقت عينه بالموسيقى العربية التقليدية. أعمالهما تسائل قدرة الموسيقى العربيّة على التعامل مع العنف كنوع من الجماليّة من دون الابتعاد عن الشاعرية. من أهم التأليفات التي قدّمها الثنائي موسيقى عرض «موت ليلى» لعلي شحرور. يدرّس قبيسي في الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة في بيروت مادّة تاريخ وجماليّات الموسيقى العربيّة. وهو باحث وكاتب موسيقي حائز «ماسترز» في العلوم الموسيقية، كما يعزف البزق مع عدد من الفرق. أما علي الحوت، فحائز شهادة جامعيّة في التمثيل والإخراج المسرحي، يشارك في عدد من ورش العمل في بيروت كمدرّب وعازف. منذ بدء ورشة الإعمار في أوائل التسعينيات حتى منتصف الـ 2000، لا يذكر الفنانون إلا أصوات الورش العنيفة التي تلت عنف الحرب الأهلية. في هذا الإطار، يعرض الثنائي نظرة مثيرة للاهتمام وفريدة يتناولان فيها تأثير هذا العنف السمعي على التأليف وأداء الموسيقيين، اقتناعاً منهما بأن العنف الصوتي يستحق اهتماماً خاصاً ضمن جمالية صوتية محلية.
تقدم «أومي» مزيجاً بين الموسيقى اليابانية التقليدية والمعاصرة والعربية

يقدم الثنائي في إطار المهرجان مقطوعة تراوح مدتها بين 15 و18 دقيقة، تم تأليفها خصيصاً للحدث وهي جزء من مشروع بحثي يقومان به. هو بحسب قبيسي «بحث في الحقل الصوتي للمدينة التي نعيش فيها. وكيف لهذه الجماليات أن تجد مكاناً لها في نوع جديد من الموسيقى العربية، علماً بأنه رابع تأليف لنا في هذا الصدد. أول تأليف كان لـ«ارتجال»، والثاني كان لحفلة في «مترو المدينة»، وهناك تأليفان على الإنترنت». ويضيف قبيسي «بين كل القطع الأخرى، هذه أقل قطعة نجد فيها تأثيراً للموسيقى العربية التقليدية، كما تطغى في بعض الأحيان عناصر موسيقى غربية. لكن تبقى صوتيات المدينة التي نعيش فيها الجانب الأكثر سيطرة على القطعة. هناك تركيز على الأصوات الجافة والمعدنية الصناعية وعلى تفاصيل الأصوات اليومية لتوثيقها وإدخالها ضمن العمل. ومن أهم ما أنجز في هذا العمل أنّه لا يرتكز على ألحان أو إيقاع لتبيان الجماليات، بل يعتمد أكثر على نسيج الصوت وإحالة الأصوات واستخدامها ضمن العمل الموسيقي. حضور المدينة ليس فقط في أصواتها الصناعية والشوارع والمنازل، بل أيضاً في وجودها على الصعيد الاجتماعي والسياسي. يفرض الحاضر في بيروت نوعاً من الأصوات، وهناك تلميح لها أيضاً في العمل».
أما مجموعة «أوفرسيز»، فهي تعاون بين المؤلف السويسري باييد كونكا والفنانة البصرية إيلاريا لوبو المقيمة في لبنان وفرقة «ساريغاما» المؤلفة من 5 شبان سريلنكيين يعملون نهاراً ويجتمعون ليلاً لأداء الموسيقى في أحد المتاجر. يعتبر سري الدين أن هذا اللقاء يمنح الحدث بعداً ثانياً في الطرح الموسيقي الذي يقدّمه... بعد يرى أن المثقفين استبعدوه اليوم. إيلاريا لوبو فنانة بصرية أنجزت عدداً من المشاريع في بيروت. عندما تعرفت إلى مجموعة «ساريغاما»، تواصلت مع باييد وطلبت منه التعاون معهم بما أن ذلك يتماشى والأبحاث التجريبية للفنان في حقل الموسيقى الشعبية، وتحديداً موسيقى الـ«بايلا» السريلنكية الاستعمارية الآتية من البرتغال والممزوجة بتأثيرات أفريقية وآسيوية. كما أن هذه التجربة أيضاً تلائم نوع الاستكشافات التي تبحث عنها لوبو. فضلاً عن أن هؤلاء الشبان يؤدون الموسيقى في وقت الفراغ القصير الذي يملكونه، رغم القيود المفروضة عليهم وعجزهم عن تطوير أي نشاط آخر خارج نطاق عملهم. تعتبر لوبو أن «المشروع هذا يطرح الأسئلة حول الوضع بنظرة بناءة ونقدية وبنوع من السخرية. مسألة المشاركة الثقافية هي حتماً موضوع على الفنانين أن يتطرقوا إليه بطريقة أو بأخرى ما في نظري». هذا التعاون بين الفنانين والفرقة أثمر ألبوماً تحت عنوان «ذا أوفرسيز أنسانبل»، أعاد باييد تأليفه وتوزيعه بناءً على موسيقى الـ«بايلا»، ولقي الدعم من «راديو بيروت»، وستقدمه الفرقة ضمن منصة «فوكس لبنان». كما أن الألبوم سيقدَّم في «يوكونكون» في 24 الجاري.

* حفلة لـ«أومي»، و«تنين» و«أوفرسيز»: 21:00 مساء الأحد 13 تشرين الثاني (نوفمبر) ــ «آرت لاونج» (الكرنتينا)