مع نهاية الموسم الخامس من المسلسل، قرّرت أن أتوقف عن مشاهدته. الذكورية، واستخدام جسد المرأة كوسيلة لجذب المشاهدين تخطّت كل الحدود بالنسبة لي. فمشاهد الجنس، والعري، والدعارة التي «لا تقدّم ولا تأخّر» أظهرت المرأة وكأنها «زينة» يستمتع بها المشاهد لفترة قصيرة، قبل أن تصبح عنصراً هامشياً في حبكة القصة. ولعل المشكلة الكبرى كانت وفرة مشاهد الاغتصاب والعنف ضدها، فأثارت سخط المشاهدين، خصوصاً حينما حوّلت الاغتصاب من جريمة بشعة إلى ممارسة طبيعية بل وحتى رومانسية.فـ«الخال» دروغو اعتدى جنسياً على دينيريس، إلا أنه نال تعاطف المشاهدين. وفي مشهد اغتصاب رامسي بولتون لسانسا ستارك كان التركيز على الإهانة التي شعر بها ثيون وهو يشاهدهم، وليس على العذاب النفسي والجسدي الذي تعرضت له سانسا. ولعلّ المشهد الأكثر إثارةً للجدل كان اغتصاب جايمي لسيرسي، إلى جانب جثة ابنهما. ففي الرواية، تمارس سيرسي الجنس مع جيمي بالتراضي، إلا أن القيمين على المسلسل حوّلوه إلى مشهد اغتصاب يظهر سيرسي كامرأة ضعيفة يتم استغلالها. ولا يمكن لأحد أن ينسى «مشية العار»، حين مشت سيرسي عارية وسط الجمهور الغاضب منها، وهي حليقة الرأس. كذلك مقتل شيرين، الذي كان طويلاً ومؤلماً، مقارنةً بالطريقة التي قُتل فيها الذكور في المسلسل.
«كلما أحببت أُناساً أكثر، أصبحت أضعف» - سيرسي لانيستر

كل ذلك يُضاف إلى مشاهد العري الفارغة، والعشوائية، وغير المبررة، التي استفزّت العديد من النقّاد الذين هاجموا مارتن بشراسة، ما دفع القيمين على المسلسل إلى إعادة النظر في الطريقة التي تصوّر فيها المرأة، وإعطائها أدواراً قيادية ورئيسية في الموسم السادس، ما جعل هذا الموسم موسماً نسائياً بامتياز، وهو ما يوحي أن المعارك القادمة ستقودها النساء بعقولهن، وحنكتهن، قبل أجسادهن... وخلفهن سيقف الرجال. ما بدأ بصراع بين خمسة ملوك، أصبح الآن معركة بين الملكات. ولعلّ أجمل ما في المسلسل أن كل تلك النساء لا تشبهن بعضهن البعض، بل قوتهن في اختلافاتهن. فبريان ليست مثل سانسا، وسيرسي ليست مثل إيلاريا ساند والساند سنايكس، وميليساندر ليست مثل دينيرس، وليانا مورمونت ليست مثل يارا غراي جوي، وآريا لا تشبه أحداً على الإطلاق.
يبدأ الموسم بانقلاب نساء «دورن» الدموي، حيث أكّدت إيلاريا أن «الرجال الضعفاء لن يحكموا دورن مجدداً»، وينتهي بسقوط رجال الدين وجلوس سيرسي على العرش. ميليساندر تعيد إحياء جون سنو، ودينيرس، رغم انتقادي لما تمثّله سياسياً وعنصرياً، تقوم بحرق الذكورية، حرفياً، في مشهد يظهر جسد المرأة، كمصدر قوة لا ضعف واستغلال. وسانسا تنقذ جون سنو، الذي يسمح لمشاعره أن تسيطر على قراراته، بذكائها وحكمتها، وتنتقم من مغتصبها.
أما آريا، فلا تسمح لرجل أن يحدد لها هويتها فتتركه، وتبدأ رحلة الانتقام. وكذلك يارا التي قالت إنها تسعى لقتل عمٍّ «لا يظن أن المرأة قادرة على الحكم». أما ليانا مورمونت، فتنقذ هي أيضاً جون سنو بإعلان دعمها له، وإهانة كل الرجال «الجبناء» الذين تخلّوا عن عائلة ستارك. في المقابل، الرجال في حال لا يرثى لها، فإما قُتلوا، أو أُحرقوا، أو انتحروا، ومن بقي منهم على قيد الحياة أصبح دورهم مساعدة النساء على الوصول إلى الحكم من خلال التضحية بأجسادهم في المعارك.
جون سنو تتحكم فيه مشاعره، ولولا ميليساندر وسانسا وليانا لما كان ملكاً. رامزي تأكله كلابه، تيريون غير قادر على الحكم ويفقد السيطرة في غياب دينيرس، داريو كما وصفه النقاد «كائن جنسي مع سيف». طومن ضعيف الشخصية تتلاعب فيه زوجته وأمه لموسم كامل قبل أن ينتحر. ريكون ركض إلى الهاوية، بران غير قادر على الحركة، وكان ليكون في عداد الموتى لولا ميرا. جايمي فشل في حماية عائلته، ويقف متفرجاً على أخته وهي تجلس على العرش. وثِيون لا يزال ضعيفاً، وغير قادر على تخطّي العذابات التي تعرض لها، بعكس سانسا التي أثبتت أنها قادرة على المضي قدماً.
قد يقول البعض إن السلطة والقوة التي مُنحت للمرأة في هذا الموسم «مبالغ فيها» و«غير واقعية»، ولكن من قال إن الروايات والمسلسلات يجب أن تعكس الواقع؟ وما هو معيار المبالغة؟ من الجميل أن يُستعمل الفن لتحدي المجتمعات ودفعها باتجاه معاكس بدل أن يروّج ويغذّي الذكورية، وغيرها، من الممارسات المتخلفة والمهينة التي لا مكان لها في زماننا هذا.