«نحن لا نسبح عكس التيار، فهذا هو صنو عمل «أشكال ألوان» (الجمعية اللبنانية للفنون التشكيلية)، هذا ما نقوم به منذ أكثر من 25 عاماً (منذ 1993)». هذا ما أجابتنا به كريستين طعمة مديرة الجمعية حال سؤالها عن «ملتقى الرواية العربية» الأول الذي تنظّمه الجمعية بدءاً من اليوم حتى الثاني من أيار (مايو). الملتقى الذي يقام في مقر الجمعية (سن الفيل) يفتتح بندوة تحمل عنوان «الرواية العربية بوصفها التعبير الثقافي الأول» بإدارة الروائي اللبناني الياس خوري، ومشاركة كل من الروائي الأردني الياس فركوح، والعراقي علي بدر، والكاتب المصري محمد الشحات، وسينقل بشكلٍ مباشرة على اليوتيوب وعلى صفحة «أشكال ألوان» على فيسبوك، وكذلك على موقعها الرسمي. محاور عدة يطرحها الملتقى للنقاش لعل أبرزها: ما هي أسباب ازدهار الرواية العربية؟ هل باتت التعبير الثقافي الأول عن التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية؟ هل يمكن تعيين سمات خاصة للرواية العربية عموماً، أم أن لكل إقليم أو بلد لغته وسماته و«خطه» الروائي؟ هل تجاوزت الرواية العربية السجال القديم حول الثالوث المحرم؟ ما هو أثر ازدهار الترجمة، من وإلى العربية، على الإنتاج الروائي؟ هل الرواية العربية هي اليوم أساس الصناعة الثقافية؟ هل الرواية هي تحديداً خطاب أخلاقي مضاد؟ هل هي انتصار لخيار الفرد وحريته؟ هل هي حصراً بنت المدينة، ووعي الطبقة الوسطى وأحوالها؟ ما الذي تغيّر هنا ما بعد مثال نجيب محفوظ؟
إذاً، في زمن انحسار القراءة والرواية والكتابة، تذهب الجمعية إلى إقامة ملتقى يجمع أكثر من 35 روائياً عربياً وأجنبياً. «لطالما كان لـ «أشكال ألوان» اهتمام بالمشاريع التي لا يهتم بها أحد» تعود طعمة لتؤكد على الفكرة ذاتها، مضيفةً «نحن اهتممنا بترجمات الكتب، واللغة، ونشرنا كتباً وروايات، وكذلك كتباً فنية، لكننا في النهاية لسنا دار نشر، ولا نملك القدرة على التوزيع وإثارة الضجّة حول ما ننتجه. لذلك قد لا يعلم كثيرون بإنتاجاتنا». لكن لماذا الرواية العربية؟ تجيب طعمة: «أساس اختيار الرواية العربية جاء لأنّها المعبّر اليوم عن حضور اللغة العربية. تاريخياً، كان الشعر هو الحامي لتحولات اللغة وتجديدها. أما اليوم، فالفن الروائي هو المعبّر السياسي والمجتمعي والفردي وحتى عن أحوال المجموعات والأهالي. أصبحت الرواية العربية هي الحامية لتحولات اللغة وتمظهراتها».
مقاربة التحولات المعاصرة في اللغة العربية وآدابها

لا تكمن الفكرة في مجرّد مناسبة لتجميع «كتّاب وروائيين» في مكانٍ واحدٍ لـ «ينظّروا» قليلاً ثم يرحلوا من حيث أتوا. بحسب طعمة، تسعى «أشكال ألوان» إلى البحث عن لغةٍ قادرةٍ على «التطوّر» ومواكبة العصر. تقول: «على مدار 25 عاماً، سعت «أشكال ألوان» من خلال عملها على الفنون المعاصرة، إلى الإجابة على أسئلة مثل: كيف يمكن تقديم أنشطة فنية كالتجهيز، والفنون الأدائية إلى اللغة العربية؟ لقد كنا نواجه مشكلة في كيفية ترجمتها إلى العربية. واجهنا أيضاً مشكلة في إيجاد لغة نقدية عربية مكتوبة تلامس معنى الفنون الجديدة». كل هذه العوائق جعلت الجمعية تسعى إلى الاهتمام بكل تعبيرات اللغة العربية، منها شبكات التواصل (كيف أصبحت اللغة مستعملةً في مواقع التواصل وعليها)، والمسرح (كيف يمكن إيجاد لغة مسرحية متناسبة يمكن العمل عليها عبر عربياً)، والتجهيز (وكيف يمكن وصله بالعربية كثقافة وكلغة وكمنطق)، ثم الكتابة، وبالتأكيد الرواية كمشروع يعمل عليه الملتقى الذي تؤكد طعمة بأنه لن يكون الأخير، بل ستتم المراكمة عليه تماماً كعملٍ مستمر، وسيكون هناك دورات أخرى منه، فضلاً عن طباعة ما يصدر عنه من دراسات وأبحاث وتحويلها إلى كتب لنقاشها ودراستها والإفادة منها في ما بعد.
يشارك في المؤتمر أكثر من ثلاثين روائياً عربياً ولبنانياً، من بينهم أبرزهم إلياس خوري، حسن داوود، ليانة بدر، صموئيل شمعون، جبور الدويهي، ميرال الطحاوي، إلياس فركوح، أحمد سعداوي، شكري المبخوت، مها حسن... وبدا لافتاً حضور الروائيين اليمنيين جمال جبران ووجدي الأهدل رغم ما تعانيه اليمن من ظروفٍ قاسية. تشرح لنا طعمة كيف تم انتقاء هؤلاء الكتّاب/ الروائيين: «اعتمدنا على أربعة عوامل أثناء اختيارنا المشاركين وهي: عدالة التوزيع الجغرافي، عدالة توزيع الأجيال، عدالة توزيع الجندر، كما عدالة توزيع المضمون، أي أننا حاولنا كثيراً أن تكون الأسماء الواردة تمثّل هذه الفئات جميعها من دون انحياز لفئةٍ دون أخرى». وفي نقطة تحديد المضمون، تلفت إلى أن الأمر كان دقيقاً لناحية خيار «المشاركة» في كثيرٍ من المحاور، فالأسئلة وضعت في البداية (كما هو واضح من برنامج المؤتمر) «وكنا بحاجة لضيوف يستطيعون تقديم مداخلات ويطرحون أسئلة وأجوبة حول موضوع البحث» تقول طعمة؛ وتكمل مشيرةً إلى إحدى أهم أزمات لقاءات المثقفين العرب: «مشكلة احتفاليات الكتاب المعتادة أنّهم يذهبون إليها، فليتقون ويبدأون بالارتجال. أما هنا، فالأمر مختلف. جميع مشاركات/مداخلات الكتّاب أصبحت لدينا، لقد عملنا على اختيار أشخاص مناسبين عملوا في الموضوع المراد بحثه». أما عن غياب بعض الأسماء، فتعزوه إلى ثلاثة أسباب: أولاً أسباب شخصية، فمثلاً «روزا ياسين الحسن ومها أبو الحيات قد اعتذرتا لأسباب شخصية»، بينما اعتذر بعضهم لأسباب لها علاقة بالأوضاع في بلاده، أو حتى ارتباط آخرين بأنشطة محلية أو عربية أخرى. ضيف المؤتمر الحاضر الغائب سيكون الكاتب المصري المسجون أحمد ناجي حيث ستتم قراءة نص من كتابته، وسيترك كرسي مشاركته فارغاً، لأنه «أحد الضيوف المهمين بالنسبة إلينا وللملتقى بشكلٍ عام» تشير طعمة.
يأتي «ملتقى الرواية العربية» الأوّل الذي يرفع شعار «مقاربة التحولات المعاصرة في اللغة العربية وآدابها وفنونها السردية ووظائفها التعبيرية والتواصلية»، مشروعاً مهماً يجب المراكمة عليه. أن يلتقي روائيون عرب بهدف التباحث والنقاش لإنتاج أدبٍ أكثر ارتباطاً بالمجتمعات العربية ومشاكلها، أمر يزداد أهمية في زمن الحروب والتمزقات واستيقاظ العصبيات من كل نوع.

«ملتقى الرواية العربية»: بدءاً من السابعة من مساء اليوم حتى 2 أيار (مايو) ـــ مقر جمعية «أشكال ألوان» (سن الفيل، جسر الواطي) ـ01/423879