«صفاء الخاطر» محطات في سيرة سياسي ورجل دولة لبناني، تتوزّع فصوله على شخصيات تكاد تختصر مرحلة من تاريخنا المعاصر. مقالات ومحاضرات كَتَبَها الوزير السابق تختصر ذاكرة جيل ومسيرته النضاليّة والفكريّة
معن بشور *
صفاء الخاطر» (الريس) للمناضل والسياسي بشارة مرهج، هو أكثر من محاضرات ومقالات وخطب أطلقها المؤلف في أعلام كبار وأصدقاء حميمين، يستحق الواحد منهم كتاباً كاملاً. إنّه تجربة غنية عاشها الكاتب، لكنّه تلاشى خلف قلمه ليقصّ حكايته وسيرته من خلال قصص الذين عاش معهم. مرهج الباحث ذو النظرات الثاقبة في الفلسفة والأدب والتاريخ تقرأه عبر محاضراته عن ابن رشد وخليل سعادة ورشيد سليم الخوري (الشاعر القروي)، وسعيد فريحة، والشيخ مصطفى الغلاييني. مرهج العروبي المسكون بهم انبعاث أمته المتحررة من الاحتلال والهيمنة تقرأه من خلال ميشيل عفلق، والرؤساء جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وياسر عرفات. ومرهج الوزير اللبناني المسؤول تقرأه من خلال الرؤساء شارل حلو، وسليمان فرنجية، ورشيد كرامي، ورفيق الحريري، وعادل عسيران، وسليم الحص. ومرهج المؤمن ذو النفحة الحضارية الجامعة تقرأه من خلال المفتي الشيخ حسن خالد والمطران جبران رملاوي، والشيخ عبد الكريم عبيد، والمطران فيليب صليبا، والإمام محمد مهدي شمس الدين.
ومرهج السياسي اللبناني ذو الهمّ النهضوي تقرأه من خلال أنطون سعادة، وجبران تويني، وجورج حاوي، وحميد فرنجية، وكلوفيس مقصود، وكمال جنبلاط، ومنح الصلح، ومنير أبو فاضل، بالإضافة إلى كاتب هذه الكلمات الذي عبّر مرهج من خلال التضامن معه عن موقفه من المقاومة العراقية.
أما مرهج الملتزم بالقضية الفلسطينية، فتقرأه من خلال أعلام فلسطين الموزّعين بين النضال والفكر والثقافة، كأبي علي مصطفى، وإدوارد سعيد، وجورج حبش، ورفعت النمر، وعزمي بشارة، وفتحي عرفات ومعهم فارس جبل العرب وابن سلطان الثورة السورية الكبرى التي كان لها إشعاعها في كل أرجاء المنطقة، منصور الأطرش.
وتقرأ بشارة مرهج الإنسان الودود، الصديق الصادق، أيضاً من خلال كوكبة من رفاق يعكسون التنوع في حياته، والاتساع في علاقاته، فكانت له كلمة في المناضل في سبيل حقوق الإنسان إبراهيم العبد الله، والرائد في المقاومة اللبنانية أمين سعد (الأخضر العربي)، والفلسطيني اللبناني المتنقل بين عكا وبيروت وكندا إيلي بوري، وبشير الداعوق الاقتصادي والناشر والأستاذ الجامعي والعقائدي الملتزم، وجبران تويني (الجد المؤسس) الصحافي النهضوي، وجورج قربان رفيقه في رحلة النضال، وجوزف سماحة القلم الحاضر رغم غياب الجسد، وحسانة الداعوق الممتلئة خيراً وعطاءً، وحسين حمود «المقاوم» العاملي، وخليل حاوي وشوقه إلى المطلق، وراشد فرشوخ البيروتي الذي رحل وهو متمسك بحلم «المدينة» والوطن والأمة، وسلوى نصار العالمة التي شبّت «الذرة» على أناملها، وسمير القنطار الذي أرادوه حول القضبان، وشكر الله كرم «ووطنية الفطرة» وعاصي الرحباني الذي يقرأ الناس أوجاعهم وأحلامهم في مسرحياته، وعبد الله لحود المحامي اللامع الذي حمل مشعل «العروبة» بيد وراية «الديموقراطية» باليد الأخرى، وعصام اليسير ومحمد الصيداني «أول» الشهداء في «أول» إرهاصات المقاومة اللبنانية المعاصرة، وعلي مجبور الحكاية المجبولة بآهات بيروت، وكامل مهنا حيث بات معه الجنوب «مؤسسة»، وكميل مجدلاني و«البيئة الصالحة»، وماري روز بولس أولى الشهيدات والشهادات في حرب كان كل واحد فيها يحاول إلغاء من «لم يكن مثله»، ومؤنس الرزاز الروائي الكبير «المضرّج» بكلماته، ونجاح سلام الفنانة الموهوبة عابرة الأجيال، وهالة سلام مقصود التي «رحلت» باكراً وأثمرت كثيراً، ووجيه الجارودي «حارس أحلام بيروت المحروسة».
لكن مرهج لم ينسَ أن يعتذر لمن غابت كلماته فيهم من رفاق وأصدقاء، بسبب فقدان الكثير من الأوراق بعد الغزو الصهيوني 1982، فذكّر بأعزّاء، كالمطران كبوجي، وشهداء كبار كعبد الخالق السامرائي وعبد الوهاب كيالي وأحمد الصوفي، وعبد الأمير حلاوي، وعلي وفلاح شرف الدين، وبصديق عمره الراحل الدكتور نبيل قليلات، وبالصديق الآخر القابض على جمر عروبته منير الصياد.
لكنّ اللافت كان تصدّر الكتاب مقالته عن الشهيدة الأميركية راشيل كوري التي قتلتها جرافات العدو الصهيوني فيما كانت تحاول منعها من هدم منزل فلسطيني، فاستحقت أن تكون «أميركية تسبق عصرها» ـــ حسب الكاتب ـــ بل إشارةً مضيئة إلى إنسانيّة القضية الفلسطينية وعالميتها.
إلا أنّني كنت أتمنّى أن يكون في العمل فسحة لتجربة مرهج في وزارة الداخلية، حيث كان نموذجاً لم يحتمله أرباب النظام والقيّمون عليه ـــ لبنانيين وغير لبنانيين ـــ فانقلبوا عليه ذات ليل في أيلول/سبتمبر 1994، وخصوصاً حين اعترض على إطلاق النار على متظاهرين قرب جسر المطار سقط خلاله 13 شهيداً... وفسحة أخرى لرفضه ـــ وهو نائب في بداية هذا العقد ـــ أن يكون عضواً في لقاء نيابي ذي طابع طائفي رغم ما تعّرض له من ضغوط من أصحاب النفوذ آنذاك. بل نرى فسحات لتجارب مرّ بها مرهج مذ كان طالباً في الجامعة الأميركية وصحافياًَ في «دار الصياد» ومناضلاً في ساحات الكفاح على امتداد الأمة.

* الرئيس المؤسس للمنتدى القومي العربي
على هامش معرض بيروت للكتاب، يوقّع بشارة مرهج «صفاء الخاطر» السادسة من مساء 8 الحالي في جناح «دار الريس»