قبل أيام من الجلسة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري في 14 الجاري لانتخاب رئيس للجمهورية، أطلق وليد جنبلاط صافرة المواجهة في معركة يخوضها كل من طرفيِ الصراع على قاعدة «يا قاتِل يا مقتول»، منذرة، ما لم يحصل اختراق «ربع الساعة» الأخير، بسقوط لبنان في المأزق الكامل الذي لطالما بدا بلوغه من المحظورات داخلياً وخارجياً. ورغم استمرار رهان مرجعيات على اعتبار ما شهدته الساعات الأخيرة من مواقف «مفاجئة» مجرد مناورات في إطار رفع سقف التفاوض، إلا أن المعنيين بالملف الرئاسي أبدوا خشية من إمكان انفلات الأمور، خصوصاً مع إعلان كتلة «اللقاء الديمقراطي» دعم ترشيح جهاد أزعور.هذا الموقف الذي أعلنته الكتلة بعدَ اجتماع ترأّسه جنبلاط نفسه، لم يكُن مفاجئاً، لكنه أعادَ خلط الأوراق، ولا سيما لدى بعض «المراهنين» بأن جنبلاط لن يذهب إلى الطلاق الكامل مع الثنائي أمل وحزب الله. وقالت مصادر متابعة إن «جنبلاط مارس خديعة بإرسال موفدين إلى عين التينة ومنهم النائب مروان حمادة الذي أبلغ بري بأن الكتلة ستصوّت بورقة بيضاء»، وقد ظهر من بيان الكتلة الذي صدر بأنه «لا يزال يراوغ»، بدعمه أزعور ومن ثم دعوة كل القوى إلى «التمسك بمنطق الحوار الحقيقي وصولاً إلى إتمام استحقاق الرئاسة بأسرع وقت».
ولم يكُن عابراً، إعلان جنبلاط ترشيح أزعور بالتزامن مع عدد من التطورات، بدءاً من باريس التي أُعلن فيها تكليف وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان بإدارة الملف اللبناني، مروراً بتأكيد وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا «العمل مع قطر في لبنان للتشجيع على إيجاد حلّ للعقبات السياسية والصعوبات الاقتصادية». علماً أن الدوحة لا تزال تقود حملة تسويق قائد الجيش جوزف عون، وصولاً إلى لقاء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان على هامش اجتماع التحالف الدولي ضد «داعش» في الرياض، وقيل إن الملف اللبناني كان من ضمن الأمور التي نوقِشت. فضلاً عن اللقاءات التي عقدها نواب في كتلة جنبلاط، وتحديداً وائل أبو فاعور مع السفير السعودي في بيروت وليد البخاري الذي عبّر عن إيجابية تجاه أزعور، وصدور بيان عن صندوق النقد يوضح أن أزعور في إجازة من عمله هذه الفترة.
هذه التطورات تؤكّد انتقال الأزمة الرئاسية إلى مكان، وبأنّ ثمة قراراً خارجياً بتأزيم الداخل، وبدا من الصعب استشراف المشهد النهائي لجلسة انتخاب الرئيس التي يردّد مطّلعون بأنّها لن تفضي إلى نتيجة، سوى المزيد من الانقسام والتشنج وخلق تموضعات جديدة. وقد أكّد الرئيس برّي أمام زوّاره أن الجلسة قائمة، وأن كل الاحتمالات مفتوحة خلالها. وردّاً على سؤال حول موقف كتلة «اللقاء الديمقراطي»، أجاب بأنّه وصلت إليه أجواء يوم الإثنين أن اللقاء سيلتزم بالورقة البيضاء، ثم في اليوم التالي قال النائب وائل أبو فاعور إن اللقاء سيمنح أصواته لأزعور، مستغرباً سبب هذا الموقف. وقال إنه لا يعتقد أن أحداً من المرشحين سيحوز على الثلثين أو على 65 صوتاً في الجلسة الأولى، وإن حسابات الجلسة الأولى ستكون مختلفة عن الجلسة الثانية. وأكّد أن العديد من النواب سيصوّتون بالورقة البيضاء لإخفاء موقفهم الحقيقي، وأن الجلسة ستكشف جزءاً من اللعبة الانتخابية ومواقف الأطراف، لكنّ الجميع يعلم أن التسوية لم تنضج بعد.
رئيس المجلس: جلسة 14 حزيران قائمة وكل الاحتمالات مفتوحة


وحول الموقف السعودي، أوضح بري أنه لم يتبلّغ بأي موقف سعودي جديد، وأن الموقف الفرنسي لا يزال ثابتاً لناحية دعم التسوية التي تحمل سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا. وأشار إلى أن التغييرات التي حصلت في فرنسا إدارية ولا علاقة لها بالموقف من الاستحقاق اللبناني.
وعن علاقته بالبطريرك بشارة الراعي، اعتبر بري أن توضيح البطريرك لما نُقل عنه تجاه عين التينة يقطع الطريق على التكهنات والرهانات الخاطئة على تدهور العلاقة مع بكركي. ومن المقرّر أن يستقبل بري اليوم موفد البطريرك المطران عبد الساتر.
وكان لافتاً مساء أمس، انطلاق حملة إعلامية تهويلية قادتها محطة «المر تي في»، التي اعتبرت ما يجري بمثابة ضربة للثنائي أمل وحزب الله، وأعطت الأمر بعداً طائفياً من خلال الحديث عن ضربة تلقّاها الثنائي الشيعي. وهو كلام تردّد بقوة خلال الساعات الماضية في أوساط القوات اللبنانية على وجه الخصوص، إضافة إلى نواب ممن وقّعوا على عريضة تأييد أزعور وأعلنوها من منزل النائب ميشال معوض.
من جهة أخرى، تبيّن خلال الساعات الماضية، أن هناك توجهاً لعدد من النواب المستقلين والتغييريين بأن يصوتوا لمصلحة الوزير السابق زياد بارود، وسط معطيات غير واضحة حول أن هناك من يعمل من خلف الكواليس، وبمن في ذلك قريبون من التيار الوطني الحر، لكي يحصل بارود على عدد جيد من الأصوات (يتجاوز العشرة) لتقديمه في المرحلة المقبلة كمرشح بديل عن أزعور.