في متابعة متجرّدة لما يجري حول ملف حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، يتبيّن أن الإعلام، بضفتَيه المناوئة للحاكم أو المحابية له، هو اللاعب الأول. فيما القانون بعيد كل البعد عمّا يجري وعن الطلبات الغربية التي يقف لبنان أمامها متفرجاً، أو مراقباً عن بُعد. فيما لا تزال «الدولة» تعتبر الحاكم بريئاً وغير محكوم بجناية أو جنحة شائنة، وهو الواقع القانوني رغم كل ما يجري. ولكن، كالعادة، تأخذ الأمور في لبنان منحى مختلفاً. وربما تختصر مقولة: «مَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ، وَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ» الأمر كله.
لن يُستردّ أي قرش
من المؤكد، قانوناً، أنه طالما لم يصدر القضاء اللبناني حكماً يعدّ فيه الحاكم مذنباً، فلن تُقبل أي دعوى أو طلب تدخّل من الدولة اللبنانية في دعوى تُرفع خارج لبنان. فأهم شروط طلب التدخل في الدعوى أن يكون الشخص المعنوي أو الطبيعي متضرراً. وإذا كانت الحكومة لا تجد نفسها متضررة من أداء الحاكم، كيف يستقيم القول إنها ستتدخل في الدعوى المرفوعة خارج لبنان، حيث لن تجني أي تعويضات من الخارج.
ولكن، هل سيسترد لبنان أياً من الأموال؟ الإجابة: لا، طالما أن الحكومة والأجهزة القضائية كافة، بما فيها هيئة مكافحة الفساد، لم تطبّق أحكام قانون «استعادة الأموال المتأتّية من جرائم الفساد» الرقم 214/2021، الذي أقره مجلس النواب في جلسته المنعقدة في 29 آذار 2021، ونُشر في 15 نيسان 2021. وإذا لم تر الدولة في أي من أفعال الحاكم ضرراً، فلن يستحق لها بالتالي أي تعويضات. إذ نصّت المادة الرابعة من القانون المذكور على أن تُنشأ لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المنصوص عليها في القانون رقم 175/2020 «دائرة استعادة الأموال المتأتّية من جرائم الفساد»، تتولى التنسيق مع الأجهزة القضائية والرقابية والأمنية كافة، ومع هيئة التحقيق المنصوص عليها في القانون رقم 44/2015 في ما خصّ الملاحقات والإخبارات والادعاءات المتعلقة بجرائم الفساد في الشق المتعلّق منها باسترداد الأموال المتأتّية من جرائم الفساد، مع الإشارة إلى أنه لا توجد جهة رسمية وقضائية ترى أن هناك فساداً!
ففي حين تنصّ المادة الثانية من القانون على تطبيق أحكام هذا القانون استناداً إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المعتمدة في القرار رقم 58/4 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي انضم إليها لبنان بموجب القانون رقم 33/2008، ولا سيّما المادة 51 من الاتفاقية المذكورة (استرداد الموجودات)، واتّساقاً مع قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم 44/2015، وقانون مكافحة الفساد وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد رقم 175/2020، والقانون رقم 189/2020 الذي عدّل قانون الإثراء غير المشروع رقم 154/1999. وقد عرّفت المادة الثالثة (من القانون 214/2021) مصطلح الجرائم بأنها: «جرائم الفساد المنصوص عليها في قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد رقم 175/2020، وجرائم تبييض الأموال بما فيها الناتجة من جرائم الفساد والمنصوص عليها في قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم 318/2001 وتعديلاته، ولا سيّما القانون رقم 44/2015، وتشمل جريمة تبييض الأموال اكتساب الأموال أو حيازتها أو استخدامها، مع العلم وقت استلامها بأنها عائدات جرمية».
فاستعادة الأموال تشمل مجمل أعمال تتبّع الأموال والتجميد والحجز والمصادرة والاسترداد وما يقوم مقامها، والتي من شأنها أن تمكّن الدولة من تحديد واسترجاع جميع أنواع الأصول المادية أو غير المادية، الملموسة أو غير الملموسة، المنقولة أو غير المنقولة، كيفما حُصِل عليها، والوثائق أو المستندات القانونية بأي شكل بما فيها الإلكترونية أو الرقمية، التي تثبت حق ملكية تلك الأصول أو حصة فيها. ويشمل ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الموارد الاقتصادية والأصول المالية وجميع أنواع الممتلكات، سواء كانت موجودة في لبنان أو خارجه، تأتّت بشكل مباشر أو غير مباشر عن الجرائم، إضافة إلى ما يرتبط بتلك الأموال من حقوق وما ينتج منها أو بمناسبتها من مداخيل وأرباح بحسب الأحوال.
من جهة أخرى، استرداد الأموال هو العمل الأخير في سلسلة أعمال استعادة الأموال المتأتّية من الجرائم، والموجودة خارج الولاية القضائية للدولة اللبنانية. ويعني ذلك قيام الدولة الأجنبية، التي هُرّبت الأموال إليها، بردّ تلك الأموال إلى لبنان، إمّا بواسطة حكم قضائي أو اتفاقية ثنائية أو متعددة الأطراف أو أي وسيلة أخرى متاحة قانوناً. إلا أن هذا الأمر غير موجود حالياً، لأن الدولة اللبنانية، من الناحية القانونية، لا تعتبر أن هناك أموالاً ناتجة من عائدات جرمية.
إذا كانت الحكومة تعدّ حاكم المصرف المركزي مقصراً في مهامه عبر تلكّئه، كان يفترض عليها أن تُقيله أو أن تكفّ يده، فقانون «النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي» ينصّ على هذا الأمر بشكل واضح. أما إذا لم يكن الحاكم متلكئاً، فلن يكون لبنان متضرراً من الوجهة القانونية. وإذا وجد القضاء اللبناني أن من واجبه اتهامه بجرم الإخلال الوظيفي، إذا كان الجرم حاصلاً، فيقتضي أن يُصدر قراراً قضائياً بتجريمه. عدا ذلك لا قيمة قانونية لكل ما يقال .

قرار مجلس الوزراء: تداعيات عجيبة
عقد مجلس الوزراء جلسة في 26 أيار 2023 لمناقشة موضوع تداعيات الملاحقات الجارية خارج لبنان بحق حاكم مصرف لبنان، على أدائه وأداء المصرف، وكيفية التعامل معها من منظور قانوني.
واطلع المجلس على الموضوع والمستند المذكور، وبعد المداولة قرر تكليف وزير المالية رفع تقرير دقيق يبيّن تداعيات هذه الملاحقات وانعكاسها على أداء مصرف لبنان، وتكليف وزير العدل تقديم الرأي القانوني المناسب حول كيفية التعامل مع هذه المسألة. لكن، كانت لوزارة العدل وجهة نظر أخرى. فقد عرض المدير العام لوزارة العدل أمام المجلس إفادة تشير إلى أنه قد دقّق في السيَر الذاتية للمحامين الثلاثة الذين تطوّعوا مجاناً لتمثيل لبنان في هذه الدعوى الخارجية، وتبيّن أن له ملاحظات عدة تتعلق بالعقد لجهة بناءاته، وبالأشخاص المطلوب التعاقد معهم، أبرزها، علامات استفهام حول عضوية المحامي Emmanuel DAOUD في الهيئة القانونية لمنظمة «Licra» التي يُشتبه بأنها تناصر الأفكار الصهيونية في العالم وفقاً للعديد من المقالات الصحافية المنشورة على مواقع الإنترنت. وأن أحد المحامين الذين اقترحوا التعاقد مع الدولة اللبنانية مجاناً، وتحديداً Antoine Ory، على صلة وثيقة بالمحامي William Bourdon مؤسس ووكيل منظمة «Sherpa» ،أحد المدّعين في الدعوى الراهنة، ما عزّز الريبة في حيادية الخيارات المقترحة.
بعد أربع سنوات على بدء الأزمة هل علينا أن نصدق أن هناك من سيتخذ قراراً بشأن الحاكم؟


وأفاد المدير العام أن أي اقتراح لم يصدر عنه، وأن العقود وصلت إليه موقعة سلفاً، مع العلم بأن ذكر عبارة «بناءً على اقتراح المدير العام» ضمن بناءات العقود المُرسلة إلى مجلس الوزراء، في حال ورودها، يُشكّل تحريفاً للحقيقة. وأن الاستمهال لاستكمال الأصول القانونية لا يُعرّض مصالح الدولة للخطر التي يبقى لها التدخل في أي وقت طالما أن المحاكمة لا تزال جارية. إذ يجيز القانون الفرنسي التدخل في كل مراحل المحاكمة. وأكّد أن الغاية الأساسية التي سعى إليها كانت اتباع الأصول القانونية لاختيار أنسب المحامين للدفاع عن مصالح الدولة اللبنانية. وبالتالي قرر مجلس الوزراء تكليف وزير العدل تقديم أسماء جديدة لتمثيل لبنان.

كفّ اليد أو العزل أو الإقالة
عرّف القانون اللبناني عامة والقانون الإداري خاصة مبدأ كفّ يد الموظف المتهم بارتكاب جرم وظيفي يتصل بعمله. حتى إنه كان موضوع مادة دستورية تتكلم عن محاكمة أعلى منصب في السلطة التنفيذية، ألا وهو رئيس مجلس الوزراء، حين نصّ الدستور على وجوب كفّ يده بعد القرار الاتهامي من قِبل المجلس النيابي وذلك قبل صدور قرار من المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. إذ تنصّ المادة 72 من الدستور والمعدلة وفقاً للقانون الدستوري 18 تاريخ 21/9/1990 على وجوب أن يكفّ رئيس مجلس الوزراء أو الوزير عن العمل فور صدور قرار الاتهام بحقه.
كذلك نصّ كلّ من قانونَي المختارين (المادة 21)، والبلديات (المادة 84) على كفّ اليد عند صدور قرار ظني بحق من يشغل أحد هذين المنصبين. كما تناول قانون نظام الموظفين، المرسوم الاشتراعي 112/1959، أحكاماً وحالات توقيف الموظف عن العمل.
كان بإمكان الحكومة، لو أرادت، اتخاذ هكذا قرار منذ بدء الأزمة، فهو ليس عزلاً ولا إقالة بل ما بينهما. والقول إن ذلك غير ممكن في ظل حكومة تصريف الأعمال، يناقضه قرار توقيف المدير العام لوزارة لصناعة عن العمل وإحالته إلى الهيئة العليا للتأديب - بغض النظر عن الملف - لكن القرار قد اتخذ. فلو عدّت الحكومة حاكم المصرف المركزي مخطئاً لأقدمت على توقيفه، ولكنها على ما يبدو تراه محقاً.
بعد مرور أربع سنوات على بدء الأزمة، هل علينا أن نصدق أن هناك من سيتخذ قراراً بشأن الحاكم؟
ما يجري ليس سوى فولكلور بصورة رديئة، لن يحصل أي جديد.



جلسة طارئة.. ألغيت
في 29 أيار 2023، أبلغ رئيس الحكومة وزير العدل أنه بصدد الدعوة إلى جلسة عاجلة وطارئة لمجلس الوزراء، على جدول أعمالها بند وحيد يتعلق بموضوع الاتفاق بالتراضي مع محاميين فرنسيين لمعاونة رئيسة هيئة القضايا في الدعوى المقدّمة من الدولة الفرنسية أمام قاضية التحقيق الفرنسية في ملف آنا كوساكوفا ورفاقها، وهو يدعوه لحضورها للتباحث والنقاش مع الوزراء حول هذه المسألة، على أن يقرر مجلس الوزراء في ضوء هذه النقاشات ما يراه مناسباً في هذا الصدد، في اليوم التالي أصدر رئيس الحكومة بياناً أعلن فيه إلغاء الجلسة.


6.4 ملايين ليرة: زيادة غلاء معيشة
متابعةً للملف الذي نشرته «القوس» في 29 نيسان 2023، تعليقاً على الخطأ الذي رافق مرسوم غلاء المعيشة تحت عنوان: «مرسوم الحدّ الأدنى للأجور يخلق فجوة بين الرواتب»، نشير إلى أن مجلس الوزراء قرّر في جلسته المنعقدة في 26/5/2023 الموافقة على تعديل المرسوم رقم 11226، تاريخ 18/4/2023، المتعلق بتعيين الحدّ الأدنى الرسمي لأجور المستخدمين والعمّال الخاضعين لقانون العمل ونسبة غلاء المعيشة، لجهة تعديل المادة الأولى على الشكل التالي: «يُعطى جميع المستخدمين والعمّال الخاضعين لقانون العمل زيادة غلاء معيشة بقيمة 6,400,000 ليرة لبنانية».
كما وافق المجلس على مشروع المرسوم ذات الصلة، وعلى إصداره وكالة عن رئيس الجمهورية.


المجالس البلدية: من التعليق إلى التمديد
بعد اتخاذه القرار رقم 4/2023 القاضي بتعليق قانون تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية مؤقتاً لحين البتّ بالمراجعة،
قرّر المجلس الدستوري في 30 أيار 2023 ردّ الطعون المتعلقة بالقانون المذكور، ما يعني أن قانون تمديد ولاية البلديات والمخاتير بات ساري المفعول. وقد أعلن رئيس المجلس الدستوري طنوس مشلب أن «المجلس قرر عدم إبطال قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية وذلك حفاظاً على استمرارية عمل المرافق العامة، فالدستور وُجد من أجل المصلحة العامة».