بعد عشرين عاماً من الزواج انقلبت حياة فؤاد رأساً على عقب، وأرخت الأزمة الاقتصادية بثقلها على حياته، لم تعد الفنون تطعم خبزاً أو تؤمن كفاف يومه وأسرته. تراكمت الأسباب وتفاقمت المشكلات بين الزوجين حتى وصلت الأمور بينهما إلى طلب الزوجة الطلاق. لم يعتد الفنّان صاحب الحس المرهف على الأجواء المشحونة، وفي الوقت عينه لم يعد يمتلك أي مقوّمات للصمود، فهو فلسطيني لاجئ محروم من العمل في أكثر من 60 مهنة، ومحروم من حق تملّك سقف يحمي رأسه ومحروم من تأشيرة الدخول لعدد كبير من الدول الأجنبية، وباتت مساحته الأخيرة، المفترض أنها آمنة، غير آمنة.إصرار الزوجة على الطلاق، وهي قادرة على رفع دعوى تفريق لأنها تتّبع وزوجها في أحوالهما الشخصية للمحكمة الشرعية السنية، سيرتب التزامات كبرى على الزوج. إضافة إلى أن البيت الذي دفع كل جنى عمره ثمناً له مسجل باسم زوجته، فما هي الحلول؟
الأحكام المسبقة في العديد من المواضيع التي يتداولها الرأي العام، وعلى رأسها القضايا النسوية، تجعل من الصعب تناول حالة فؤاد من زاوية حقوق الرجل والعنف المُمارس عليه معنوياً وعاطفياً. ففي أي نزاع بين زوجين، تميل الكفّة مباشرة لمناصرة المرأة من دون حتى سماع الطرف الآخر، أو من دون وجود احتمال ولو بسيط بأن المرأة قد تكون هي المعتدية.
وما يسهّل هذه الأحكام المسبقة، هو امتلاك المرأة قدرات عاطفية ونفسية واجتماعية تجعلها تُظهر وتُعلن بكل جرأة مظلوميّتها، على عكس معظم الرجال.
فالزوجة قادرة على الصراخ بوجه زوجها بشكل مستمر من دون أن تُتهم مجتمعياً بأنها مُعَنِّفة، أما الزوج الذي يصرخ بوجه زوجته بشكل مستمر فهو مُعنّف معنوياً ولفظياً بالنسبة للمجتمع. مع العلم أن قانون العنف الأسري أعطى كل أفراد الأسرة الحق في الحماية من العنف، لكن الأحكام المسبقة التي باتت ميزة لمجتمعنا، نتيجة الاستخدام السيّئ لوسائل التواصل الاجتماعي ونتيجة عدم معرفتنا وفهمنا للقوانين، جعل من بعض الرجال ضحايا صامتين للعنف الأسري.

أي طريق سيسلك فؤاد؟
إن استجاب فؤاد لطلب زوجته وحصل الطلاق، سيخسر كل ما جناه ويصبح بلا مأوى، وهو لم يعد شاباً في بداية العمر ليبدأ من جديد. فقد هاجر البعض من عائلته وتوفيَ البعض الآخر، لهذا لم يكن أمامه سوى خيار البقاء في منزله ورفض طلبها. وفي حال أصرّت على الطلاق، سيترك الأمر للقضاء الشرعي بإقامة دعوى تفريق تمكّنه خلال السير بالمحاكمة من إثبات مسؤولية الزوجة فيه، وفتح باب التفاوض على ملكية المنزل.

البعد الاجتماعي
حالة فؤاد ليست فردية، بل هي نموذج عن حالة غير قانونية أرخت بظلالها التعسّفية على شريحة كبيرة من البشر بحرمانهم من أحد أهم حقوق الإنسان وهي الحقّ في السكن. يحاول غالبية الفلسطينيين الخروج من المخيّم، في محاولة منهم لبدء تشكيل أسرة في بيئة أكثر أماناً. ويسعى قسم منهم إلى شراء منزل أو محلّ، فيسجلون العقار باسم أحد أقاربهم من حاملي الجنسية اللبنانية أو أصدقائهم أو حتى باسم صاحب العمل أو المحامي! لذلك من الواضح أن هذا القانون في الأساس لم يمنع التملّك فقط، بل فتح الباب واسعاً لاستغلال هذا الواقع (غير القانوني) لوضع اليد على جنى عمر الفلسطيني.
إن استجاب فؤاد لطلب زوجته وحصل الطلاق، سيخسر كل ما جناه ويصبح بلا مأوى


هذا القانون ستنتج منه مشكلات إضافية خطرة على المجتمعَين اللبناني والفلسطيني، فمساحات المخيّمات محددة ولا تتمدّد منذ تاريخ إنشائها على رغم ازدياد عدد السكان وارتفاع عدد الولادات، الأمر الذي ستنتج منه مشكلات جمّة تبدأ من المخيّم وتنتقل إلى المجتمع كله. وهناك آلاف المخاوف التي يمكن تفنيدها انطلاقاً من علم الاجتماع لهذا الواقع.

البعد السياسي
هذا القانون ليس متعلقاً بحماية الملكية العقارية، بل هو قرار سياسي بحت، كما أن بعض الجهات دعمته بحجة أنه يقطع الطريق على التوطين ويُبقي الفلسطينيين داخل المخيّمات تحت سلطة الأونروا والمنظمات الفلسطينية. لا يُعالج هذا القرار إلا بالحوار السياسي بين المعنيين الفلسطينيين والدولة اللبنانية، وليس بقرارات قانونية لا تمتّ للإنصاف بِصلة. نجِد، بعد المرور على حالة فؤاد والحديث عن البعدين القانوني والسياسي فيها، أنه ضحية سياسات الحكومة من جهة، والاحتلال من جهة أخرى، ليبقى الظلم والاضطهاد يلاحقه طَوال حياته.
فؤاد اليوم نموذج عن كثير من الفلسطينيين، وهذه الحالة موجودة بأشكال مختلفة وتتكرر يومياً! والحل يتطلب من الفلسطينيين بشكل خاص اعتماد أعلى معايير الحماية القانونية، حتى في الحب والزواج، لأن الثقة وحدها لا تكفي في ظلّ واقع يحرم الفلسطيني من أبسط حقوقه ويحاكمه استناداً إلى جنسيته.
وإلى أن تنصف القوانين الفلسطينيين، على كل من يرغب بحماية ملكية شرعية بالحقّ الإنساني أن ينظّم إقراراً ممّن سجّل العقار باسمه بأن من دفع ثمن هذا العقار بالكامل هو حامل للجنسية الفلسطينية، وأن ثمن المنزل هو مبلغ مودع لدى من سجل العقار باسمه على سبيل الأمانة، إلى أن نُحرّر من شمّاعة التوطين التي لن تزعزعها لا قوانين ملكية ولا قوانين جنسية ولا قوانين عمل لأن فلسطين الأصل وإليها عائدون.
(ألف باء القانون)



«المصلحة العليا للبنان»؟
بعد تقدّم الدولة اللبنانية عام 2001، بمشروع تعديل قانون التملّك لغير اللبنانيين بهدف تحفيز الاستثمار العقاري والاستثمار الأجنبي في سياق معالجة الوضع الاقتصادي، تم استثناء الفلسطينيين، إذ جاء في النص رقم 296 المادة الأولى الفقرة الثانية: «لا يجوز تملّك أي حق عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف فيها أو لأي شخص إذا كان التملّك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين». هذا القانون مناف لأبسط قواعد حقوق الإنسان في الحق في السكن، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 17)، ولكافة العهود والمواثيق الدولية التي تنصّ على القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري. وعلى رغم تقدّم عشرة نواب إلى المجلس الدستوري بطعن في هذا القانون إلا أن المجلس رد الطعن معتبراً أن القانون يحمي المصلحة العليا للبنان.