يعمل الأساتذة المتعاقدون «بالساعة» في الجامعة اللبنانية، حرفياً، باللحم الحيّ. هم محرومون من كلّ أشكال الأمان الوظيفي، بما في ذلك «القبض الشهري» الذي حُسدوا عليه قبل نحو شهرين، عندما قرّر مجلس الوزراء في «جلسة 6 شباط» تحويل عقود المصالحة إلى عقود نظامية، بما يسمح بتقاضي الرواتب شهرياً، بدلاً من «تحويلة» مالية سنوية واحدة غير منتظمة لا تتجاوز قيمتها 25 مليون ليرة لبنانية. دخول القرار حيّز التنفيذ يتطلب، بحسب مصادر «حراك الأساتذة المتعاقدين»، رحلة طويلة واعتماد آلية إدارية معقّدة قد يستغرق إنجازها شهوراً عدة، ويؤدي بموجبها الأستاذ دور معقّب المعاملات، إذ عليه أن يجمع شخصياً إفادات من كلّ الكليات والفروع التي درّس فيها، كي تحضر الملفات وتُرفع من الكليات إلى العمادات، ومن ثم تمرّ عبر رئاسة الجامعة إلى وزير التربية، ويوقّعها الوزير والرئيس اللذان يقومان بمهام مجلس الجامعة، قبل أن تعود إلى الكلية بالتراتبية نفسها، علماً أن عمادات الكليات لا تستطيع أن ترفع ملفات الأساتذة ما لم تكتمل لديها من كلّ الفروع. وبهذا المعنى فقد أمّنت بعض الكليات أوراقها، فيما بعضها الآخر لا يزال ينتظر.
الأساتذة المتعاقدون في الجامعة استُثنوا أيضاً من إعطائهم بدل نقل بقيمة 200 ألف ليرة، بما أن الوعد الشفهي بذلك بقي حبراً على ورق، ولم يجر تضمينهم في القرار الصادر في الجلسة نفسها، إلا أنهم موعودون اليوم ببدل الإنتاجية أسوة بزملائهم المتفرغين وفي الملاك.
الأساتذة المتعاقدون يصرفون على وظيفتهم أكثر مما يقبضون


تقول المصادر إن الأساتذة المتعاقدين يصرفون على الجامعة، بالنظر إلى أنهم يدفعون ثمن محروقات أكثر مما يقبضون. ويحدث أن يتكبّد الأستاذ، تلبية للتعليم الحضوري، عناء الذهاب إلى صفه، والذي قد يكون في محافظة أخرى لمكان سكنه، ليكتشف أن طلابه لم يحضروا لعدم امتلاكهم القدرة على الوصول. يقطن أحد الأساتذة في بيروت، فيما نصابه التعليمي موزّع بين الفرعين الأول (الحدث) والرابع (زحلة) لكلية الحقوق والعلوم السياسية. يدفع مليوني ليرة بدل استهلاك البنزين ليقبض مليون ليرة ثمن الساعات المنفّذة. يستدرك الأستاذ الجامعي القول إنه محام ولديه عمله الخاص الذي يعتمد عليه. لكن هذا ليس حال الـ3600 أستاذ متعاقد في الجامعة، فهناك من ليس لديه مصدر دخل آخر. حتى الأساتذة الذين يعملون في وظائف رديفة، يشعرون بعدم الاعتراف بوجودهم في المؤسسة القائمة أساساً على كاهلهم (70% من الجسم التعليمي في الجامعة اللبنانية متعاقدون)، ما يؤثّر سلباً على مختلف نواحي حياتهم المادية والنفسية والمعنوية. أما الاستقرار الوظيفي عبر التفرّغ فيبدو اليوم حلماً، وسط غياب الانتظام السياسي، علماً أنه يشكل حاجة مُلحّة لتأمين سير العمل داخل الجامعة وتجنيب الأساتذة التداعيات السلبيّة لصيغة التعاقد بالساعة.
الحلول التي قُدّمت للتخفيف من أعباء تنقّل الأساتذة، ومنها تبديل الأساتذة بين الفروع بحسب قرب الكليات من أماكن السكن، لم تنجح في كثير من الأحيان، ولا سيما عندما تكون هناك اختصاصات نادرة يدرّسها أساتذة معيّنون، وعندما يرفض أساتذة التخلي عن مواد درّسوها لسنوات. كذلك فإن طلب بعض الأساتذة التحوّل إلى التعليم «أونلاين» اصطدم برفض إدارات بعض الفروع.