48 ساعة، ويسري العمل بالتوقيت الصيفي على كامل الأراضي اللبنانية. سبقتها 48 ساعة، عاش فيها اللبنانيون اختباراً فريداً لعيشهم منقسمين على طوائفهم. بل أكثر، كانوا منقسمين حتى في بيوتهم. اختبار لا تعيشه حتى الدول الكبيرة جغرافياً، التي تتميز بامتدادها على أكثر من خطّ زمني، أو ما يُعرف بخطوط الطول، وعند عبور كلّ خط منها، يجب تقديم السّاعة ساعةً إذا كنّا نمشي من الغرب إلى الشّرق، والعكس صحيح. على سبيل المثال، في روسيا 11 منطقة زمنية، بالتالي الفارق بين موسكو في الغرب وبتروبافلوسك في أقصى الشرق 10 ساعات. يتكرّر الأمر ذاته في الولايات المتحدة الأميركية مع 6 مناطق زمنية، وفارق يصل إلى 5 ساعات بين الشاطئ الشرقي والغربي للقارة. أمّا في لبنان، البلد الأصغر مساحةً من مزرعة «ميراتورغ» في روسيا، فـ«توقيتان بين منطقتين على خط زمني واحد».
تمرّد على القرار
نجم هذان التوقيتان على إثر قرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الأول بـ«الإبقاء على التوقيت الشتوي حتى نهاية شهر رمضان»، واعتراض الأحزاب المسيحية ومرجعياتها الدينية عليه. عادت عقارب السّاعة إلى 13 نيسان 1975، إذ إنقسمت المناطق بين «توقيت مسلم وآخر مسيحي»، واستعيدت كلّ خطابات الحرب الأهلية، وصولاً إلى إعلان حالة التمرّد على القرار الحكومي لدى بعض الشركات، التي طلبت من موظفيها «عدم المسّ بساعات هواتفهم، وتغيير مناطقها الزمنية». وباتت المواعيد بين اللبنانيين تُضرب بناءً على مصطلحات جديدة. منهم من اعتمد الـ«شتوي- صيفي»، ومنهم الـ«إسلامي – مسيحي»، فيما قسّم آخرون التوقيت إلى «بري- ميقاتي» من جهة و«بكركي- الأبرشية» من جهة ثانية.
وإلى عدد من وسائل الإعلام، كانت المؤسّسات التعليمية الدينية، ولا سيّما التابعة للبطريركية المارونية، أوّل من أعلن اعتماد «ساعة البطريرك لا الحكومة». ومع مرور الساعات، واستعار الخطاب الطائفي، كانت الحكومة تنقسم على نفسها، إذ خرج وزير التربية بإعلانين، يقضي الأول بـ«اعتماد المدارس للتوقيت الصيفي، وتقديم السّاعة»، مخالفاً بذلك التوجه الحكومي، وراضخاً لضغط المدارس الدينية، والثاني في وقت متأخر ليلاً «يترك حريّة اختيار وقت فتح المدارس والمعاهد لمديري المدارس».

عيد البشارة!
النتيجة كانت أن يوم العمل الأول بعد عاصفة قرار الإبقاء على التوقيت الشتوي، تحكّم به توقيتان. وقد يستمرّ الأمر حتى ليل الأربعاء- الخميس، الموعد الذي اعتمده مجلس الوزراء أمس للانتقال إلى التوقيت الصيفي، وخصوصاً أن غالبية المدارس التي اعتمدت أمس التوقيت الصيفي ستبقى مستمرة به، كما أكّد مثلاً الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر لـ«الأخبار». نصر يأسف لما حصل و«للاختبار المرير الذي اجتزناه، في وقت نحن في أمسّ الحاجة فيه إلى كلمة سواء، وإيجاد مساحة مشتركة، وخصوصاً أننا نعول على التربية كوسيلة لتغيير البلد»، مشيراً إلى مفارقة «أن يجتمع رؤساء المؤسسات التربوية من مختلف الانتماءات، قبل ظهر السبت الماضي لمناسبة عيد البشارة وللتأكيد على الخطاب الوطني الجامع وأن يفترقوا بعد الظهر عملاً بقرارات المرجعيات الدينية المتعددة».

إرباك لا مثيل له
الانقسامات لم تبقَ طائفية، بل دخلت إلى البيوت بعدما أدّى التفاوت في الالتزام بالقرار الحكومي من عدمه لدى الشركات والمدارس، إلى حالة إرباك شديدة في البيوت بين الأهل وأبنائهم من جهة، وبين الأبناء الذين يتابعون دروسهم في مدارس مختلفة من جهة ثانية، فكانت الفوضى مع اضطرار الأهل للالتزام بتوقيتين مختلفين.
في عيد البشارة الجامع انقسمت المؤسسات التربوية على التوقيت


قامت هناء بـ«استخدام التطبيقات المتاحة في هاتفها، ووضعت ساعةً مزدوجةً على شاشتها، الأولى تشير إلى التوقيت الشّتوي والثانية إلى الصيفي»، وذلك لتتمكّن من تقدير وقت خروج ابنتها الأولى من المنزل عند السّادسة على التوقيت الرّسمي، أيّ السّابعة على الصيفي، فيما ابنتها الثانية ستغادر عند السّادسة والنصف على الشّتوي، ما «أدّى إلى خروج الابنة الصغرى من المنزل قبل شروق الشّمس». ويشير عماد الأب لثلاثة تلامذة في مدرستين تعتمدان توقيتين مختلفين إلى «حالة من الإرباك الشّديد وصلت إلى حدّ الاكتئاب أمس، إذ اضطر للخروج من عمله، الذي يعتمد التوقيت الشّتوي قبل ساعتين من انتهاء الدوام الرّسمي لنقل أولاده إلى المنزل»، مفضّلاً أخذ إجازة من العمل، وتعطيل الأولاد عن المدرسة، بعد اضطراره للانتظار ساعةً كاملةً أمام المدرسة الثانية التي تعتمد التوقيت الصيفي إلى حين انتهاء الدوام.
إحدى المدرّسات وصلت متأخرة ساعة إلى صفها الذي يعتمد التوقيت الصيفي، لأنها مجبرة على إيصال أولادها أولاً إلى مدرستهم التي تعتمد التوقيت الشتوي. وفي عدد من كليات الجامعة اللبنانية، التي التزمت بـ«توقيت بري- ميقاتي»، اضطرّ الطلاب إلى الحضور باكراً جداً لأنّ الباصات التي تقلّهم من المناطق اعتمدت توقيت وزير التربية عباس الحلبي. بيان الوزير المتأخر ليلاً لم يتح للمدارس إرسال مذكّرات جديدة إلى الأهالي، فبقيت على توقيتها المعلن سابقاً. في المقابل، شهدت الكثير من الصفوف تفاوتاً في مواعيد وصول التلاميذ إليها بسبب ارتباك الأهالي في ترتيب أوقاتهم.