منذ اندلاع الحرب السورية، أصبح مطار بيروت يخدم المسافرين من لبنان وسوريا. هذا التطوّر الوظيفي، عوّض التباطؤ المتوقّع في نموّ عدد المسافرين. ورغم أن ذلك لم يكن مفاجئاً كونه بدأ بشكل متدرّج منذ عام 2011، إلا أن استجابة الحكومة أتت متأخرة، وقرّرت في عام 2018 أن تنفق نحو 200 مليون دولار لتوسعة المطار وزيادة قدرته الاستيعابية من 6 ملايين راكب سنوياً إلى 10 ملايين. لكن، أتى الانهيار ليغيّر في المشهد بشكل جذري؛ ففيما لم تعد أولويات الإنفاق الحكومي تركّز على الاستثمار في البنية التحتية، انكمشت شهية المستثمرين الذين يرغبون في تنفيذ مشاريع بطريقة التنفيذ والتشغيل والتسليم، أو أي طريقة تشبهها، وبدأت تظهر نتائج الضغط الذي يتعرّض له المطار بسبب انهيار أعمال التشغيل والصيانة، من انعدام صيانة الحمامات، إلى انعدام التكييف، وتقلّص عدد الموظفين... خلق الأمر فوضى كبيرة في سير الأعمال في المطار ازدادت بالتوازي مع زيادة عدد الركاب بنسبة 47% في عام 2022 لتبلغ 6.4 ملايين راكب، أي ما يفوق الطاقة الاستيعابية القصوى حالياً، وستصبح أكبر في السنوات المقبلة، إذ يتوقع أن يتجاوز عدد الركاب في عام 2023 نحو 7 ملايين.في هذا الإطار، طلبت وزارة الاشغال من الاستشاري «دار الهندسة - شاعر ومشاركوه»، باعتبارها الشركة التي كلّفها الرئيس الراحل رفيق الحريري الإشراف على عمليات المطار سابقاً، أن تعدّ دراسة تهدف إلى إنشاء محطات ركاب جديدة في المنطقة الشرقية من المطار، تكون منفصلة عن المحطة الحالية ومخصّصة لـ«الرحلات العارضة»، أي ما يُعرف بـ«الطيران الرخيص». موقع المحطة الجديدة سيكون على أنقاض مبنيَي الجمارك والشحن القديمين.

بالأرقام

100 دولار
هو المبلغ المترتّب على إشغال شركات الطيران كل متر مربع من المكاتب بحسب قانون رسوم المطارات، ويضاف إليه مبلغ 80 دولاراً على إشغال كل متر مربع من المستودعات أو الحظائر
48850 متراً مربعاً
هي المساحة المبنيّة المخصّصة لإنشاء مبنى محطّة الركاب الجديدة بكلفة 80 مليون دولار للمرحلة الأولى، من ضمنها مساحة 14450 مواقف تحت الأرض بكلفة 8.5 ملايين دولار.
12.3 مليون دولار
هي كلفة التصميم والإشراف وإدارة التنفيذ للمرحلة الأولى من المشروع بحسب ما رصدت شركة «شاعر ومشاركوه» التي ستتولى هذه العملية باعتبارها جزءاً من العقد.


اختيار هذا الموقع تحديداً سببه مراسلة أمنية في شباط 2016، من قائد جهاز المطار العميد جورج دمياط، يطلب فيه إغلاق هذين المبنيين لأنهما لا يطابقان الشروط الأمنية والفنية العالمية، بل يُعدّان «الثغرة الوحيدة حالياً التي تثير قلق كلّ الأجهزة الأمنية المحلية وشركات الطيران الأجنبية». كلام دمياط جاء بعد زيارات كثيرة من قبل «مسؤولي الأمن في شركات الطيران الفرنسية، التركية، فلاي دبي...» وبنتيجتها خلص إلى أن استمرار العمل بمبنى الشحن القديم أصبح يشكل تهديداً للسلامة العامة.
قاربت وزارة الأشغال مسألة تمويل المشروع، من خلال قانون رسوم المطارات الذي يجيز لها تلزيم شركات الطيران وشركات الخدمات الأرضية الوطنية، إشغال مساحات مكشوفة وإنشاء مبانٍ على نفقتها الخاصة (الشركات) لقاء دفع رسم سنوي بالمتر المربع على فترة محدّدة في العقد. وهذه المنشآت تُحدّد بقرار من وزير الأشغال لجهة التوصيف ووجهة الاستعمال، على أن تعود ملكيتها للحكومة بعد نهاية العقد. عملياً، العقد يشبه عقود الـBOT، إلا أنه يحصر العملية بالشركات العاملة أصلاً في مطار بيروت.
وتقدّر الدراسة التي قامت بها «دار الهندسة - شاعر ومشاركوه»، أن الكلفة الإجمالية للمشروع ستبلغ 147.9 مليون دولار على مرحلتين: الأولى مخصّصة لطاقة استيعابية بنحو مليوني راكب بكلفة 122 مليون دولار موزّعة على النحو الآتي: 100 مليون دولار إنشاءات وتجهيز، 10 ملايين دولار احتياط، دراسات وإشراف 12 مليون دولار. أما المرحلة الثانية فمخصّصة لزيادة الطاقة الاستيعابية إلى 3.5 ملايين راكب بكلفة إجمالية تبلغ 25.3 مليون دولار موزّعة على النحو الآتي: 21.9 مليون دولار إنشاءات وتجهيز، احتياط بقيمة 2.1 مليون دولار، ودراسات وإشراف بقيمة 1.2 مليون دولار.
حجم الكلفة الإجمالية نسبة إلى عملية التوسيع للقدرة الاستيعابية بطاقة قصوى تبلغ مليوني راكب سنوياً، تعني أن الكلفة ستبلغ 60.9 دولاراً لكل راكب، مقابل 50 دولاراً في المشروع السابق الذي أُطلق عام 2018 بكلفة 200 مليون دولار لزيادة القدرة الاستيعابية بنحو 4 ملايين راكب.
ووفق التقديرات، فإن مردود مبنى الركاب الجديد من كل راكب يفترض أن يبلغ 21.3 دولاراً لكل مسافر، وهو سيتوزّع بنسبة 55.9% للخزينة العامة، و44.1% للشركة الملتزمة. وفيما كان المشروع الأصلي يقترح أن تكون مدّة العقد لنحو 34 سنة، قرّر وزير الأشغال العامة أن تقتصر المدّة على 25 سنة فقط.

قاربت وزارة الأشغال العامة تمويل المشروع من خلال قانون رسوم المطارات


يُذكر أن دراسة «شاعر ومشاركوه» ليست دراسة جدوى للمشروع بل دراسة كلفة. وهذا يعني أن تقييم جدوى المشروع يفترض أن يتم بطريقة مختلفة بناءً على رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية للمطار ووظيفته، إلى جانب كلفة الإنشاء والمردود المتوقَّع.
على أي حال، المشروع سيتم تلزيمه لشركة «LAT» التي تقوم إلى جانب شركة «ميغ» المملوكة من شركة «ميدل إيست» بأعمال خدمات أرضية في المطار. يقال إن شركة «ميدل إيست» لم تكن مهتمة بهذا المشروع، لذا لم تقدّم أي سعر للمشاركة في التزام محطة الركاب الجديدة التي ستُخصّص للرحلات العارضة والسياحية، خلافاً لما قامت به شركة «LAT». وهذه الأخيرة تعمل في مطار بيروت منذ عقود، وكانت مملوكة من مجموعة «أبيلا» التي باعتها قبل سنوات إلى شركة مملوكة من رجل الأعمال السعودي تركي بن مقرن.



نقاش في نقابة المقاولين
أثار قرار تلزيم مبنى الركاب المخصّص للرحلات العارضة والسياحية، لتحالف شركتَي «لات - دبلن» نقاشاً واسعاً في الجلسة الأخيرة لمجلس نقابة المقاولين، إذ تبيّن أن النقيب مارون الحلو قدّم قبل نحو سنتين عرضاً بالتعاون مع شركة أجنبية من أجل الحصول على العقد، من دون أن يتلقّى أيّ ردّ فعل رسمي سلباً أو إيجاباً. وقال الحلو في المجلس إنه تمت الموافقة على عرض وحيد، بينما قرار مجلس الوزراء قضى باستدراج عروض من الشركات. ولفت إلى أن أحد الوسطاء بين الشركات، ويدعى علي مهنا، هو من يقف خلف الإتيان بشركة «دبلن» الإيرلندية التي ستتولى الأشغال في المبنى الجديد. وهو نفسه الذي حاول سابقاً الفوز بالتزام السوق الحرّة.
وتأسّست شركة «دبلن» للإنشاءات، عام 1945 وهي شركة عائلية يتولى رئاستها توم هول، ولديها أعمال في مجالات البناء التعليمي والتجاري والصناعي والتخصّصي. كما تُقدم خدمات في إدارة البناء، إضافة إلى خدمات التصميم والبناء، والمقاولات العامة، وأعمال ما قبل البناء، وتقييم المرافق والتخطيط، وخدمات البناء المستدامة.