لم يأبه مجلس الوزراء، برئاسة نجيب ميقاتي، باستمرار حجز الرواتب التقاعدية وتعويضات نهاية الخدمة لنحو 120 أستاذاً متفرّغاً في الجامعة اللبنانية تقاعدوا منذ عام 2019. يومها، كسرت الحكومة، لسبب ما، عرفاً ساد لعشرات السنوات في الجامعة، وهو أن الأستاذ المتفرّغ يدخل تلقائياً ملاكها إذا تقاعد، بما يعنيه ذلك استحقاقه للمعاش التقاعدي أو التعويض (بحسب اختياره)، واستمرار استفادته من صندوق التعاضد المعني بالتقديمات الصحية والاجتماعية.ورغم أن ملف الأساتذة المتفرّغين أدرج في البند 4 ضمن البنود التي طُرحت من خارج جدول أعمال جلسته الأخيرة، تجاهل المجلس معاناة أساتذة يعيشون من دون معاشات تقاعدية تمسح غبار تعب عشرات السنوات التي قضوها في الجامعة. حال الأستاذ المتفرّغ، كحال كثيرين من زملائه، يندى لها الجبين خجلاً. كيف يُترك أستاذ لمصيره «يعيش تحت الأرض»، وفق تعبير أحدهم، عاجزاً عن تأمين أبسط احتياجاته اليومية من غذاء ودواء وتعليم أبنائه، وغارقاً في الديون، لغياب أيّ «خميرة» أو مصدر دخل ولو حتى راتب «هزيل» يعينه على شظف العيش، فيما يستجدي أستاذ آخر أبناءه في المهجر ليكمل حياته.
هل تذكرون علي المعوش، الأستاذ المتفرّغ المتقاعد في عام 2019 الذي باغته وباء كورونا، ولم يمهله ليطمئن إلى معاشه التقاعدي، ورحل مظلوماً تاركاً زوجة وأربعة أبناء، فتاة بعمر المدرسة وثلاثة شبان لا يزالون يتابعون دراستهم الجامعية؟

توازن طائفي في الموت؟
«قرطة كذابين»، هكذا تعلق الأستاذة المتقاعدة فاطمة مشرف حماصني، في إشارة إلى إسقاط الملف بعد الوعود المتكرّرة بإقراره، فيما لم يأتِ أيّ من الوزراء على ذكره في الجلسة الأخيرة «رغم إدراجه في الملحق، علماً أنه حقّ مكتسب ونحن لا نطالب سوى بتطبيق القانون 287 في آذار 2022، والذي ينصّ على إدخال أفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية المتعاقدين بالتفرّغ الذين استوفوا كل الشروط الإدارية والأكاديمية ووافق مجلس الجامعة على ملفاتهم، والذين بلغوا السن القانونية، ولم يُصر إلى تعيينهم في ملاك الجامعة اللبنانية التعليمي بالتعيين في هذا الملاك، اعتباراً من تاريخ إرسال مشروع المرسوم إلى مجلس الوزراء». القانون، كما قالت حماصني، يحتاج إلى إرسال مراسيمه التطبيقية في مجلس الوزراء ليصبح نافذاً. تسخر حماصني من الأعذار الواهية المعطاة من مثل التوازن الطائفي فقالت: «عندما تفرّغنا، كان التوازن شرطاً أساسياً للتفرّغ، فهل يطلبون اليوم أن يكون عدد الذين يموتون من المسيحيين معادلاً لعدد المسلمين؟».
تحذير من مخطّط إلغاء نظام التقاعد وتفريغ الجامعة من الملاك


يُذكر أن ملف التفرّغ في عام 2014، والذي ينتمي إليه هؤلاء الأساتذة المتقاعدون، راعى مبدأ «التوازن الطائفي» (53% مسلمين و47% مسيحيين). حماصني تحذّر من «مخطط واضح وخطير يحاك ضد الأساتذة له علاقة بمشروع إعادة النظر بنظام التقاعد، وإجبار الأستاذ على اختيار التعويض، وفقاً لإملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بدليل تحويل عقود المصالحة للأساتذة المتعاقدين إلى عقود نظامية (وهذا حقهم)، لكن ما يحصل أنه ما سيعطونه بيد سيأخذونه باليد الأخرى، ويجب التنبّه إلى هذا الموضوع والضغط على رابطة الأساتذة المتفرغين الجديدة لتدرج مواجهة هذا التوجّه في رأس سلّم أولويّاتها».

تفريغ الجامعة
يوافق الأستاذ المتقاعد عادل المرود على أن السبب ليس التوازن الطائفي، إنما «المطلوب تفريغ الجامعة من الملاك وإرساء التعاقد الوظيفي، مشيراً إلى أنه ليس منطقياً أن تطبّق مثل هذه الخطة فجأة ومن دون سابق إنذار، ويمكن أن تكون تدريجية». ويلفت إلى أن «لجنة متابعة القضية سوف تتواصل مع كل الكتل السياسية للضغط باتجاه تنفيذ القانون».
غضب شديد وخيبة كبيرة يعتملان في نفوس الأساتذة، ليس فقط من رئيس الحكومة، إنما أيضاً من وزير التربية الذي لم يلتزم مسؤوليته في هذا الملف، ولا سيما أن إدارة الجامعة قامت بكلّ الإجراءات المطلوبة منها وأنجزت الملفات الكاملة للأساتذة، إذ كانت حجّة الوزير في المرة الأولى أن الملفات ناقصة، وكان النائب علي فياض، الذي أعدّ القانون وتابع إصدار مراسيمه التطبيقية، قد وعد 3 مرات بإقرارها ولم تقرّ، علماً بأن القضية إنسانية وأخلاقية ولا تتجاوز رفع الظلم وتصحيح الخلل الحاصل.