اختلط الأمر على كثير من المواطنين في طرابلس، عن السبب الذي أدّى إلى المزيد من التصدّعات والانهيارات في أسقف وجدران بعض الأبنية، وتطاير أسقف من التنك، في مناطق القبّة وباب التبّانة والتربيعة وباب الرمل... هل هي بسبب الهزّة الأرضية، أم نتيجة العاصفة الجوّية والأمطار الغزيرة التي هطلت خلال السّاعات والأيّام الماضية؟ هذه المنازل المهدّدة بالسقوط، وعدد كبير من قاطنيها تبلّغوا بضرورة إخلائها، دفعت الأهالي إلى الخروج من منازلهم والسير في الشوارع والساحات على غير هدى. «نزلنا من بيوتنا نحن وجيراننا مرعوبين بسبب الخوف والهلع الذي تملّكنا. وقفنا في الشّارع يتفرّج بعضنا على البعض الآخر. لم يقل لنا أحد ماذا حصل، ولا ماذا نفعل». بهذه العبارة عبّر أحد المواطنين، الذين نزلوا إلى الشّارع في منطقة الزاهرية في طرابلس، عن شعور انتابه بعد حصول الهزّة الأرضية فجر أمس، قبل أن ينتقل بسيّارته برفقة والدته إلى معرض رشيد كرامي الدولي، مثلهما مثل عشرات أهالي المدينة، مفترشين باحاته.

ليلة من الخوف
في السّاعات التالية لحصول الهزّة، بدا أهالي طرابلس متروكين لقدرهم لمواجهته بأنفسهم. فنزولهم إلى الشّوارع ليلاً خوفاً وهلعاً، وذهابهم إلى منطقة المعرض أو إلى المساجد حيث أقاموا صلاة الخوف، لم يترافق مع أيّ مساعدة من أي جهة، سواء لمساعدتهم عبر تأمين أغطية للوقاية من البرد، أو أقلّه لتوعيتهم. يتحدّثون عن غياب الجيش، وقوى الأمن الداخلي، والهيئة العليا للإغاثة، والبلدية، واتحاد بلديات الفيحاء، حتى الدفاع المدني والصليب الأحمر وهيئات المجتمع المدني على اختلافها، «كلّ هؤلاء غابوا في لحظة حاجة المواطنين الماسّة إليهم».

أرشيف (مروان طحطح)

وحتى خلال النهار، كانت شوارع طرابلس لا تزال شبه خالية من السيّارات والمارّة، وأقفلت المحال التجارية في الأسواق أبوابها، بعدما فضّل أصحابها البقاء مع عائلاتهم خوفاً من حصول أيّ هزّات أخرى. يقول أحدهم «نزلنا إلى الشّوارع والسّاحات لأنّ بلدنا ليس مجهّزاً لمواجهة الهزّات، ومنازلنا قديمة كانت ترقص وحدها وقت وقوع الهزّة». مضيفاً «مضى علينا ساعات في الشّوارع من غير أن يأتي أحد لنا بشربة ماء، أو يسألنا ما بنا أو ماذا نحتاج، أو يقدّم لنا أيّ توعية. نحن متروكون لقدرنا الذي علينا مواجهته وحدنا». إحدى النساء التي اصطحبت عائلتها بسيّارتها إلى معرض رشيد كرامي الدولي قالت «لن نعود إلى المنزل قبل أن نطمئن أنّه لن تحصل هزّات أخرى». والمفارقة في هذا الصدد، وكانت مضحكة ومبكية في آن، أنّ بعض المواطنين عمدوا بعد دقائق من حصول الهزّة فجر أمس إلى إطلاق الرصاص في الهواء من أسلحتهم الفردية، من أجل دعوة المواطنين إلى النزول من بيوتهم، خصوصاً في المناطق الشّعبية كالقبّة وباب التبّانة والأسواق القديمة، وهذا ما عبّر عنه عضو البلدية السّابق عربي عكاوي على مواقع منصات التواصل الاجتماعي، قائلاً: «الحمد لله على سلامة الجميع. الله لا يضرّ حدا. بس فكرة القواص بالعالي للتحذير من الهزّة ما حدا سبقنا عليها...».
ومع أنّ أيّ أضرار في الأرواح أو الممتلكات لم يقع في طرابلس نتيجة الهزّة الأرضية، فإنّ توارد معلومات عن حالات وفاة لأشخاص طرابلسيين موجودين في سوريا أو تركيا نتيجة الهزة، أو فقدان الاتصال بهم، جعل تداعيات الهزّة تدخل إلى بيوت الطرابلسيين بشكل غير مباشر.

حالة طوارئ
في مقابل ذلك، فإنّ هيئة إدارة الكوارث التي كان منتظراً أن تعقد اجتماعاً لها كالعادة في مثل هذه الظروف في سرايا طرابلس برئاسة محافظ الشّمال رمزي نهرا للتداول بالأمر، بحضور الجهات المعنية، غابت عن السّمع. وهذا ما دفع مفتي طرابلس والشّمال الشيخ محمد إمام للتطوّع وملء الفراغ، بدعوته لعقد اجتماع طارئ في دار إفتاء طرابلس، حضره رئيس بلدية المدينة أحمد قمر الدين وممثلون عن دائرة أوقاف طرابلس، نقابة المهندسين، الدفاع المدني، فوج إطفاء اتحاد بلديات الفيحاء، وجمعيات إسعافية وهيئات المجتمع المدني. وأكد المفتي على «ضرورة إعلان حالة طوارئ قصوى وتكامل الأدوار في تحمّل المسؤوليات، احترازاً لأي حوادث وملمّات قد تصيب المنطقة».
أطلق طرابلسيون النار في الهواء لدعوة الناس إلى مغادرة منازلهم


من جهته، اقترح عضو بلدية طرابلس السّابق خالد صبح على رئيس البلدية أحمد قمر الدين، ونقيب المهندسين في طرابلس والشمال بهاء حرب «القيام، بالرغم من ضعف الإمكانات لديهما، وفي أسرع وقت ممكن، بتأليف لجان كشف على الأبنية التراثية والقديمة في مدينة طرابلس، وتحديداً في مناطق القبّة وباب التبانة وبقية المناطق، للإطلاع على وضع أبنيتها، وللتأكّد من سلامتها كي لا نقع في المحظور، خصوصاً أنّ الهزّة الأرضية التي ضربت لبنان كانت قوية».