بلا سابق إنذار، يتبلّغ عدد من مرضى السرطان تباعاً من إدارات المستشفيات التي يتلقّون علاجاتهم فيها رفض ملفاتهم من قبل وزارة الصحة العامة. لم يفهم المرضى الأسباب التي أدّت إلى توقّف علاجاتهم، فجلّ ما قاله الأطباء للبعض «اسمكم رُفض في الوزارة»، وكلّ ما يعرفونه أن مواعيد جلساتهم معلّقة حتى تُحلّ أزمة رفضهم. في المقابل، ثمة من تلقّى جواباً شبه واضحٍ يتعلّق بـ«تغيير البروتوكولات الطبية»، من دون أن يفهم الكثير عن المصطلح. والبروتوكول وفق ترجمات هؤلاء يفسّر على أن العلاج الذي يأخذونه باهظ الثمن. بمعنى آخر، خارج حسابات موازنة وزارة الصحة العامة!في الحالتين، لم يصل إلى المرضى جواب شاف، إذ لا تزال الصورة ضبابية في ما يخصّ أسباب رفض ملفاتهم، فيما المعلومات المتوافرة تقود إلى عمل اللجنة المعنيّة بالأمراض السرطانية التي شكّلتها الوزارة مع بدء تطبيق نظام تتبّع الأدوية «Meditrack»، والتي تُعنى بدراسة ملفات المرضى التي تُحوّل إليها عبر منصة «أمان» وتقرير الموافقة من عدمها. وقد أعطيت هذه اللجنة «صلاحيات» تقرير ما إن كان العلاج مناسباً أو لا، وفقاً لنوع السرطان والحالة، ليس فقط من الناحية الطبية، وإنما أيضاً لناحية التسعير! بما معناه إعادة النظر في البروتوكولات الطبية المعمول بها.

المرضى التائهون
هذا المسار ليس خارجاً عن المألوف، فلطالما كان العمل على إنهاء الفوضى في البروتوكولات الطبية المتّبعة، ضمن الإستراتيجيات المتعاقبة لوزراء الصحة. غير أن الواقع المأزوم اليوم، يجعل من مسار إعادة التصحيح سوريالياً، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار أزمة المرضى الذين عانوا سابقاً ولا يزالون من انقطاع أدويتهم، ليأتيهم اليوم الهمّ الإضافي المتمثل برفض ملفاتهم وتأجيل جلسات علاجاتهم.
لا يفهم المرضى المرفوضة أسماؤهم بالبروتوكولات، فبالنسبة إليهم إما أن يأخذوا الدواء وإما أن يموتوا. الخيارات ليست كثيرة أمامهم، خصوصاً أن مريض السرطان «بيتعلّق بحبال الهوا»، يقول علي، مريض السرطان منذ ثلاث سنوات، وتغيير الأدوية في حالته لا يأتي بشطحة قلمٍ كما أمراضٍ أخرى. لذلك، كان قرار رفض أسماء المرضى أشبه «بمن يحضّرك للإعدام... كمن يطلق النار عليك فجأة». ما يحصل اليوم بالنسبة إلى علي «مجزرة جماعية بحق المرضى».
يخضع علي لعلاج مناعي باستخدام دواء «أوبديفو». وحتى لحظة ما قبل الرفض، كان كلّ شيء يسير على ما يرام، «فقد تغيّرت حالتي مع هذا الدواء، على الأقلّ عدت للوقوف على قدمي». لكن فجأة، توقف عن العلاج، وهو اليوم يحتار من أين يتلقّاها، فلا هو قادر على ابتلاع الرفض وتأخير علاجه، ولا هو قادر على دفع ثمنه نقداً بعدما أخبره الطبيب بأن سعره «يزيد عن خمسة آلاف دولار». مبلغ يفوق قدراته «لا وضعي الوظيفي يسمح، ولا أنا محظوظ بما يكفي لأمتلك ما يمكن أن أبيعه أو أرهنه كي أكمل علاجي».
يحتاج علي إلى هذا العلاج كلّ خمسة عشر يوماً. خسر موعده الأول مع قرار الرفض، ويخاف اليوم من خسارة موعده الآتي، إذ لم تُحلّ عقدة الرفض بعد رغم المحاولات مع مختلف الجهات. ولأنه «مريض ضمان»، كان مقصده الأول من يعرفهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، غير أن «جواب الكلّ كان بإحالتي إلى وزارة الصحة التي تتولى الموضوع». قصد علي وزارة الصحة ولم يحصل على الجواب.

ما هي المعايير؟
لماذا رُفض ملفي؟ وما هي المعايير؟ لم يعد هذا السؤال يخصّ علي وحده، إذ إن كثيرين ممن يعرفهم من مرضى السرطان يواجهون الأزمة نفسها في معرفة المعايير التي استند إليها أعضاء اللجنة لرفض الملف. حتى إن بعض العاملين في الوزارة نفسها يتخبطون في كيفية التعاطي مع القضية «إلى الآن لا نعرف كيف نوجّه الناس أو نقول لهم الأسباب، فنحن أنفسنا لا نعرف ما هي المعايير التي على أساسها يُتخذ القرار، أضف إلى ذلك أن الأطباء لا يساعدون المرضى، فقد طلبت منهم أن يملأوا هم ملفات المرضى والتحضير للموافقات، غير أن هؤلاء يرسلون المرضى إلى الوزارة والأخيرة ترسلهم إلى الكرنتينا وهكذا دواليك».
يتبلّغ عدد من مرضى السرطان تباعاً رفض الوزارة لملفاتهم


«لا جواب»، هذا ما يملكه سليم الذي توقف هو الآخر علاجه المناعي «ربما لأنه غالي الثمن كما قال لي الطبيب، إذ إن العلاج غير خاضع لبروتوكول الوزارة». وربّما هو الجواب الذي يتسلّح به معظم المرضى، المرفوضة أسماؤهم، لكونهم لا يدركون حتى اللحظة المعايير التي على أساسها صدر الحكم. وكان سبق لسليم أن عاش الضياع نفسه مع الانقطاع الذي طاول أدوية السرطان، قبل أن يظنّ أن الانفراجة قد تأتي مع قرار وزارة الصحة بتطبيق نظام تتبّع الأدوية Meditrack الذي حصر علاقة المريض بطبيبه والمستشفى، حيث يتلقى الدواء هناك. يومها، تحمّس سليم كما غيره للإجراءات المطلوبة لتحصيل الموافقة «طلبوا منا الكثير من المعلومات، ثم قالوا لنا إننا سنتلقى رسالة عبر الهاتف من الوزارة في ما يخصّ الملف، إلا أنها لم تأت، وعندما حضرت في موعد تلقي العلاج، قالوا لي إن اسمي رُفض من دون ذكر سبب الرفض».
بالنسبة إلى المرضى، القصة ليست بهذه البساطة، ففي حالة السرطان الذي يسمونه «الخبيث»، لا يكون الرفض سهلاً، إذ إن هناك بروتوكولات طبية تستدعي إعادةُ النظر فيها نقاشاً جدّياً عما يمكن أن يكون البديل، ولا تكفي وصفة طبية بديلة لاستبدال الرفض بالموافقة. وبسبب هذه الإشكالية، تتأجّل مواعيد علاج بعض المرضى بانتظار إيجاد حلّ لا يملكه أحد حتى اللحظة. أضف إلى ذلك أن توقف العلاج يعني «تراجع الحالة، خصوصاً أن خلايا السرطان تتجدد كل 21 يوماً وأحياناً أقلّ، وتأخر الجلسات يعني تراجعاً في الحالة التي وصلنا إليها»، يقول سليم.