هذه الشهادة تُكتَب بهدف التوعية، وليس لإثارة الشفقة. فرغم سهولة الوصول إلى المعلومات في هذا الوقت، وكثرة حملات التوعية بشأن الكثير من القضايا، تبقى التوعية ضد الأمراض المتناقلة جنسيّاً محدودة، وخصوصاً في مجتمع يدّعي المحافظة، ويظنّ كثيرون فيه أن «البيئة المحافظة» رادعة للممارسات الجنسيّة، متناسين أن «المحافظة» في مجتمعنا تسري على النساء حصراً، لا على الرجال.أقمت علاقتي الجنسية الأولى في أواخر عشرينياتي، بعد الزواج. وكنت لا أزال عذراء إلى حين الزواج ولم أُقِم أيّ علاقة جنسية قبل ذلك. بعد مضيّ فترة أشهر على زواجي، بدأت أشعر بانزعاج شديد أثناء ممارسة الجنس وقررت وقتذاك أن أزور طبيباً نسائياً. في أواخر عشرينياتي، زرت طبيباً نسائياً لأول مرة، ظناً منّي أنه لم يكن هناك داعٍ لزيارته بما أنني كنت «عذراء» لأكثر من 27 عاماً. حجّة استفزّت طبيبي الذي تفاجأ كيف لصبيّة متعلمة، حسب قوله، أن تعي متأخرة أهمية الفحص النسائي «شو خص إذا vierge أو متزوجة» سألني مؤنّباً.
في أواخر عشرينياتي، وبعد علاقتي الجنسية الأولى وزيارتي الأولى لطبيب نسائي، أتت نتيجة فحوصاتي الأولى: «التهاب حاد في المهبل»، و«أثر لخلايا غير طبيعية في عنق الرحم»، مع ملاحظة من المختبر: «ينصح بإجراء فحص فيروس الورم الحليمي البشري hpv».
تسلّمت التقرير الطبي من المختبر وبدأت بقراءة النتائج المكتوبة بلغة طبية كانت أشبه باللغة الصينية بالنسبة إليّ. ما هذا الفيروس؟ ولماذا لم أسمع به مسبقاً؟ كيف انتقل إليّ؟
لجأت إلى «غوغل»، وبدأت رحلة البحث عن المصطلحات الواردة في التقرير الطبي، وعن فيروس hpv، وكانت نتيجته الأولى بأنه فيروس ينتقل جنسياً، وشائع بين الأشخاص الذين يمارسون الجنس مع شركاء عدة. ولهذا الفيروس أنواع متعددة، بعضها يسبب الثآليل، وبعضها «مسبّب أساسي لسرطان عنق الرحم، بالإضافة إلى التدخين، وهو فيروس ينتقل من الجلد إلى الجلد، حتى لو مارست جنساً آمناً، ولا داعي لممارسة جنس كامل حتى تصاب به…». لم أقوَ وقتها على استيعاب هذا الكمّ من المعلومات، عدا عن تفكيري في احتمال أن يكون السبب خيانة زوجي، ونقله هذا المرض إليّ.
عدت إلى المنزل وأنا في حالة من الذهول والخوف والصدمة. صرت أتفحّص بشكل هستيري «منطقتي» ووجهي وفمي ويداي وكلّ أعضاء جسدي بحثاً عن أيّ مظهر غير طبيعي قد يكون مؤشراً لأيّ عارضٍ يسبّبه الفيروس. وبدل السيناريو الواحد، بتّ أفكر بمئة سيناريو.. ماذا سأقول لأهلي؟ هل زوجي يخونني؟ هل كان يعلم ولم يطلعني على إصابته؟ هل ستتفاقم حالتي؟ وما هو العلاج؟ هل سأخسر رحمي؟
مجدداً، سألتُ «غوغل» كلّ هذه الأسئلة، وفي كلّ مرة كانت تظهر فيها نتائج البحث أسوأ من سابقتها مرفقة بصورٍ شنيعة كادت تسبب لي انهياراً عصبياً... لم أطلع زوجي على ما قرأت، وقرّرت أن لا أتصرف بتهور قبل معرفة التفاصيل العلمية من الطبيب. حان موعدي الثاني مع الطبيب، وهرولت مسرعة حاملة معي كل هذا القلق.
حرص طبيبي في زيارتي الثانية على أن يطمئنني ويحذّرني في آن. سألني إن كانت لزوجي علاقات سابقة فأجبته «هو رجل...». يعني بالطبع لم أكن أول وآخر شريكة له في حياته. أسهب في الشرح أنه لا يستطيع، كطبيب، أن يجزم إن كان زوجي قد أصيب بالفيروس حديثاً أو قبل أشهر، لأنه نفسه قد يكون جاهلاً بإصابته، إذ ليس من الضروري أن يسبّب له الفيروس أية عوارض. ثم سألني، لماذا لم آخذ اللقاح؟ وكان جوابي «الجاهل»، أني «بحياتي لم أسمع به».
في قرارة نفسي، لمت أهلي ومدرستي وجامعتي وكل من التقيت به ولم يعتبر أن هناك داعياً لتوعيتي بهذا الشأن. واللوم الأكبر كان على زوجي، الذي اعترف لاحقاً بممارسة الجنس مع امرأة أخرى، وابتليت أنا بعواقب فعلته.
«في عمرك من المرجح أن يختفي الفيروس من تلقاء نفسه، ولكن بعضه يبقى ويتطور». قال الطبيب مطمئناً، ثم أضاف «بيئتك الحاضنة تعاني من مشاكل عدّة، والفيروس إحداها، ويجب أن نقوم بخطوات عديدة كي نتخلص منه ونعيدك إلى بيئة حاضنة صحيّة».
بيئتي الحاضنة، أي الرحم والعنق والمهبل وكلّ «المنطقة» التي لم يعاينها طبيب يوماً، عانت - قبل الزواج - من التهابات طويلة الأمد، وعوارض مزعجة كنت أشكو منها منذ صغري، ولكن اكتفت الطبيبة التي لجأت والدتي إليها في الماضي بوصف مرهم خارجي للعلاج... الأمر الذي، مع الوقت، فاقم الوضع سوءاً.
كان الأهم في رحلة علاجي - وهي رحلة امتدت لخمس سنوات - التخلّص من الخلايا غير الطبيعية التي قد يحوّلها الفيروس إلى خلايا مسرطنة، وطرد الفيروس من جسمي. وعلى مدى خمس سنوات، «كوى» طبيبي بالكهرباء هذه الخلايا التي حرص على فحصها كلّ ستة أشهر. ومع كل «كوية» كنت أستلقي على ظهري على كرسي في عيادته، أشمّ رائحة الحريق المنبعثة من «منطقتي»، وأفكر كيف سبّبت خيانة زوجي لي كلّ هذه المعاناة التي كان بالإمكان تجنبها بلقاح بسيط. طوال خمس سنوات، انكويت وتألمت وغضبت وبكيت، واقتنعت بأنني قد أخسر قدرتي على الإنجاب، وبأن أحد أسباب موتي المحتمل مستقبلاً بات مكشوفاً: سرطان عنق الرحم.
ولكن بما أن المستقبل ليس كما نفترضه، أتت نتيجة فحوصاتي بعد خمس سنوات «سلبية». عادت خلاياي إلى حالتها الطبيعية، ولا أثر للفيروس في عنق الرحم. طردته مناعتي التي حرصتُ أيضاً على تقويتها طوال خمس سنوات بالرياضة والأكل الصحي والفيتامينات وتجنّب أيّ توتر.
للمفارقة، كانت كلمة négative المطبوعة على التقرير الطبي، الخبر الإيجابي الذي «شلّني» في باحة المستشفى، حيث بكيت فرحاً لساعات على مقعد الانتظار.
هذه الشهادة هي بالمختصر المفيد؛ إذ إن حجم القلق والخوف واللوم والغضب لا يسع في سطور، وهو لا يقتصر على الألم الجسدي. خيانة زوجي لي، والعواقب التي سبّبتها كانت من أصعب التجارب التي مررت بها، إلا أنها، بشكل أو بآخر، كانت سبباً دفعني إلى زيارة طبيب حرص على توعيتي بشأن الطرق السليمة للاعتناء بأنفسنا، وكيفية الوقاية والتنبّه من عوارض معينة قد تتفاقم لأمراض معقّدة، سواء كنا عذراوات أو لا.
وبالمختصر المفيد أيضاً، قد يعتبر البعض أن «التربية المحافظة» في مجتمعنا هي رادعٌ مضمون، ولكن بما أن المحافظة تسري على الفتاة دون الشاب، فالأكيد أن التوعية بشأن الممارسات السليمة من النظافة الشخصية إلى الجنس الآمن واللقاح ضد الفيروس هي رادعٌ أكثر ضمانة وخير واقٍ من أمراض مستعصية وتجارب بشعة يسهل تجنّبها... بلقاح.