لا يحتاج أهالي البيسارية وجوارها إلى خلاف فردي جديد مع أحد النازحين السوريين، ليجدّدوا النقمة العارمة ضدهم. آخر الشرارات التي حرّكت نار العنصرية والتحريض، كانت اكتشاف كاميرا مراقبة يوم الأحد الماضي، داخل غرفة تبديل الملابس في أحد المحال التجارية الذي يديره سوري في العاقبية.السوق الصناعي والتجاري التابع للبيسارية (قضاء صيدا) شهد سابقاً إشكالات متكرّرة مع العمال السوريين، الذين بدأوا بالتوافد إلى المنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي. تلك الإشكالات، وآخرها الكاميرا الخفية، أثارت الجدل المحلي حول ازدواجية التعاطي مع الجيران.

المنزل تحت المراقبة
حتى مساء أمس، كان منزل آل عويجي في البيسارية تحت المراقبة بعد انتشار شائعات عن احتمال إخلاء سبيل ابنهم م. المتهم بتركيب الكاميرا في المحل، الذي يديره والده ع. وكلاهما، الوالد والابن أُوقفا بعد اكتشاف الأمر من قبل محمد نصرالله، أحد الزبائن الذي ادّعى عليهما أمام مخفر عدلون.
في حديث لـ«الأخبار»، يقول نصرالله إنّه تنبّه إلى وجود الكاميرا الخفية «بتسديد من الله لحماية أعراض الناس». لم يحصر نصرالله المتضررين، نساء ورجالاً، بالسوريين الذين يجدون حاجاتهم في المحل المجاور لتجمّعاتهم. «شو ما بدك فايت ناس عالمحل» يقول في إشارة إلى نسبة الزبائن الذين رصدتهم الكاميرا. في المقابل، لم يكشف المتضرّرون المفترضون عن هوياتهم. وفيما كان ادعاء نصرالله قضائياً، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة تحريض من مختلف المناطق، ضد النازحين السوريين، حملت دعوات إلى طردهم وإقفال محالّهم.
وإثر ادّعاء نصرالله، وبناءً على إشارة النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب، أُوقف الوالد ونجله، قبل أن يُخلى سبيل الأول «الذي تبيّن عدم معرفته بفعلة نجله» بحسب مصدر أمني. لا يمكن ضبط رد فعل الشارع في حال أخلي سبيل الشاب الذي يبلغ من العمر 21 عاماً. وكردّ فعل أولي، قام شبان بإشعال النيران في سيارته التي كانت مركونة أمام منزله. قامت القوى الأمنية بناءً على إشارة النيابة، بإقفال المحل بالشمع الأحمر.

إهمال مزمن؟
وبحسب رئيس بلدية البيسارية نزيه عيد، فإن اتفاقاً حصل بين مالك المحل (وهو لبناني من أبناء البيسارية) والمستثمر السوري ع. عويجي على أن يخلي المحل ويغادر المنطقة مع عائلته. وكان عيد قد اجتمع أمس بفعاليات المنطقة وممثلي أحزابها وممثلي الجمعيات العاملة في شؤون النازحين السوريين. واعتبر في حديث لـ«الأخبار» أن حادثة الكاميرا «نتيجة للإهمال المزمن في التعاطي بالملف السوري». وذكّر بقيامه منذ خمس سنوات بحملة إقفال للمحال التي يديرها النازحون في العاقبية والبيسارية بشكل مخالف للقانون. «هناك محالّ كثيرة افتُتحت بالآلية نفسها على غرار المحل الذي شهد الواقعة. المالك لبناني يسمح للنازح السوري باستثمار المحل خلافاً للقانون. حينها، تعرّضت لهجوم من بعض الأحزاب والفعاليات واتُّهمت بالعنصرية وبقطع أرزاق اللبنانيين المستفيدين». ودعا عيد القضاء والقوى الأمنية إلى إقفال المحال غير الشرعية التي لا يحوز أصحابها على تراخيص من الوزارات المعنية، فضلاً عن أن معظمهم يقيمون بطريقة غير شرعية ولا يجدّدون إقاماتهم لدى الأمن العام.

قلق لدى السوريين
جريمة م. عويجي خضّت المجتمع السوري في المنطقة. على غرار جرائم أنصار وعقتنيت، اتخذ السوريون إجراءات وقائية لامتصاص غضب المضيفين. تراجعت حركتهم في العاقبية يوم أمس. بعضهم رفض التعليق على الحادثة وبعضهم دعا إلى حصر الانتقام بالمرتكب. مختار البيسارية أحمد حسن روّج لذلك. «ولا تزر وازرة وزر أخرى. فلتكن المحاسبة محصورة بالأب وابنه». لكنه استطرد قائلاً تعليقاً على الحملة ضد محالّ السوريين: «الحق ليس عليهم. بل على اللبنانيين». علماً أن هذا المحل قد شهد حركة مزدهرة في السنوات الماضية من الزبائن اللبنانيين، برغم سورية بضاعته وإدارته. «اللبناني صار همه البضاعة الأرخص».