ليس من المستغرب أن تطال التحولات التي طرأت على المجتمع في لبنان «السلوك الجنائي»، في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. فأصبح الفرد يلجأ إلى طرق غير قانونية وغير أخلاقية وأحياناً جنائية لتأمين حاجاته الأساسية و«يزبّط حالو». مثل أن يعطيك ناطور المبنى فاتورة ملغومة، أو أن يقوم الموظف بسرقة محتويات شركته، أو أن تنشط العصابات لسرقة كابلات الكهرباء. أنماط جنائية جديدة ابتكرها بعض الأفراد للبقاء على قيد الحياة، فيما يستغلها آخرون لتكوين عصابات منظمة. نعرض في هذا التقرير ملاحظات عن أنماط جنائية وقعت في أواخر سنة 2022، بعد متابعة بيانات قوى الأمن الداخلي. علماً أن البيانات تعود إلى الحوادث والجرائم التي تم التبليغ عنها، حصراً، إلا أنها تعكس أنماطاً جنائية جديدة لا بد من التوقف عندها ودراستها. مع الأخذ بعين الاعتبار أن تلك الأرقام لا تعكس الصورة الدقيقة للسلوك الإجرامي لا سيّما وأن العديد من الجرائم لا يتم التبليغ عنها لأسباب كثيرة
لا تقتصر جرائم السرقة على نوع محدد، كما أن أغلبية تلك السرقات ليست جنح، بل جنايات. ومن ضمن الـ 55 جريمة سرقة على مدى شهرين، سُرقت 15 شقق سكنية عبر الكسر والخلع، وحتى التهديد بالسلاح واستعمال العنف المعاقب عليهم بحسب المادة 638 فقرة 5-6 والمادة 639 فقرة 1-3 من قانون العقوبات اللبناني. ولم يقتصر الجرم على دخول الشقق السكنية، بل تعدّاها لإطلاق نار على أحد المواطنين أثناء قيادته سيارته، وسلبه مبلغ مالي. كذلك لم تسلم ممتلكات الدولة من السرقات الجنائية، ومنها: سرقة الكابلات الكهربائية (6 سرقات بحسب بيانات القوى الأمن الداخلي) وقعت ضمن عدة مناطق، الأمر الذي أدى إلى أضرار في الشبكة العامة الكهربائية. تلك السرقات معاقب عليها بحسب المادة 638 فقرة 1 من قانون العقوبات اللبناني. أحد موظفي شركة كهرباء لبنان أكد للقوس أن حالات سرقة الكابلات الكهربائية في ارتفاع، مما يشكل تفاقم المشكلات في الشبكة، والتي تعاني أصلاً منذ عام 2019. لا سيّما وأن إعادة تركيب تلك الكابلات قد يتطلب مدة تفوق العشرة أيام بعد إبلاغ شركة الكهرباء عن العطل الناتج عن السرقة، فتقوم بتحضير تقرير لدى المخفر الواقع ضمن نطاق السرقة، لأخذ الإذن بإعادة تركيب الكابلات من جديد. أما عن سبب إقدام سرقة تلك الكابلات، فذلك يعود لبيعها بالدولار الطازج بمعدل 40$ للمتر الواحد من الكابل.

حاميها حراميها
سبعة بلاغات صدرت مؤخراً عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي حول حوادث مماثلة، نذكر منها:
تبيّن بعد التحقيق وبيانات قوى الأمن الداخلي أن موظفين في شركات خاصة أقدموا على سرقة موجودات تلك الشركات أو مبالغ مالية خلال عملهم. كما أقدم نواطير ومستخدمين على سرقة الشقق التي يفترض أن يقوموا بحراستها. قد يعود ذلك إلى سهولة حدوث السرقة كَون الموظف أو المستخدم على علم تام بتفاصيل المكان المستهدف. وغالباً ما يكون لهؤلاء شركاء في الجريمة، فمع تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، أصبح من السهل إقناع المستخدم أو الموظف بإلحاق الضرر بشركته أو رب عمله لكسب المزيد من الأموال.





عصابات لتعليم الجرائم؟
تم إلقاء القبض على 24 عصابة خلال الشهرين المنصرمين، بحسب بيانات قوى الأمن الداخلي. تنوّعت الأنشطة الإجرامية بين السرقة (دراجات نارية، سيارات، منازل، هواتف خلوية) وترويج المخدرات. كما يُلاحظ وجود تفاوت في أعمار أعضاء بعض العصابات، والذي قد يعود إلى إقدام الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة، للمرة الأولى، على تنفيذ جرائم السرقة المغرية مادياً بالتزامن مع ارتفاع نسب البطالة والغلاء المعيشي.
فعصابة سرقة المنازل في النبطية، تضم ثلاثة أفراد يبلغ عمر الأول 42 سنة، والثاني 28 سنة، أمّا الثالث 23 سنة، بحيث تبيّن خلال التحقيق أن الموقوف الأكبر سناً يقوم بدلالة الآخرين على المنازل التي غادرها أصحابها لفترة مؤقتة والتي يوجد فيها مبالغ مالية، فيقوم باقي الأفراد بتنفيذ الجريمة. كما يبلغ عمر أحد أفراد عصابة سرقت إحدى الشقق السكنية 50 سنة، وهو -بحسب التحقيقات- الرأس المدبر للعصابة ومن أصحاب السوابق الجرمية بقضايا مخدرات وسرقة. أمّا الثاني فيبلغ من العمر 29 سنة والثالث 26 سنة.

فوضى السلاح والرصاص الطائش
ظاهرة تفلّت السلاح ليست جديدة، فقد سُجّل 25 حادث نتيجة اشتباك مسلح وإطلاق نار وقعوا خلال الشهرين المنصرمين، بين إطلاق نار عشوائي في الهواء وترك الأسلحة الفردية بيد الأطفال. تتكرر تلك الحوادث دون أي معالجة من أجل ردع وإيقاف ظاهرة السلاح المتفلّت، إن كان على صعيد الضابطة العدلية أو على صعيد الفرد البعيد كل البعد عن تحمّل المسؤولية.
حالات سرقة الكابلات الكهربائية في ارتفاع، مما يشكل تفاقم المشكلات في الشبكة


ولا بد من التذكير هنا على ضرورة ضبط جميع الأسلحة الفردية من قِبل الأفراد الذين لا يملكون رخصة سلاح، وإعادة تنظيم إعطاء مثل هذه الرخص (راجع القوس: «إعادة تنظيم ترخيص السلاح: لمنع الإفلات من العقاب). من تلك الحوادث نذكر:
- إصابة أحد المواطنين برصاصة استقرت عن طريق الخطأ برأسه بعد أن كان جاره يلهو بمسدسه الحربي.
- مقتل طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات بعد إصابته بطلقة نارية عن طريق الخطأ أثناء لهوه بالمسدس الحربي داخل منزله.
- إصابة مسن في ظهره عن طريق الخطأ نتيجة إشكال تخلّله إطلاق نار من مسدسات فردية.
- إطلاق نار باتجاه أحد الأشخاص داخل حرم معهد في طرابلس.
- إصابة طائرتان تابعتان لطيران الشرق الأوسط في مطار بيروت الدولي، برصاص طائش ليلة رأس السنة.

القتل «عن أبو جنب»
لا تشكل جريمة القتل على خلفية أفضلية مرور في طرابلس الحالة الوحيدة للقتل لأسباب سافلة وسخيفة، والتي يعاقب عليها قانون العقوبات اللبناني في المادة 548 فقرة 1. فخلال الشهرين المنصرمين، وقعت ثلاث جرائم قتل لسبب سافل:
- جريمة قتل على أفضلية مرور التي سبق أن تم ذكرها.
- جريمة قتل على خلفية تقطيع أسلاك.
- جريمة قتل عبر الضرب بالساطور على رأس المغدور بسبب خلافات شخصية.
- وفي حادثة وقعت أثناء مباراة لكأس العالم لكرة القدم خلال شهر تشرين الثاني قام أحد مشجعي المنتخب الألماني بإطلاق النار على أحد مشجعي المنتخب البرازيلي وإصابته.
بالإضافة إلى القتل لسبب سافل، وقعت جريمتين قتل لتسهيل جريمة أخرى. إذ أقدم فيها المتهمين على ارتكابها من أجل السرقة. وهذه الجريمة معاقب عليها بالإعدام بحسب المادة 549 فقرة 2 من قانون العقوبات اللبناني.
ما سبب إقدام المتهمين على ارتكاب تلك الجرائم بدوافع سخيفة وتمهيداً للسرقة؟ هل هي نتيجة تعاطي المخدرات؟ أم أوضاع اقتصادية ومعيشية وضغوطات حياتية؟ لا مبرر لارتكاب جريمة القتل أو السرقة أو أي جريمة أخرى. لكن، قد يكون من الأفضل طرح هذه الأسئلة من أجل ردع وتفادي وقوع تلك الجرائم عبر معالجة الأسباب ولا النتيجة.
مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية وارتفاع معدل البطالة واستمرار السجون باحتجاز حرية السجناء من دون إعادة تأهيلهم وإصلاحهم، هل سيضاف أنماط جنائية جديدة في عام 2023؟