عادت الاتصالات بشأن الملف الرئاسي إلى دائرة الضوء بقوة محلياً وخارجياً. ويبدو أن البطريرك الماروني بشارة الراعي سيكون في المرحلة المقبلة محوراً أساسياً في هذا الملف. علماً أن الجهود التي بدأها النائب جبران باسيل منذ الصيف الماضي لم تصل إلى نتيجة تحسم إقناع بكركي بإدارة الملف من زاوية أن أي رئيس للجمهورية يجب أن يحظى بشرعية حقيقية عند المسيحيين أولاً. وتنطلق مبادرة باسيل من فكرة أن الراعي يمكنه إدارة حوار مسيحي – مسيحي حول الأمر قبل الذهاب نحو تفاوض يؤمن غالبية لبنانية داعمة للمرشح الرئاسي.في غضون ذلك، تواصل باريس والدوحة مساعيهما للتوصل إلى تسوية تقوم على مرحلتين: الأولى تستهدف التفاهم مع مسيحيي لبنان أولاً، والثانية تستهدف التفاهم مع حزب الله. وأن عنوان المساعي حول التوصل إلى مرشح لا يتصادم مع «المجتمعين العربي والدولي»، أي عملياً أن يحظى الرئيس المقبل برضى الأميركيين والسعوديين. ومع أن المرشح الفعلي هو قائد الجيش العماد جوزيف عون، فإن هذا التحالف لمس من خلال مفاوضات جرت خلال الأسبوعين الماضيين، بأنه لا يمكن فرض قائد الجيش على غالبية وازنة من القوى السياسية. وقرر الجانبان الفرنسي والقطري تطوير التواصل مع قائد الجيش الذي يجري التحضير لزيارة رسمية له إلى قطر، مع همس حول إمكانية ترتيب زيارة أيضاً إلى السعودية في حال أفلحت الاتصالات الخارجية في إقناع ولي العهد السعودي بالانخراط بشكل أكبر في الملف اللبناني.
غير أن الجديد - القديم هو سعي البعض إلى أن تشمل التسوية الرئاسية ملف الحكومة المقبلة. وفيما يقود التيار الوطني الحر معركة الإتيان بحكومة لا يتولى رئاستها شخصيات مثل الرئيس نجيب ميقاتي، فإن الأخير، الذي يتولى جانباً من الاتصالات مع الفرنسيين، يسعى بقوة من خلال باريس للوصول إلى تفاهم مع السعودية ومصر ليكون على رأس الحكومة المقبلة، أياً يكن رئيس الجمهورية المقبل. وأن في حالة الموافقة العربية فإن الأميركيين لن يقفون في وجهه.
وينطلق ميقاتي في مساعيه من نتائج سابقة للحوار الفرنسي - السعودي حول دور رئيس الحكومة. ويومها قال السعوديون للفرنسيين «إنكم تتحدثون معنا عن سعد الحريري ونجيب ميقاتي، الأول كان هو رجلنا وصار في حضنكم ولكن الثاني هو رجلكم وبقي في حضنكم» وهو السبب الذي وقف خلف امتناع السعودية عن إطلاق أي موقف إيجابي من حكومة ميقاتي.
ميقاتي يسعى مع فرنسا والسعودية ليبقى رئيسا لحكومة العهد الجديد


وأبلغت مصادر مطلعة «الأخبار» أن ميقاتي نجح على ما يبدو في كسر الحصار. وتمكن من عقد لقاء مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وسط تضارب في المعلومات حول مكان اللقاء وزمانه ومدته، بينما قال مطلعون إن الاجتماع تم في شرم الشيخ وليس على هامش افتتاح بطولة كأس العالم في قطر، وإنه لم يدم طويلاً. لكن آخرين قالوا إن الاجتماع استمر لأكثر من 45 دقيقة، لافتين إلى أن ميقاتي لن يأتي على ذكر الأمر، بل قد ينفيه لتجنب إزعاج السعوديين الذين بدأوا أخيراً نقاشاً حول طريقة التعامل مع الملف اللبناني انطلاقاً من الاستحقاق الرئاسي.
وكان باسيل زار أمس البطريرك الماروني وبحث معه في أمرين، الأول يتعلق بإمكانية أن تقود بكركي حواراً مسيحياً – مسيحياً حول الرئاسة، وقد اقترح باسيل أن يوجه الراعي دعوة إلى القيادات المسيحية البارزة، لكن الأخير أبلغه أن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع ليس في وارد مثل هذه اللقاءات الموسعة، وأن آخرين لديهم مواقف مشابهة. ولذلك تم اقتراح أن يتولى الراعي شخصياً حوارات ثنائية مع جميع الأقطاب المسيحيين قبل الوصول إلى خلاصة في شأن الملف الرئاسي.
وإلى جانب الملف الرئاسي، كان موضوع «التعدي على صلاحيات رئاسة الجمهورية» محور الاجتماعين بين الراعي وباسيل على حدة ومع الرئيس السابق ميشال عون من جهة ثانية. وكان واضحاً أن الرئيس عون لا يريد توسيع دائرة السجال العلني حول ما حصل في الملف الحكومي.
باسيل عادَ وأكد من بكركي أن «ما حصل بشأن انعقاد جلسة مجلس الوزراء لا يجب أن يمر بشكل عادي»، مشيراً إلى أنه استكمل مع البطريرك الراعي ما كنا بدأناه في موضوع الرئاسة، للوصول إلى شخصية تحظى بتأييد الثلثين. وهذا الموقع له رمزيته وعلينا مسؤولية بالانفتاح على الجميع»، ودعا إلى متابعة حلقته التلفزيونية يومَ غد على قناة الـ «أل بي سي»، معلقاً على الخلاف مع حزب الله بالقول «هم من يقرر مصير العلاقة. وأنا رجل مُسالم». وفيما اعتبرت مصادر بارزة أن «ما يحاول باسيل القيام به على المستوى المسيحي لن يؤتي ثماره لأن أحداً من القوى السياسية لن يقبَل به»، أشارت إلى أن «كلامه يوم الأحد سيكون مفصلياً لجهة العلاقة مع الحزب والتي سيحددها السقف الذي سيعتمده في مقاربته للأزمة»، مرجحة أن «لا يذهب بعيداً في تعميق الخلاف».
من جهة أخرى، حضر الملف اللبناني في القمة السعودية – الصينية التي انضم إليها ميقاتي، من خلال عبارات أكدت على سياسة الرياض تجاه لبنان في السنوات الأخيرة، وأتت مشابهة للبيان السعودي – الفرنسي المشترك الذي صدر قبل عام إثر زيارة قامَ بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة، مؤكدة «أهمية إجراء الإصلاحات اللازمة، والحوار والتشاور بما يضمن تجاوز لبنان لأزمته، تفادياً لأن يكون منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية، التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، أو مصدراً أو معبراً لتهريب المخدرات».