يبدو أنّ تطبيق القانون في لبنان اختيارياً ومحدوداً من حيث المكان والزمان. فإذا ما شاءت أي جهة رسمية مراقبة مدى الالتزام بالقانون، تصدر بياناً توزعه على وسائل الإعلام تعلن فيه أنها - مشكورة - ستقوم بعملها لساعات تبدأ من وقت محدد وتنتهي في وقت محدد. وفي هذا مخالفة لأبسط قواعد التفتيش وأصوله. إذ يبدو الأمر وكأن الجهات الرقابية تُبلغ المخالفين بأن: انتبهوا ولا تخالفوا لهذا اليوم أو لهذا الأسبوع، وبعد انتهاء مهلة المداهمة قوموا بما تشاؤون! إنها بلاد الإصلاح الطوعي وكأنها حملات لتحديد النسل اختيارياً. وهذا يحصل في قطاعات عدة تعلن فيها الجهة المختصة، بالتاريخ والساعة، أنها ستبدأ حملة مؤقتة لمراقبة تطبيق القانون، كما في جولات مراقبة حماية المستهلك مع القوى الأمنية، وفي حملات نزع التعدّيات على شبكة الكهرباء أو مكافحة زراعة المخدرات.. وآخرها إعلان نقابة الصيادلة، في بيان، أنها ستبدأ صباح الخامس من كانون الأول 2022 حملة لمراقبة مدى التزام الصيدليات، ولهذا: أيّها المخالفون انعموا بيومَي السبت والأحد، وانتبهوا الإثنين، وعودوا إلى المخالفة الثلاثاء!

(أنجل بوليغان ــ المكسيك)

وفقاً لقانون تنظيم مهنة الصيدلة ومرسوم تنظيم وزارة الصحة، تكلّف وزارة الصحة جهازَي التفتيش (دائرة التفتيش الصيدلي في مصلحة الصيدلة أو دائرة تفتيش المستشفيات لجهة المستشفيات) القيام بعمليات التفتيش، ويضع المفتش محضراً بذلك، ما يعني مباغتة المخالفين، وهي نفسها المداهمة المنصوص عليها في المادة 164 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف. إذ يجوز القيام في أيّ ساعة من ساعات النهار والليل بعمليات المعاينة والتفتيش والضبط في الأماكن التي يجري فيها بطريقة غير مشروعة، صنع أو تحويل أو تخزين مواد مخدرة شديدة الخطورة أو خطرة أو سلائف أو معدّات أو أدوات معدّة لزراعة أو إنتاج أو صنع هذه المواد بطريقة غير مشروعة. ويجوز كذلك مداهمة الأماكن التي يجتمع فيها أشخاص لتعاطي عقاقير مخدرة شديدة الخطورة، ويجب أن يسبق العملية، الحصول على موافقة النيابة العامة إذا كانت ستجري في مسكن. كما أن هذه العمليات تقع في صلب مهام القوى المختصة التي يفترض أن تقوم بأعمالها بسرية مطلقة.
ووفقاً لقانون حماية المستهلك، يتولى موظفو مديرية حماية المستهلك والمصالح الإقليمية، المكلفون خطياً وفقاً للأصول، مراقبة تطبيق قانون حماية المستهلك. كيف يكون ذلك؟ بزيارات ميدانية مباغتة، أي أن ما يقتضي أن يحصل هو أن يحضر المراقبون أو المفتشون فجأة ومن دون سابق إنذار إلى المؤسّسة المعنية لضبط المخالفة.
في مخالفات البناء، يعلم المواطنون بأن القوى الأمنية ستأتي غداً، وأحياناً يصدر بيان يدعوهم إلى الالتزام بالقانون -طبعاً قبل الغد- رغم أنه بموجب قانون البلديات، يحق للموظفين البلديين المنوط بهم تطبيق أو مراقبة تنفيذ القوانين والأنظمة المتعلقة بالصحة العامة والنظافة العامة والبناء وتسهيل التجول في الشوارع والساحات العامة، ضبط مخالفات القوانين والأنظمة. فالبلديات مراكزها داخل البلدات وهي سلطات لامركزية، عليها أن تكون حاضرة دائماً، وإلا ما فائدتها؟ ولكن الانتخابات تسمو على تطبيق القانون، وهذا المخالف يصوّت معنا، لذا فإن إصدار البيان يخفّف الإحراج وحين حضور العناصر تكون المخالفة قد تمّت تغطيتها.
أبلغت مؤسسة كهرباء لبنان المواطنين عبر تصريحات عمّا يسمّى «مصادر»، أنها ستبدأ حملة لنزع التعدّيات على الشبكة الكهربائية مطلع كانون الأول. وسننتظر أياماً لنرى التسريبات الإضافية التي ستصدر ليبني المواطنون موقفهم على أساس التسريب المرتقب الذي سيحدد التوقيت والمكان.
كما أنّ مؤسّسات المياه تفعل الأمر نفسه، ومنها مؤسسة مياه لبنان الجنوبي التي أعلنت في بيان أصدرته في 11 آب أنها ستبدأ في 25 آب حملة لإزالة التعدّيات على الشبكات بأنواعها كافة وتسطير محاضر ضبط وغرامات مالية تتجاوز قيمة الاشتراك السنوي، و«نصحت» المواطنين بتصحيح أوضاعهم والمبادرة إلى إزالة التعدّيات طوعياً (شفاطات، وصلات منزلية على الشبكة العامة، وصلات تجارية، تعدٍّ على منشآت أو شبكات عامة على اختلاف أنواعها).
انتبهوا ولا تخالفوا لهذا اليوم أو لهذا الأسبوع، وبعد انتهاء مهلة المداهمة قوموا بما تشاؤون!


قبل الأزمة المعيشية، كان المواطنون يتناقلون رسائل تتعلق بضبط السرعة تفيد بأن رادار القوى الأمنية سيكون «شغالاً» بين الساعة 12 ظهراً و6 مساءً، لذا على سالكي الأوتوستراد في هذا الوقت توقّي الحذر وعدم السرعة، ربما يساهم ذلك في تجنب السرعة. ولكن ليس هكذا تدار البلاد. فضبط المخالفة هو سيرة حياة المفتش أو المراقب، والتزام القانون من قِبل المواطن هو تربية مستمرة.
في المدارس الرسمية، يعلم المدرّسون والتلامذة وحتى أهاليهم أن مفتش وزارة التربية قادم في يوم معيّن، فيقوم عمّال النظافة بتنظيف المراحيض بإشراف المدير ليوم واحد طبعاً، ويلقّن المدرّسون التلامذة العلوم ببسمة عريضة وصوت ناعم شجيّ، وفي باقي أيام الأسبوع يعود التلامذة إلى بؤسهم.
الضبط القانوني للمخالفة لا يكون بإعلام المطلوب تفتيشه مسبقاً، ولا يكون على شاكلة حملات تنظيم الأسرة وتحديد النسل طوعياً، بل على شكل مداهمة حدّد القانون أصولها. وإلى حين القيام بذلك، سنبقى نعيش في ظل غياب كامل للسلطات الرقابية، اللهمّ إلا من خلال الحملة الأمنية أو حملة نزع التعدّيات. أمّا باقي الأيام فلا دولة، لأنه ليس يومها. والسؤال المشروع دائماً: لا نريد تفتيشاً، بل نريد دولة.. لشو التفتيش؟



Gazette الرسمية

لجان مراقبة الأفران / 1965
في العام ١٩٦٥، تم تشكيل لجان مشتركة من موظفي الإدارات العامة المختصة لتفتيش ومراقبة مؤسّسات الأفران أثناء الدوام الرسمي وخارجه، وذلك لجهة قانون العمل والشروط الصحية ومكافحة الغش.

انقر على الصورة لتكبيرها