وجّهت رئاسة مجلس الوزراء كتاباً إلى الوزراء (رقم 2069) في الثاني من كانون الأول الجاري، حدّدت من خلاله جدول أعمال الجلسة التي انعقدت في الخامس من كانون الأول (الإثنين الفائت). وتضمّن الجدول البند الآتي: «مشروع مرسوم يرمي إلى إبرام اتفاقية بين حكومة الجمهورية اللبنانية وحكومة الولايات المتحدة الأميركية بشأن قانون المساعدات الخارجية لعام 1961، أو التشريعات اللاحقة وقانون الرقابة على تصدير الأسلحة بصيغته المعدّلة والقسم 333 من قانون الولايات المتحدة رقم 10. والصلاحيات الأخرى لوزارة الدفاع الأميركية وتقديم المواد الدفاعية والتدريب ذي الصلة والخدمات الدفاعية الأخرى، على شكل منحة من الولايات المتحدة الأميركية إلى حكومة الجمهورية اللبنانية بموجب هذه الصلاحيات» (الفقرة السابعة).
(من الويب)

راجعت «القوس» نص قانون الرقابة على تصدير الأسلحة بصيغته المعدّلة، ونص قانون المساعدات الخارجية الأميركيين، والفقرة 333 من القانون رقم 10، وتبيّن أن دعم «إسرائيل» يبرز بشكل لافت ومكثّف في هذه التشريعات. إذ يتناول القانون الأول دعم «إسرائيل» في 27 فقرة، بينما يتناول القانون الثاني دعم «إسرائيل» في 51 فقرة، ولا يوجد ذكر لأي مساعدات أو تسهيلات مخصّصة للبنان.
يشير ذلك إلى الحجم المحدود جداً لكمية ولقيمة المساعدات التي يحصل عليها الجيش وسائر القوات المسلّحة اللبنانية من الولايات المتحدة، مقابل المساعدات العسكرية والمالية والإنمائية الضخمة التي تمنحها واشنطن لـ«إسرائيل». علماً أن القانون الأميركي للمساعدات الخارجية (الذي عُدّل في 15 آذار 2022)، يشير بوضوح إلى أن أحد أهداف المساعدات هو «تحفيز مسارات التطوّر التي تحترم الحقوق المدنية والاقتصادية للأفراد». بينما يرتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل شبه يومي جرائم بحق الفلسطينيين، وينال من أبسط حقوقهم الإنسانية مستخدماً أسلحة وعتاد حربي أميركي الصنع حصلوا على جزء منه من خلال برامج المساعدات الأميركية. بالتالي باتت الولايات المتحدة بمثابة مساعد على انتهاك الحقوق والإفلات من العقاب، بدل أن تحفّز على احترام الحقوق كما يرد في تشريعاتها. ولا بد من التذكير أن الجزء الأكبر من الأسلحة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي لقتل مدنيين وتدمير منشآت حيوية خلال عدوانه المتكرر على لبنان، وخلال احتلاله للعاصمة بيروت وللجنوب، كان بواسطة مساعدات أميركية لم تختصر على التغطية السياسية بل شملت كذلك تطوير الترسانة العسكرية الإسرائيلية.

أولوية حماية إسرائيل
في القانون الأميركي للرقابة على تصدير الأسلحة (رقم 90-629)، والتعديلات التي أُدخلت عليه في 27 كانون الأول 2021، يُذكر أن الأسلحة الأميركية «تباع أو تمنح للدول الصديقة فقط للأمن الداخلي وللدفاع المشروع عن النفس ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل» (القسم الرابع، الفقرة 2754). لكن هل يمكن أن يستخدم الجيش اللبناني أياً من الأسلحة التي حصل عليها كمساعدات أميركية للدفاع المشروع عن نفسه بوجه أي اعتداء من الجيش الإسرائيلي؟
تجيب الفقرة 2776 (القسم 36) من القانون نفسه على هذا السؤال، إذ يرد فيها حرفياً أن «أي ترخيص يتعلّق ببيع أو تصدير السلاح إلى أي بلد في الشرق الأوسط غير إسرائيل، يجب أن يتضمّن تأكيداً بأنه لا يؤثر سلباً في التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل في مواجهة التهديدات العسكرية التي تواجهها». فكيف يمكن أن يقوم الجيش اللبناني بواجباته الدفاعية من دون أن يكون مسموحاً له أن يطوّر قدراته ليلاقي أو يتفوّق على القدرات العسكرية للجهة المعتدية عليه؟
القانون الأميركي يستدعي «شرحاً مفصّلاً للقدرات العسكرية الإسرائيلية في مواجهة أي تطوير لقدرات عسكرية يكتسبها أي بلد في الشرق الأوسط من الولايات المتحدة الأميركية» (الفقرة 2776). وتتابع الفقرة نفسها في نص القانون بالإشارة إلى أن «التقييم المفصّل يفترض أن يتضمّن عرض الأهلية الإسرائيلية للرد على التطوير العسكري» لأي دولة في الشرق الأوسط.
كما أضاف المشرع «وجوب تحديد التحديث الذي تتطلبه القدرات العسكرية الإسرائيلية لناحية التدريب والتجهيز»، وتقديم «تطمينات إضافية لإسرائيل تتعلق بمبيعات الأسلحة». واللافت هنا تضمين نص القانون الأميركي تعريفاً لـ«التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل» Qualitative Military Edge، وهو «القدرة على مواجهة وإلحاق الهزيمة بأي تهديد بواسطة الأسلحة التقليدية من أي دولة أو مجموعة دول أو جهات غير حكومية، بأقل الأضرار والخسائر، وذلك بفضل القدرات العسكرية المتفوّقة والمتوافرة بشكل كاف، بما في ذلك الأسلحة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المتفوّقة تكنولوجياً على أي دولة أو مجموعة دول أو جهات غير حكومية».
يحدّد القانون الأميركي للرقابة على تصدير الأسلحة إطار المساعدات العسكرية وشروطها وأهدافها. إذ يذكر أن «الدول النامية تواجه صعوبة في تغطية حاجاتها المشروعة للدفاع بسبب الأثمان المرتفعة للمعدات الدفاعية» (القسم الأول الفقرة 2751).
وأضاف المشرع الأميركي في القسم نفسه إشارة إلى أن «الترتيبات مع الدول الصديقة تدفع نحو تحقيق هدف استخدام الموارد المتفق عليها في كل بلد في برامج ومشاريع تبادل معلومات وأبحاث وتطوير وإنتاج ودعم لوجيستي لتحقيق أهداف مشتركة». وتختم الفقرة في نص القانون بالحسم أن المساعدات ومبيعات الأسلحة الأميركية تهدف إلى «تعزيز تحقيق الأهداف الأمنية للولايات المتحدة الأميركية». وأن أي موافقة على تصدير الأسلحة ينبغي أن «تتلازم مع مصالح السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأميركية». حيث لا شك أن دعم وحماية «إسرائيل»، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، يشكلان أحد أسس السياسة الخارجية الإسرائيلية. ولا يكف المسؤولون الأميركيون عن تكرار مقولة «إن الدعم الأميركي لإسرائيل لا يتزعزع ولا ينحسر». كذلك شدّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأحد الفائت على ذلك، إذ قال إن «موضوع الشراكة بين الولايات المتحدة وإسرائيل كان دائماً مضموناً بالتزام الولايات المتحدة الصارم بأمن إسرائيل، وهو التزام لم يكن أقوى مما هو عليه اليوم» (أسوشييتد برس 4 كانون الأول).
ويتضمّن القانون الأميركي تسهيلات خاصة واستثنائية لتصدير الأسلحة إلى «إسرائيل». إذ يحدد القسم الثالث من قانون الرقابة على تصدير الأسلحة خمس دول، إضافة إلى دول حلف شمال الأطلسي، لا يتطلب تسليحها أميركياً توقيع اتفاق ثنائي معها هي: أستراليا، نيوزيلاندا، كوريا الجنوبية، اليابان وإسرائيل.

تجاوز التناقض الكبير؟
قانون الرقابة على تصدير الأسلحة الأميركية وقانون المساعدات الخارجية الأميركية، يمنعان بشكل قاطع التعامل مع أي دولة تُقدم تسهيلات لتنظيمات مصنّفة إرهابية من قِبل وزارة الخارجية الأميركية. وكانت الأخيرة قد صنّفت حزب الله تنظيماً إرهابياً بشكل رسمي منذ 8 تشرين الأول 1997 (خلال ذروة عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للجنوب).
يمنع بيع أو تصدير أسلحة أو أي عتاد عسكري لأي دولة إذا تبيّن لرئيس الولايات المتحدة أنها لا تتعاون بشكل كامل مع الجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب


إنّ القسم 40 (الفقرة 2780) من قانون الرقابة على تصدير الأسلحة، يشير إلى أن «تصدير أي نوع من الذخائر والأسلحة من خلال البيع أو الاستدانة أو المنح أو الهبات، بشكل مباشر أو غير مباشر، ممنوع لأي دولة تدعم أنشطة إرهابية دولية».
لا يمكن لهذا التناقض الأكبر في منح مساعدات أميركية للجيش اللبناني، بينما يُحسب بعض الوزراء في الحكومة وبعض كبار الموظفين في إدارات الدولة على حزب الله، وبينما لحزب الله كتلة نيابية واسعة في البرلمان منحت الحكومة الحالية الثقة، وهي تشارك في مناقشة القوانين وفي تحديد سياسة الدولة وتوجهاتها. بل إن التناقض الكبير يكمن في القسم A40 (الفقرة 2781) إذ ورد فيها: «يُمنع بيع أو تصدير أسلحة أو أي عتاد عسكري لأي دولة إذا تبيّن لرئيس الجمهورية الأميركية أنها لا تتعاون بشكل كامل مع الجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب».
فهل تتعاون حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها نجيب ميقاتي، بشكل كامل مع الجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب بحسب الرئيس الأميركي جو بايدن؟
أياً يكن الجواب لا بد من الإشارة إلى أن القانون الأميركي أتاح للرئيس الأميركي تعليق العمل بالفقرة التي تمنع تصدير الأسلحة «إذا كان ذلك يتناسب مع المصالح الوطنية للولايات المتحدة الأميركية» (الفقرة ب).



برامج المساعدات
يمنح القانون الأميركي (القسم 333 من القانون رقم 10 المذكورة في جدول أعمال جلسة حكومة تصريف الأعمال) وزير الدفاع الأميركي، صلاحية إطلاق برامج تدريب وتجهيز لقوى الأمن الوطني في عدد من الدول بهدف تطوير قدراتها في المجالات الآتية:
• عمليات مكافحة الإرهاب
• مكافحة أسلحة الدمار الشامل
• مكافحة الإتجار غير الشرعي بالمخدرات
• عمليات مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود
• عمليات أمن الحدود البحرية والبرية
• الاستخبارات العسكرية
• التوعية بالنسبة للعمليات الجوية
• العمليات والأنشطة التي تساهم في العمل المشترك بين عدد من الدول
• الأمن الإلكتروني وأنظمة الحماية الإلكترونية
اللافت في القانون رقم 10 هو الإشارة إلى «تعزيز القدرة على ممارسة سيطرة مدنية مسؤولة على الجيش والقوات المسلّحة».
لكن ما قد يثير بعض الشكوك هو الإشارة في الفقرة (e6) من نص القانون إلى وجوب إيداع وزير الدفاع اللجنة المختصة في الكونغرس الأميركي «وصف لعناصر خطة التعاون الأمني في مسرح العمليات للمواقع الجغرافية للقيادة العسكرية المعنية، والاستراتيجية المتكاملة المشتركة التي سيتم تطويرها من خلال البرنامج».


مصباح الرقابة الأزرق

(من الويب)

يتضمن القسم 40A المذكور آنفاً فقرة تشير إلى «الرقابة على الاستخدام النهائي للأسلحة» الأميركية المصدّرة. ويكلّف القانون الرئيس الأميركي وضع «برنامج رقابة» للتأكد من أن الأسلحة تستخدم بشكل لا يتعارض مع المصالح الأميركية، ولا يخالف السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
يتيح قانون الرقابة على تصدير الأسلحة الأميركية (الفقرة g 7، من القسم 38) لرئيس الجمهورية «التنسيق مع قوى إنفاذ القوانين والوكالات الأمنية الوطنية لتطوير معايير لتحديد عمليات تصدير الأسلحة لمراقبة الاستخدام النهائي لتلك الأسلحة». ويعرف برنامج الرقابة على الأسلحة الأميركية المصدرة باسم «المصباح الأزرق» Blue Lantern، وهو يهدف إلى التأكد من تطابق استخدام المساعدات أو الصادرات العسكرية مع السياسة والمصالح الأمنية الأميركية.


قانون المساعدات الخارجية الأميركية: مخصّصات «إسرائيل»

• للتوسّع الاستيطاني
خصّص المشرع الأميركي القسم 226 (عنوانه «ضمانات القروض لبرنامج إسرائيل») من قانون المساعدات الأميركي بكامله لدعم «إسرائيل» خلال تسعينيات القرن الماضي. وورد في نص القانون تخصيص مساعدات بمليارات الدولارات لتغطية «الجهود الإسرائيلية الإنسانية الاستثنائية لإعادة توطين المهاجرين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي ومن إثيوبيا ودول أخرى» (الفقرة 2186).

• للحماية من المساءلة
اللافت في نص القانون الأميركي هو أنه يضع شروطاً واضحة لحماية إسرائيل من أي مساءلة دولية أو أممية تتعلق بالتسليح النووي. إذ يرد فيه مثلاً أن نسبة محددة من المساعدات مخصّصة لتمويل الوكالة الدولية للطاقة الذرية «فقط إذا حسم وزير الخارجية الأميركي أن الوكالة لا تمنع إسرائيل من المشاركة في نشاطاتها» (القسم 302 الفقرة 2222).

• لبناء قاعدة جوية
الباب السابع من قانون المساعدات الخارجية الأميركية بعنوان «بناء قاعدة جوية في إسرائيل» (القسم 561 الفقرة 2349). إذ إن الولايات المتحدة قدّمت مئات ملايين الدولارات لنقل قاعدة جوية من شبه جزيرة سيناء (التي احتلها الجيش الإسرائيلي خلال حرب 1967) إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة.



• لتحفيز «المشاريع المشتركة»
تشير التعديلات التي أدخلت على نص قانون المساعدات الأميركي إلى تمويل «مشاريع مشتركة» بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» ودول في طور النمو في مجال المياه والزراعة وتخزين الطاقة (القسم 106). كما يذكر نص القانون تمويل مشروع تحلية المياه المالحة في «إسرائيل» والدعم التقني والمالي و«مساعدات أخرى» (القسم 219).

• للضغط من أجل التعايش مع «إسرائيل»
يتضمّن التشريع الأميركي (القسم 620 الفقرة 2378) شروطاً واضحة للاستفادة من المساعدات. واللافت بالأمر هو الإشارة الواضحة إلى أن شرط استفادة السلطة التي تسيطر عليها حركة «حماس» من المساعدات هو «اعترافها العلني بحق دولة إسرائيل اليهودية بالوجود» والتزامها بحل الدولتين و«تطهير أجهزتها الأمنية من عناصر على ارتباط بالإرهاب». كما يشترط القانون الأميركي على الفلسطينيين «تغيير المناهج المدرسية والكتب لتصبح داعية للسلام والتسامح والتعايش مع إسرائيل».