دخل صراع السيطرة والنفوذ داخل طائفة الموحّدين الدروز في لبنان مرحلةً جديدة من التوتّر، مع انتقال الخلافات إلى داخل الهيئة الروحية الدرزية، بعد الفرز السياسي الحادّ في الانتخابات النيابية الأخيرة، واستمرار الانقسام حول مشيخة العقل.ومع أن لكلّ كيان خصوصيته، إلّا أن ملامح الأزمة داخل الطائفة الدرزية لا يمكن فصلها من لبنان إلى جنوب دمشق وفلسطين المحتلة، حيث شهدت الآونة الأخيرة سلسلة توتّرات متصاعدة لأزمات متراكمة، تعيد إنتاج ذاتها كل مرّة، مع أضرار أكبر.
ولم يكن ينقص الأزمة الاقتصادية والصحية والسياسية والهجرة الواسعة التي تطال قرى الجبل، سوى الخلافات الدينية. إذ انفجر الخلاف داخل الهيئة الروحية الدرزية بعد قيام الشيخ أبو صالح محمد العنداري، الجمعة الماضي، بإلباس الشيخ أبو فايز أمين مكارم اللفّة «المكولسة» أو «المدوريّة». والمدوريّة هي لفة مميزة للرأس تعبّر عن رفعة الشيخ «المكولس» على المستوى الروحي، ما يجعله من المشايخ الأعيان أو المشايخ الثقات، استمراراً لعرفٍ قديم بين مشايخ جبل لبنان، بدأ أيام الأمير السيد عبد الله التنوخي قبل حوالي 300 عام.
خطوة الشيخ العنداري أثارت حفيظة الشيخ المكولس أمين الصايغ الذي يحظى باحترام واسع بين مشايخ الطائفة في كل الكيانات، باعتباره الشيخ المكولس الوحيد، وبالتالي هو من يحقّ له إلباس «المدوريّة» للمشايخ الآخرين، فيما لا يحق للشيخ العنداري القيام بمثل هذه الخطوة من دون تنسيق معه في أحسن الأحوال.
ورفع الشيخ أمين الصايغ سقف اعتراضه، فقرّر أول من أمس نزع «المدوريّة» عن رأسه والعودة إلى لبس اللّفة التقليدية، في خطوة احتجاجية لافتة، حازت تعاطفاً كبيراً من غالبية مشايخ الهيئة الروحية، ومنهم الشيخ أبو سعيد أنور الصايغ والشيخ أمين العريضي والشيخ أبو داود القضماني والشيخ غالب الشوفي والشيخ أبو محمود سعيد فرج من عبيه والشيخ غسان شهيب، والذين توافدوا يومَي السبت والأحد إلى منزله قرب بلدة صوفر، معلنين تضامنهم معه ورافضين خلعه اللفة «المدوريّة» وخطوة العنداري.
وتشرح مصادر مؤيّدة لموقف الصايغ أن ما حصل في الأيام الأخيرة هو نتيجة لمسار بدأ منذ مدّة، وتبلور مع قرار انتخاب شيخ العقل الحالي سامي أبو المنى مدعوماً من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ما كرّس - بحسب المصادر - الانقسام في مشيخة العقل. بينما كان اقتراح الشيخ أمين ومسعاه البحث عن شيخ عقل وسطي يحلّ مشكلة انقسام المشيخة بين شيخ «جنبلاطي» هو أبو المنى وشيخ «يزبكي» هو ناصر الدين الغريب المقرّب من رئيس الحزب الديموقراطي طلال أرسلان. ومع سقوط اقتراح التوافق على شيخ العقل، بدأ الصراع، واتخذ الصايغ موقفاً قاسياً تجاه أبو المنى انعكس تضييقاً على الأخير في المناسبات الدينية وغياب الغطاء الوازن حوله من مشايخ الهيئة الروحية.
وتتابع المصادر أن مواقف الشيخ أمين، ولا سيّما من خلال رسائله إلى الموحّدين الدروز في فلسطين المحتلة أو في السويداء، «أثارت حفيظة جنبلاط، لأن مواقف الشيخ أمين تصبّ في مصالح الطائفة وليس مصلحة الزعامات».
وقد سبق للصايغ، بعد خروج أصوات مطالبة بإسقاط الدولة في سوريا والمطالبة بدولة درزية، أن خاطب أبناء السويداء بعدم الخروج على الدولة السورية وعدم الرهان على مشروع دويلة طائفية. وحين أثيرت قضية الأموال التي نقلها المطران موسى الحاج من فلسطين المحتلة إلى لبنان، وإصدار أبو المنى بياناً رأى فيه أنه لا يمكن قبول الأموال من الدروز في فلسطين المحتلة، انتقد الصايغ موقف أبو المنى معتبراً أنه بمثابة اتهام بالعمالة لكل الدروز الفلسطينيين.
وتضيف المصادر المؤيّدة للصايغ أن «خطوة تلبيس المدوريّة لمكارم هدفها تأمين غطاء روحي لأبو المنى، ومن خلفه جنبلاط الذي يسعى إلى إيجاد أرضية مريحة لتوريث ابنه النائب تيمور جنبلاط، ومحاولة لتطويق الدور المنفتح الذي يقوم به الصايغ على مستوى الطائفة وحالة القبول التي يحظى بها».
ملامح الأزمة داخل الطائفة الدرزية تنسحب على لبنان وجنوب دمشق وفلسطين المحتلة


في المقابل، لمصادر في الحزب التقدمي الاشتراكي رواية مغايرة تماماً. إذ تؤكّد أن «الشيخ العنداري يحقّ له تلبيس العباءة كونه من المشايخ المكولسين، وسبق للشيخ أبو سليمان حسيب الصايغ أن ألبسه إياها، لكنّه فضّل أن يتركها محفوظةً في خزانته زهداً بالمناصب». وتضيف المصادر أن «خطوة العندراي أتت بعدما تيقّن الجميع من أن الشيخ أمين الصايغ لن يلبس المدوريّة بسهولة إلى شيخ آخر، وأن هناك العديد من المشايخ المستحقين في أكثر من منطقة». وترفض المصادر إعطاء بعد سياسي للأمر، مؤكّدةً أن جنبلاط «لم يطّلع على الموضوع لا من قريب ولا من بعيد، والشيخ العنداري لم يتشاور معه حتى بالأمر».
من جهتها، مصادر قريبة من أبو المنى أكّدت أن «لا علاقة لشيخ العقل بالأمر، ولم يطلعه أحد على ما ينوي الشيخ العنداري فعله». وعبّرت عن اقتناعها بأن «الأمور ستجد طريقاً للحلّ، لأن لا أحد يريد تكريس الانقسام أكثر في الطائفة».
وفيما لم تخرج المواقف السياسية إلى العلن بعد، يسود الهدوء على ضفة الحزب الاشتراكي. وعلمت «الأخبار» أن أرسلان سجّل تضامناً مع الصايغ من خلال اتصال هاتفي أمس. أما رئيس حزب التوحيد وئام وهّاب، فلم يسجّل أي موقف حتى اللحظة، مع معلومات عن نيّة الشيخ العنداري استكمال إلباس المدوريّات لمشايخ في مناطق أخرى، منهم الشيخ أبو علي سليمان بودياب من بلدة الجاهلية.
مسألة أخرى تثير البلبلة داخل الطائفة، مع زيارة الشيخ كمال أبو المنى والقاضي غاندي مكارم لدولة الإمارات العربية المتّحدة للمشاركة في «منتدى السلام» الذي استضافته أبو ظبي بين 10 و12 تشرين الثاني الفائت. إذ إن الشيخين انضمّا إلى وفدٍ برئاسة شيخ عقل الموحدين الدروز في فلسطين المحتلة موفق طريف. ولا يخرج المؤتمر عن فعاليات التطبيع الذي تقوده الإمارات هذه الأيام، وخصوصاً مع حضور أحد أبرز حاخامات الصهاينة، أفرايم ميرفيس كبير حاخامات يهود بريطانيا ودول الكومنولث، الذي ألقى خطاباً أشاد فيه باتفاقيات «أبراهام». كما ألقى مكارم كلمة في أعمال المنتدى. وفيما ينتقد العديد من الشخصيات الدينية المشاركة في أعمال المؤتمر، تؤكّد مصادر مقرّبة من الشيخ أبو المنى أنه كان دائماً يشارك في أعمال هذا المنتدى، وأنه هذا العام أوفد مكارم وشقيقه كمال لتمثيله، من دون أن يكون على علم بحضور حاخام يهودي.
هذا الانقسام الديني والسياسي في لبنان، والذي تجلّى في انقسام المشايخ خلال الانتخابات النيابية الأخيرة بين دعم جنبلاط وأرسلان، ووقوف الشيخ أمين الصايغ على موقف مقاطعة رجال الدين للانتخابات، ودعم بعض المقرّبين منه مرشّحين من لوائح المجتمع المدني، يوازيه أيضاً انقسام داخل فلسطين المحتلة حول عناوين مغايرة، وفي سوريا أيضاً.

تحريض إسرائيلي على الفتنة
فمنذ مدة كثّف العدو الإسرائيلي نشاطاً تحريضيّاً داخل الطائفة في فلسطين، بهدف إيقاع فتنة بين الدروز الفلسطينيين وأبناء الطوائف الإسلامية الأخرى. وتجلّى ذلك في حادثة اختطاف جثمان الشاب الدرزي تيران فرّو من مستشفى في جنين بعد الاعتقاد بأنه جندي في جيش الاحتلال وما تلاها من أحداث. وفي الأيام الماضية، سرت شائعات مكثّفة من حسابات تديرها أجهزة العدوّ في الداخل عن أن الجندي الصهيوني الذي أطلق النار على الشهيد عمار مفلح في حوارة في نابلس، الجمعة الماضي، من أبناء الطائفة الدرزية وأنه قام بفعلته انتقاماً لاختطاف فرّو، وهي معلومات مختلقة بطبيعة الحال. وكذلك الأمر، حيث ركّز الإعلام العبري على قيام جنديين درزيين في جيش العدو بإلقاء عبوة ناسفة على منزل أحد المواطنين الفلسطينيين في بيت لحم. بينما يعمل الإعلام العبري على طمس الموقف الرافض للتجنيد الإجباري بين الدروز الفلسطينيين وينزل عقوبات قاسية بحق رافضي الخدمة وعائلاتهم.

«طابور خامس» في السويداء
أما في الجنوب السوري، فتزيد الأزمة الاقتصادية الخانقة وشحّ المواد، حالة اللااستقرار الأمني والاجتماعي التي تعانيها المحافظة. وقد تحوّل اعتصام أمام دوار مبنى المحافظة أمس إلى أعمال عنفٍ وشغب مع دخول متظاهرين إلى مبنى المحافظة وعملوا على نهبه وإضرام النيران فيه. وكذلك هاجم مسلحون مبنى قيادة الشرطة، ما أدى إلى استشهاد عسكري وإصابة آخرين بجروح. مصادر أهلية من السويداء أكّدت لـ«الأخبار» أن «هناك حالة غليان شعبي بسبب فقدان المواد النفطية بشكل أساسي ووجود مظاهر فساد واضحة، حيث توزّع المشتقات النفطية على تجار ومستفيدين يقومون ببيعها في السوق السوداء ويحرم المواطنون منها»، لكنها تشدد على أن «ذلك لا يبرر الهجوم على مبنى المحافظة والاعتداء على قيادة الشرطة، هناك طابور خامس جاهز لاستغلال معاناة السوريين، وأهالي السويداء يؤيّدون الدولة ويتمسكون بها، وعلى الدولة أن تساعد لكي تنزع فتيل التفجير، الذي يعمل العديد من الجهات داخل المحافظة وخارجها على إذكائه».