منذ أن نشرت «الأخبار» البرقيّة التي عمّمها المدير العام للقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان وأعطى بموجبها القطعات الأمنية صلاحيات تنفيذ مهام الضابطة العدلية عند تعذر الاتصال بالنيابات العامة أو تمنّعها عن إعطاء إشارة قضائية، والرجل يسوّق لما يُجافي الحقيقة.مرّة يستخدم أساليبه التهويليّة بأن من يدافع عن القوانين المرعيّة الإجراء هدفه المس بالأمن، ومرّة يسوّق من قصر العدل بعد زيارة المدعي العام التمييزي القاضي غسّان عويدات بأن مذكّرته مبنيّة على أُسس قانونيّة متينة، بعدما قام باجتزاء المواد التي تُناسبه، ومرّة يزعم أن بحوزته «استشارة من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل تؤكد وجوب أن تتخذ قوى الأمن الإجراءات اللازمة عند وقوع الجريمة المشهودة».

(هيثم الموسوي)

ولكن، بعد ثلاثة أيّام من المعركة التي فتحها عثمان بالادعاءات المُزيّفة، خسر الرجل بضربةٍ واحدة من رئيس الضابطة العدلية القاضي عويدات، بعدما صوّر له الـ«إيغو» أن بإمكانه تحوير القضيّة من معركة دفاعيّة عن الدستور والقانون والمؤسسات إلى حربٍ شخصيّة تعنيه وحده، أطلق عليها لقب «ابتزاز»، ولم يجد من يناصره فيها إلا المُنتفعون منه بمنافع شخصيّة أو أولئك الذين وجدوا أنفسهم معه في خندقٍ طائفي!
وعليه، لم يُخيّب عويدات ظن القضاة الذين عوَّلوا على أنّه سيُدافع عن القانون والقضاء ويُحافظ على دور القضاة الذي حاول عثمان أن «يبلعه» ويضيفه إلى صلاحياته بجرّة قلم.
برّر عثمان برقيّته بالخلل الناجم عن الاعتكاف القضائي، على اعتبار أنّ الجميع يتّفق معه على أنّ إضراب السّلطة القضائيّة أفضى إلى كوارث وعطّل مصالح المواطنين، إلا أن الأزمة الكُبرى التي أنتجتها مذكّرة عثمان هي اعتباره أنه القادر على ابتكار حلول بمعزل عن القوانين تقوم على حلول عسكرييه مكان النيابات العامّة.
ما فعله عثمان يؤكّد أكثر وأكثر غياب السلطة السياسية التي لم تهتم يوماً بمطالب القضاة ولا أعارت اهتماماً إلى ما نجم عن اعتكافهم، ولا حاولت الخروج بحلٍ منصف لا يكسر القضاة ولا ينعكس سلباً على مصالح الناس.
في المحصلة، كان ردّ عويدات على برقيّة عثمان حاسماً مستنداً إلى القانون ليشير إلى أنّه لا يحق للعسكريين الحلول مكان النيابات العامّة ويلغي بذلك برقية المدير العام، إذ شدّد على أنّ «إجراءات التحقيق مناطة بإشراف النيابة العامة، وبالتالي فإن إعمال نص المادة 40 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لا يستقيم إلَّا بحضور النيابات العامة»، داعياً الضابطة العدليّة في الجرائم المشهودة وغير المشهودة الى «التقيّد بإشارة النيابة العامة المختصة». وأضاف: «في حال تعذّر الاتصال بالنائب العام الاستئنافي أو من ينوب عنه وفي الظروف التي تمر بها البلاد، يقتضى الاتصال بالنيابة العامة التمييزية للأخذ بإشارتها».
وأشار عويدات إلى أن «كثيرين يتذرّعون باعتكاف القضاة لعدم القيام بإجراءات التحقيق الأولي في الجرائم المشهودة وغير المشهودة. وهذه الذريعة لا تستقيم أيضاً كون التعليمات تقضي بالاتصال بالنيابة العامة التمييزية. وعليه، يقتضي حصر مذكّرتكم الداخلية بهذا التوجيه»، مؤكداً أنّ «التوقيف وجمع الأدلة وغيرها من الإجراءات في الجرم المشهود واجب، وكذلك الاتصال والأخذ بإشارة النيابة العامة واجب أيضاً».