أهم ما في كلام مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف قبل أسبوعين، وتكراره أول من أمس، عن أن «الوضع في لبنان قد يزداد سوءاً مع فراغ غير مسبوق في السلطة يُنذر بانهيار الدولة مجتمعياً، وأننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً بل عليهم هم أن يفعلوا»، أنه قيل بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي اعتُبر نهاية للحصار الأميركي على لبنان. لذلك، فإن التساؤل هو عما إذا كانَ كلام ليف إشارة إلى حسم الولايات المتحدة أمرها بدفع لبنان نحو أزمة أكبر، أم إلى تدنّي اهتمامها بتفاصيل الملف اللبناني؟يبدو لبنان، حالياً، نقطة صغيرة في بحر أولويات الإدارة الأميركية المتُخَم بتفاصيل الحرب الروسية - الأوكرانية وأسعار النفط والوضع في إيران والتحدي الصيني وما أنتجته انتخابات الكيان الإسرائيلي أخيراً. وبالتوازي، يتردّد أن الأميركيين - ومعهم السعوديون - غير معنيين بالملف اللبناني لا من قريب ولا من بعيد، وأن واشنطن أعطت لبنان فترة سماح، لا تعني تخفيف الضغط عنه، وإنما فترة انتظار تحولات جزئية ملائمة للاتفاق على تسوية تعبّد فرنسا الطريق إليها. وإلى ذلك الحين، فإن مسار الانهيار مستمر من خلال إطالة أمد الأزمة والفراغ.
إلا أن غياب لبنان عن «الخطاب الاستراتيجي» الأميركي في المرحلة الراهنة لا يعني أنه غير حاضر تماماً. ويعبّر عن ذلك مسؤولون أميركيون في محاضرات وندوات. ولعلّ أبرز ما يركّزون عليه، إلى جانب حزب الله، هو المؤسسة العسكرية التي شكّل تمويلها ودعمها حجر الزاوية في السياسة الأميركية في لبنان منذ عام 2005، باعتبار أن مساعدة الجيش «استثمار مربح» إذا ما أدّى إلى وضعه في مواجهة المقاومة. وقد تجاوز الحجم السنوي للتمويل العسكري الخارجي المخصص للبنان في السنوات الثلاث الماضية الـ 100 مليون دولار، مع أموال أخرى من الإنفاق الإضافي لوزارة الدفاع الأميركية، رغمَ كل محاولات الكونغرس الأميركي لخفض هذا الدعم.
في الأسابيع الأخيرة، بدأت أوساط قريبة من الأميركيين تعمّم أخباراً عن عودة المساعدات المالية المباشرة إلى الجيش وعدم تجيير المهمة إلى أطراف أخرى، كقطر التي أعلنت، على هامش مشاركة نائب رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب في بيروت في تموز الماضي، عن دعم مالي بقيمة 60 مليون دولار للجيش.
وتزامن مع ذلك ما ورد في ندوة استضافها «مركز دراسات السلام والنزاع» في واشنطن قبل أسبوعين، حول السياسة الحالية والمستقبلية للولايات المتحدة في لبنان، وشارك فيها السفير الأميركي السابق في بيروت ووكيل وزارة الخارجية السابق للشؤون السياسية ديفيد هيل. إذ شدّد الأخير على أن «دعم الجيش اللبناني هو مشروع طويل بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وهدفنا بناء جيش قوي لأن عدم وجود جيش قوي سيدفع بالناس للجوء إلى حزب الله أو إنشاء جيش آخر». ولفت إلى أن «من المهم القول إن الجيش لا يُطالب بالأسلحة الثقيلة فهو لديه ما يحتاجه ويستطيع أن يهتم بالأمن في كل لبنان، ونعلم أن الجيش هو الموجود في الجنوب، ولكن ليس هو من يتخذ القرارات للأسف. توقعنا سابقاً أن يتراجع حزب الله ويسلم الجيش لكن ذلك لم يحدث، لذا لن نتخلى عن الجيش لأننا نؤمن به للحفاظ على مستقبل لبنان». واعتبر هيل أن «على البعض أن يفهم أن منطق المقاومة لم تعُد هناك قدرة لتطبيقه، وهناك الكثير من النقاشات التي نستطيع من خلالها أن نساعد لبنان»، كاشفاً أن «هناك رغبة أميركية في وضع عقوبات إضافية على البعض كما فعلت مع مسؤولين فاسدين وكيانات إرهابية تابعة لحزب الله، ونأمل في أن تكون هناك نتائج إيجابية لذلك». وأضاف أن «الوضع الاقتصادي في لبنان سيئ، وعلى أميركا وكل حلفائها تقديم المساعدة شرط معرفة أين تذهب هذه المساعدات».
وأفرد هيل مساحة للحديث عن اتفاق الترسيم قائلاً إنه «للمرة الأولى رأى الطرفان فوائد موحدة للاتفاق والخسائر التي كانا سيتكبدانها في حال عدم استكمال التفاوض. إذ كان من الصعب على شركات التأمين القيام بتأمين عمليات التنقيب». وعن الترسيم مع سوريا قال إن «الوضع غير معروف، وسنرى إذا كانوا يستطيعون أن يقوموا باتفاق شبيه». وأكد هيل أننا «نأمل بتخفيف التوتر بين لبنان إسرائيل، وسنظل نعمل مع حلفائنا مثل السعودية لحل المشكلات التي تحدثت عنها، وعلينا التفكير في استراتيجية للتعامل مع ذلك. وإحدى استراتيجياتنا هي النهوض الاقتصادي في لبنان، وقد كانت هناك اقتراحات على الطاولة. لكن المشكلة كانت في التطبيق والإرادة».
وأضاف هيل أن «هناك رغبة دولية بمساعدة لبنان من خلال صندوق النقد الدولي الذي قد يقدّم حوالي 3 مليارات دولار»، علماً أن «هناك الكثير من أصدقائنا اللبنانيين يطالبوننا بأن لا نسمح لهذه الأموال بأن تصل إلى الحكومة بسبب الفساد»، لذا فإن «مساعداتنا ستكون مشروطة»، مشيراً إلى أن «السماح باستجرار الكهرباء من الأردن ومصر سيكون قريباً لتأمين ساعات إضافية من التغذية». واعتبر أن «الفراغ الرئاسي لا يجب أن يخيفنا ويدفعنا إلى انتخاب رئيس كيفما كان ولا قدرة لديه على أن يحكم بلداً مشرذماً مثل لبنان».