من مسرح الجريمة إلى المختبر الجنائي إلى قاعة المحكمة، من المفترض تحديد الأدلة وجمعها وتوثيقها وتغليفها بالطريقة المناسبة للحفاظ على سلامتها. فالأدلة هي الأساس الذي يبني عليه الطرفان - النيابة العامة والدفاع - حججهما المادية التي يمكن أن تكون حاسمة في إثبات الحقائق المحيطة بالقضية الجنائية. مع ذلك، فإن أهمية الأدلة لا تنتهي بعد المحاكمة. ومن الضروري الاحتفاظ بالأدلة التي تم جمعها في أي قضية جنائية لضمان مراعاة حقوق الإجراءات القانونية الواجبة للمتهمين بشكل كامل. ويعدّ الحفاظ على الأدلة أمراً مهماً لأنه يمكن أن يؤثر في المسار الكامل للقضية الجنائية، كما يمكن أن يمتد تأثيرها إلى ما بعد الحكم الأولي من خلال عملية الاستئناف التي يمكن أن تمتد لفترة طويلة.

(هيثم الموسوي)

لذلك، من المفترض الاحتفاظ بأي دليل يمكن أن يكون مهماً بشكل معقول لعملية الاستئناف لضمان إتاحته للاستخدام في الإجراءات القانونية المستقبلية للتوصل إلى قرار نهائي عادل، وبالتالي فهو جزء لا يتجزأ من السعي لتحقيق العدالة والإنصاف.
وقد كانت هناك العديد من الحالات التي تم فيها استخدام أدلة على إدانة متهمين لإثبات براءتهم بعد سنوات. على سبيل المثال، يمكن استخدام أدلة الحمض النووي التي لم يكن من الممكن اختبارها في الماضي لإثبات براءة المدعى عليه بعد سنوات. مع ذلك، إذا لم يتم الاحتفاظ بهذه الأدلة بشكل صحيح، فلن تكون متاحة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى بقاء شخص بريء في السجن بسبب جرائم لم يرتكبها، والعكس صحيح.

حجج للنيابة وللدفاع
نظراً إلى أن الدولة والسلطات المسؤولة عن التحقيق في القضايا الجنائية ستستخدم الأدلة التي تم جمعها أثناء التحقيق لإثبات الحقائق الأساسية حول القضية، فمن الضروري جمع الأدلة بشكل صحيح ووفقاً للمعايير المعترف بها، وإلا فإن مصداقيتها تتضرر بشكل كبير، وقد تصبح غير مقبولة. لن يشكك محامي الدفاع الجيد في مصداقية الأدلة فحسب، بل في مصداقية جمعها والحفاظ عليها. ويمكن أن يؤدي عدم الحفاظ على الأدلة بشكل صحيح إلى سوء المحاكمة أو التخلي عن التهمة الموجهة إلى المتهم لأن الأدلة هي أساس دعوى الادعاء.
من جهة أخرى، يمكن لمحامي الدفاع فحص الأدلة ضد المدعى عليه والادعاء على مصداقيتها إذا لم يتم جمعها وحفظها بشكل صحيح. ونظراً إلى أن المدعى عليه قد يكون لديه دليل لتقديم «نفي» يمكن استخدامه لإثبات براءته، من المهم أن يتم الحفاظ على مثل هذه الأدلة لحماية سلامتها أيضاً.

تسلسل العهدة
من المهم إثبات أن الأدلة المقدمة في المحاكمة هي الأدلة نفسها التي تم جمعها في مسرح الجريمة. لذلك، فإن فهم القواعد التي تحكم «تسلسل العهدة» والالتزام بها أمر حيوي للمحقق لضمان مقبولية الأدلة في المحكمة. تسلسل العهدة هو عبارة عن «سجل تتبع» يبدأ بملاحظات تفصيلية تصف مكان استلام الأدلة أو جمعها. كما تعد تقنيات الجمع والحفظ والتعبئة والنقل والتخزين جزءاً من العملية المستخدمة في إعداد تسلسل العهدة. من دون وثائق تسلسل العهدة المناسبة، يجوز للمحكمة أن تحكم بأن الأدلة تم التلاعب بها، وتصبح بالتالي غير مقبولة في المحاكمة.

الحفاظ على الأدلة
من المفترض أن يكون الحفاظ على الأدلة أولوية قصوى للمكلفين بجمع الأدلة وحفظها. وإذا لم تحفظ الأدلة بشكل صحيح قبل جمعها، فقد تكون ملوثة أو مدمرة. كما أنه إذا لم يتم حفظها وتخزينها بشكل صحيح قبل التحليل أو الاختبار الجنائي، فقد تتدهور أو تدمر أو تقلل من قيمتها كمصدر للمعلومات.
تتضرر مصداقية الأدلة بشكل كبير، وقد تصبح حتى غير مقبولة، إذا لم يتم جمعها وحفظها بشكل صحيح


على المسؤولين عن جمع الأدلة استخدام مجموعة متنوعة من بروتوكولات الحفاظ على الأدلة، اعتماداً على نوع الدليل. مع ذلك، تنطبق بعض الإرشادات على جميع الأدلة، مثل القيود المفروضة على عدد الأفراد المسموح لهم بالتعامل مع الأدلة، واستخدام الضمانات لتقليل التلوث، والتوثيق الدقيق والتخزين المناسب للأدلة.
على سبيل المثال، لتقليل تدهور الأدلة الحيّة، يقوم الخبراء بتجفيف الأشياء التي تحمل أدلة بيولوجية في الهواء قبل التعبئة وتغليفها بالورق، مثل الأكياس والأظرف. إذ إن تعبئة تلك الأدلة في أكياس بلاستيكية تعرضها للرطوبة، مما يؤدي إلى تسريع التدهور وتكوّن العفن، وتدمير الحمض النووي القابل للاستخدام. أمّا العينات السائلة فمن المهم توثيقها - مثل الماء من وعاء المرحاض - بشكل صحيح وتعبئتها في عبوات زجاجية أو بلاستيكية معقمة وتبريدها في أسرع وقت ممكن.




«استمرارية الأدلة»
ينبغي إنشاء سلسلة واضحة وموثقة من خلال:
- تدوين الملاحظات، بما في ذلك توثيق مواقع الأدلة، ووقت وتاريخ رفعها أو استلامها، ووصف الدليل، وحالة العنصر وأي علامات أو تعديلات على الدليل.
- ترميز وتغليف الأدلة والتأكد من أن جميع عبوات الأدلة مغلقة بإحكام.
- ختم الأدلة.
- إعداد سجل سلسلة العهدة (chain of custody) يشتمل على جميع العناصر التي تم جمعها من مكان الحادث.