«لمن يعرف عنها شيئاً الاتصال بالفصيلة»، تعميم ينتشر على صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لقوى الامن الداخلي. بين فتاة عشرينية، أم وبناتها، شاب وأصدقاؤه... وغيرهم، كثرت الحالات واختلفت الأسباب. عند اختفاء شخص ما، تكثر الشائعات والقصص وتختلف بحسب وجهة نظر الراوي، الا ان الوصول إلى الحقيقة يكون من خلال تحقيق شامل يعتمد على الأدلة والوقائع، ولا ينحاز لفرضيات دون أخرى. فعلى التحقيق ان يكون قادراً على الكشف عن معلومات حول مصير الشخص ومكانه وسبب اختفائه (خطف، مشاكل أسرية، التهرب من أمور مالية، جريمة قتل، انتحار...). إن فهم الأسباب وراء اختفاء شخص ما أمر بالغ الأهمية لأنه يساعد في قراءة الواقع الأمني وتحديد المشكلات الاجتماعية والأسرية والنفسية التي قد تدفع الأشخاص إلى «الهروب» من واقعهم، خصوصاً مع تفاقم الأزمات في لبنان.
مراحل التحقيق الأولى
لبدء إجراءات البحث، تبحث القوى الأمنية عن معلومات حول الأشخاص المفقودين وظروف اختفائهم، للمساعدة في تقييم الوضع وفهم خطورة الموقف والتخطيط لأخذ الإجراءات المناسبة للبدء بالبحث. في المراحل الأولى، عادة ما يكون الشخص الذي قدّم البلاغ هو المصدر الأول والأهم للمعلومات، وهو غالباً ما يكون أحد الوالدين أو من أشخاص من البيئة الاجتماعية المباشرة للشخص المفقود. فيسأل المخبر عن طبيعة الاختفاء والمفقود، ويُسجّل تفاصيل عن الفترة التي سبقت اختفائه، ويشمل ذلك ما إذا كان قد توّرط مؤخرًا في مشاكل أسرية أو مالية، أو ما إذا كان يعاني من صدمة عاطفية أو أظهر مؤخراً سلوكًا غير عادي، أو ما إذا كان يتعاطى المخدرات أو الكحول، أو يعاني من أمراض عقلية أو مشاكل نفسية. كما يطلب الحصول على صور حديثة له وقائمة الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل الذين كانوا على اتصال به قبل اختفائه. ويستفسر المحقق عن عادات الشخص المفقود وروتينه اليومي بما في ذلك الأماكن التي قد تكون لها أهمية لديه. أي نقص في هذه المعلومات قد يؤثر سلباً على مجريات التحقيق.

هروب أم اختطاف؟
يعتبر مكان الإقامة أحد الأماكن الأولى التي يبدأ البحث فيها. أحياناً يُعثر على الشخص المفقود في منزله فاقدًا للوعي أو مصابًا. «حالة المنزل» قد تساعد القيّمين على التحقيق على تحديد ما إذا كان الشخص خطّط لهروبه، لا سيما في حال حمل معه أغراضه الشخصية وأوراقه الثبوتية وأموالاً ومقتنيات ثمينة. إلى ذلك، يمكن العثور على علامات تدلّ على صراع او اقتحام مما قد يشير إلى أن الشخص اختُطف أو تعرض لسوء معاملة او قد يكون في حالة حرجة أو خطيرة.
فهم الأسباب لاختفاء شخص، أمر بالغ الأهمية ويساعد على قراءة الواقع الأمني وتحديد المشكلات الاجتماعية والأسرية والنفسية


إلى جانب ذلك، يتم جمع أغراض شخصية مثل فرشاة الشعر وفرشاة الأسنان للحصول على عينات من الحمض النووي للشخص المفقود وبصمات الأصابع. كما يُطلب من الأهل تقديم عينات من الحمض النووي للتمكن من مقارنة البصمة الوراثية في حال العثور مثلاً على رفات بشرية. عند التعامل مع هذا السيناريو، يقوم خبير الانتروبولوجيا الشرعية (Forensic anthropology) بمعاينة الرفات أو الجثث التي فقدت ملامحها. وهذا يساعد على إنشاء ملف تعريف بيولوجي للشخص المتوفي، يتضمن معلومات حول العرق والجنس والعمر والطول وغيرها من الحقائق التي تساعد في معرفة الظروف المُحيطة بالوفاة، وتقارن هذه السمات والبصمة الوراثية لمعرفة ما إذا كان هناك تطابق مع مواصفات المفقود.



تتبع الخطوات في العالم الافتراضي
أصبحت الأدلة الرقمية من أهم الادوات التي تساعد اليوم في العثور على المفقودين. فمن خلال تحليل صورة على هاتف الشخص المفقود أو منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، مثلاً، يمكن للخبراء الكشف عن التاريخ الدقيق والوقت وإحداثيات GPS الخاصة بمكان التقاط الصور. كما يمكن تحديد الحسابات المختلفة التي يستخدمها الشخص ومراقبتها واستخدام عنوان بروتوكول الإنترنت (address IP) لتحديد موقعه. وفي حال العثور على هاتفه او حاسوبه، يتولى خبير الادلة الرقمية تحليل محتوى البيانات الخاصة ومراجعة عمليات البحث على الإنترنت، والخرائط التي تم عرضها مؤخرًا، والأماكن المفضلة المحفوظة على تطبيق GPS، ورسائل البريد الإلكتروني، والرسائل النصية والصوتية، وسجلات المكالمات الهاتفية، وغيرها من البيانات، التي توضح طريقة تفكير الشخص وحالته النفسية قبل اختفائه. كما تسمح للقيمين على التحقيق بفهم خطورة الموقف ونوع الحالة التي يتعاملون معها (اختطاف، هروب من مشاكل عائلية أو مالية، ابتزاز...). وتساعدهم على تحديد قائمة احتمالات في ما يتعلق بمكانه وخطواته التالية.

رسم جنائي
عندما يختفي شخص لفترة طويلة من الزمن، يمكن تكليف رسام جنائي (Forensic artist) بتنفيذ رسم تصويري تقديري يُظهر ملامح الشخص المفقود مع تقدم العمر. هذا يساعد بشكل خاص في حالات اختفاء الأطفال. يستخدم هؤلاء الخبراء مجموعة متنوعة من الأساليب التقنية والفنية تستند على صور المفقود وأفراد اسرته وعلى معلومات حول صحة الشخص المعني وأسلوب حياته.


أحدث تقنيات التحقيق


يلجأ الخبراء إلى استخدام برنامج التعرف على الوجه (Facial Recognition Software) لتسريع عمليات البحث. يتحقق البرنامج من لقطات كاميرات المراقبة لمعرفة لمطابقتها مع صور الأشخاص المفقودين أو المشتبه بهم، كما يمكن استخدام هذه التقنية لتتبع لقطات مباشرة من مختلف كاميرات المراقبة الموجودة في المدينة وكاميرات CCTV
والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي. كما يمكن استخدام برنامج التعرف على السيارة (Vehicle recognition software) لتتبع أرقامها أو طرازها أو لونها، وبمجرد العثور على تطابق مُحتمل، يمكن للشرطة ان تتلقى لقطات مباشرة تساعد في تحديد موقع الشخص وتتبع خطواته.


جرائم الخطف الى ارتفاع
بلغ عدد جرائم الخطف لقاء فدية مالية في العام 2022 نحو 44 جريمة تم التبليغ عنها حتى نهاية شهر أيلول، علماً ان هذه الاعداد لا تشمل الحالات التي تمّت تسويتها خارج أطر القوى الأمنية. واستناداً إلى بيانات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، سجّل العام الحالي ارتفاعاً ملحوظاً في جرائم الخطف مقارنة بالأعوام الماضية. ففي حين بلغ عدد جرائم الخطف عام 2017 سبعاً، ارتفع العدد عام 2020 الى 47 جريمة، وتراجع الى 17 جريمة العام الماضي.