أصدرت وزارة العدل الأميركية، عام 2009، مذكرة تفصيلية تشرح فيها تقنيات وأساليب استجواب «معززة» اقترحتها وكالة المخابرات المركزية عام 2002. هذا التعبير «الملطّف» لبرنامج التعذيب المنهجي في الولايات المتحدة جاء في سياق تبرير التعذيب والانتهاكات في «الحرب العالمية على الإرهاب». داخل معتقلات «دولة الديمقراطية وحقوق الانسان»، تعرض المحتجزون للضرب، وأُجبِروا على اتخاذ مواقف مؤلمة، وهُدِّدوا بقتل أطفالهم واستحياء نسائهم، وتعرضوا لإذلال جنسي ولإهانات عنصرية ودينية، وجرِدوا من ملابسهم مقنعين ومعصوبي العينين، وحُرموا من الطعام والماء والنوم. تناقضت مزاعم واشنطن التي تجادل بأن هذه الأساليب لا تشكل تعذيبًا مع تصريحات أميركية وتقارير حقوق الإنسان السنوية التي تصدرها الخارجية الأميركية لاتهام دول أخرى باستخدام الأساليب نفسها. ورغم الطبيعة الواسعة النطاق والمنهجية للتعذيب، رفضت الولايات المتحدة، بوقاحة، السماح بإجراء تحقيق مستقل في الانتهاكات، ولم بُوجه اتهام إلى أي مسؤول رفيع المستوى معني بتطوير أو تنفيذ السياسات التي أدت إلى التعذيب وسوء المعاملة. وخلصت الإدارة الاميركية إلى أن الإساءة كانت ببساطة نتيجة تصرفات عدد قليل من «الجنود المارقين». في ما يأتي نستعرض ما يسمى «الاستجواب المعزز» وأساليب الاستجواب ذات الصلة، والآثار الجسدية والنفسية لاستخدامها
في غرفة شديدة البرودة، مات أحد المحتجزين، نصف عارٍ، بعد 48 ساعة من حرمانه من النوم. سمح برنامج الاعتقال والاستجواب التابع لوكالة المخابرات المركزية باستخدام ما يسمى «أساليب الاستجواب المعزز» مع المعتقلين الذين تم القبض عليهم بعد هجمات 11 أيلول. بتفويض من المسؤولين في البيت الأبيض في إدارة بوش ووزارة العدل، تعرّض 39 معتقلاً على الأقل لهذه الأساليب التي تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي واتفاقية مناهضة التعذيب، فتعرض عدد من المعتقلين للإغراق بالمياه، وكثيراً ما استخدمت وكالة المخابرات المركزية مجموعة من التكتيكات كالحرمان من النوم للمحتجزين في أوضاع مجهدة، أو الحرمان الحسي للمعتقلين المقيّدين بالأغلال في الحبس الانفرادي.
وكعادتها، تخفق الولايات المتحدة في الامتثال لالتزاماتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب في الداخل والخارج، من دون حسيب او رقيب. فعرّفت الحكومة التعذيب على طريقتها وجادلت بأن حظر المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لا ينطبق خارج الولايات المتحدة. وقد برر تفسيرها الانتقائي للاتفاقية تطوير تقنيات الاستجواب التي انتهكت المعاهدة، وخلقت مناخًا من الارتباك بين الجنود الأميركيين، وأدى إلى انتشار التعذيب وإساءة معاملة المعتقلين في خليج غوانتانامو والعراق وأفغانستان.
لا تقتصر انتهاكات الولايات المتحدة لاتفاقية مناهضة التعذيب على أفعال العسكريين في الخارج في «الحرب على الإرهاب»، ولكنها في الواقع منتشرة في كل مكان في الداخل. على سبيل المثال، عندما ضرب إعصار كاترينا نيو أورليانز في آب 2005، تُرك أكثر من ألف سجين بعد ارتفاع المياه التي غمرت السجن في زنازينهم لعدة أيام من دون طعام أو ماء أو تهوئة. ويتعرض السجناء والمعتقلون داخل الولايات المتحدة لظروف وممارسات وحشية تشبه بشكل مخيف تلك التي يتعرض لها المعتقلون في الخارج - الحبس الانفرادي لفترات طويلة، ودرجات الحرارة القصوى، والترهيب بالكلاب، والقيود المؤلمة وأجهزة الصعق بالكهرباء. وأوجه الشبه هذه ليست مفاجئة، إذ إن بعض المسؤولين والجنود الذين ارتكبوا انتهاكات في الخارج عملوا سابقًا في سجون داخل الولايات المتحدة.
نمط منهجي للتعذيب

◄ الإيهام بالغرق:
يخلق إحساسًا بالاختناق أو الغرق. يُثبَّت المعتقل على ظهره ويُصب الماء على قطعة قماش تغطي وجهه. كثيراً ما تعرض المعتقلون لهذا الأسلوب بشكل متكرر، فخالد شيخ محمد، مثلاً، تعرّض للإيهام بالغرق 183 مرة على الأقل. وتعرض معتقل آخر، هو أبو زبيدة، للإيهام بالغرق في كثير من الأحيان لدرجة أنه جعله، مرة واحدة على الأقل، غير مستجيب تمامًا. وقد يؤدي أسلوب التعذيب هذا أيضًا إلى نزيف من الأذنين، وتلف شديد في الرئة والدماغ، وضرر نفسي دائم.

◄ الجدار:
تتضمن هذه التقنية تطويق عنق المحتجز بطوق أو منشفة، وضربه بالحائط. على الرغم من وجود شرط استخدام جدار زائف لتجنب الإصابة، تعرض العديد من المعتقلين للضرب بجدار خرساني. حتى في حالة استخدام جدار زائف، يتعرض المعتقلون لإصابات بالغة.

◄ الحرمان من النوم:
يظل المعتقلون مستيقظين من خلال تكبيلهم أو إجبارهم على الوقوف أو وضعهم في أوضاع مجهدة في محاولة لتدمير قدرتهم على المقاومة النفسية. يتم الجمع بين هذا الأسلوب مع العري و / أو الاستجواب على مدار الساعة. على الرغم من أن الحرمان من النوم لفترات طويلة ليس عنيفًا بشكل صريح، إلا أنه يمكن أن تكون له آثار عقلية وجسدية مؤلمة ومدمرة. بعد 56 ساعة من عدم النوم، عانى أرسلان خان من هلوسات عنيفة من كلاب تقتل عائلته.

◄ الوقوف على أقدام مكسورة:
كشكل من أشكال الحرمان الشديد من النوم، أُجبر محتجزان، هما أبو حازم وعبد الكريم، على الوقوف لساعات رغم إصابتهما بكسور في القدمين. على الرغم من التوصيات بتجنب تحمل الوزن لمدة ثلاثة أشهر، فقد تعرض أبو حازم لـ 52 ساعة من الحرمان من النوم أثناء وقوفه على
قدمه المكسورة، بعد شهر بالكاد من تشخيص إصابته. أثناء إصابتهم، تعرض هؤلاء المعتقلون أيضًا للضرب بالجدران.

◄ الحبس الانفرادي:
يُحبس المعتقلون من دون أي فرصة للتفاعل الاجتماعي. غالبًا ما كان هذا مصحوبًا بالعري والحرمان الحسي والظلام التام أو الضوء المستمر والتقييد. تم عزل أحد المعتقلين عارياً في زنزانة ذات أضواء ساطعة وضوضاء بيضاء أو موسيقى صاخبة. في مرحلة ما، تم احتجازه لمدة 47 يومًا في عزلة تامة. من مخاطر الحبس الانفرادي العنف، الانتحار، وفقدان جزئي للنشاط العقلي.

◄ مواقف الإجهاد:
تم تصميم هذه الأوضاع لإحداث الألم وعدم الراحة لفترات طويلة من الوقت، وغالبًا ما يتم استخدامها مع الحرمان من النوم. كان المعتقلون يقيّدون بأذرعهم فوق رؤوسهم، ويُجبرون على البقاء واقفين، أو يوضعون في زنزانات ضيقة، مثل الصناديق في حجم التابوت. تم احتجاز بعض المعتقلين في صناديق على شكل نعش لمدة تزيد على 11 يومًا.

◄ التغذية الشرجية:
تم استخدام التغذية الشرجية للسجناء الذين يرفضون الطعام ويستلزم ذلك إدخال أنبوب يحتوي على طعام مهروس في الممر الشرجي للمعتقل. تم استخدام هذا الاسلوب لضبط السلوك، دون ضرورة طبية، على الرغم من مخاطر تلف القولون والمستقيم، أو تعفن الطعام داخل الجهاز الهضمي. أحد المحتجزين أصيب بتدل في الشرج بسبب فحوصات الشرج القاسية.
عرّفت الحكومة التعذيب على طريقتها وجادلت بأن حظر المعاملة القاسية أو اللاإنسانية لا ينطبق خارج الولايات المتحدة


◄ التعري:
يعتمد هذا الشكل من أشكال الإذلال الجنسي على المحرمات الثقافية والدينية، ويتطلب من المعتقلين أن يكونوا عراة كليًا أو جزئيًا أثناء الاستجواب أو عند تقييدهم بالأغلال. كما تم الجمع بين العري ودرجات الحرارة الباردة والاستحمام البارد.

◄ التهديدات:
يتعرض المحتجزون للتهديد بمزيد من التعذيب الجسدي وكذلك بالعنف أو الموت أو الاعتداء الجنسي ضد أسرهم، فيتم تهديد المعتقلين بقتل أطفالهم أو الاعتداء على زوجاتهم أو أمهاتهم. وقد ثبت أن مثل هذه التهديدات تسبب الخوف الشديد وفقدان السيطرة، والكوابيس المتكررة، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا باضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب الشديد.



إرث من العقول المدمرة
بالإضافة الى التعذيب الجسدي الممارس على المعتقلين باستخدام ما يسمى بـ «اساليب الاستجواب المعزز»، يشكل برنامج الاعتقال والاستجواب التابع لوكالة المخابرات المركزية تعذيباً نفسياً بموجب قوانين الولايات المتحدة. على وجه التحديد، يظهر من خلال التحليل المفصل، ان تلك الأساليب تحث على «العجز المكتسب»، والذي ينتهك قوانين التعذيب، بحظر إلحاق «ضرر عقلي طويل الأمد» من خلال إجراءات «محسوبة لإحداث اضطراب عميق في الشخصية البشرية».
فقد أظهر ما لا يقل عن نصف الأشخاص البالغ عددهم 39 شخصًا الذين خضعوا لبرنامج «الاستجواب المعزز» أعراضاً نفسية، حيث تم تشخيص بعض المصابين باضطراب ما بعد الصدمة أو جنون العظمة أو الاكتئاب أو الذهان. بالإضافة الى ان المعتقلين يعانون من ندوب عميقة من الاستجواب والعزلة والعار من الاستهزاء الجنسي والعري القسري والتفتيش العدواني في تجاويف الجسم.