مشهد مستجدّ على صيدا ذاك الذي شهدته المدينة يوم الجمعة الماضي. «زعران» احتلوا شوارع عاصمة الجنوب وأمعنوا ضرباً وسحلاً وتشطيباً بالسكاكين والشفرات… و إطلاقاً للنار.الموقعة الكبرى كانت قرب متجر «سبينيس» عندما هاجمت مجموعة شبان سيارة بداخلها عنصر في الأمن العام مع عائلته. وعلى خلفية إشكال فردي، احتل أفراد العصابة الشارع وأوسعوا العائلة ضرباً على مرأى من عشرات المواطنين الذين لم يتجرأوا على التدخل لإنقاذ الضحايا. وقد تفنّن الزعران، ومن بينهم بطل ملاكمة، في التنكيل بأحد أفراد العائلة، فشجّ رأسه بـ«مفتاح جنط» ثم تناوب عدد من الزعران على لكم الضحية المرمي أرضاً بلا حركة وسط بركة من الدم. ومع أن حاله كان يوحي بأنه فارق الحياة واصل هؤلاء ضربه بشيء من الاستعراض وكثير من التلذذ. فمزق المهاجمون صدره بالسكين وشطب أحدهم وجهه في حركة «سيركية»، إذ كان يهجم عليه ويشطبه بالشفرة ثم يركض حوله ويعاود الكرّة، قبل أن يتناوبوا على ترهيب «الحضور» على جانبي الطريق بالشتائم وإطلاق الرصاص، قبل أن يغادروا مهدّدين بتكسير «أكبر راس».
بعد ساعة، وفي حادث منفصل أفلت مسعور آخر في منطقة الهلالية وانتقم من غريمه بطعن شاب لا ناقة له ولا جمل بسكين غرزها في بطن القتيل (20 سنتمتراً وفق تقرير الطبيب الشرعي) قبل أن يفرّ إلى «جهة مجهولة» يفر إليها كل الجناة بعد ارتكاب جرائمهم.
ترافق ذلك مع حادثة انتحار في عبرا واحتراق خزانات مازوت قرب خط السكة ومشكل فردي في السوق التجارية... ولوهلة، شعر الصيداويون بأن المدينة صارت تحت حكم العصابات.
ما جمع بين الزعران في الحادثين، سمعتهم السيئة وتاريخهم الحافل في التشبيح وانتهاك كرامات الناس وابتزازهم لدفع «خُوّات» وامتهان «تصفية الحسابات» بين متخاصمين بتحصيل حقوق طرف من الطرف الآخر لقاء مبلغ من المال، مع ما يترافق مع ذلك من أذى وضرب وإهانة.
العصابة لم تكن لتعيث بلطجةً لولا الغطاء السياسي الذي كانت تتمتع به من تيار المستقبل، إذ أن أفرادها كانوا من ضمن جهاز مرافقة الأمين العام للتيار أحمد الحريري، وتولّى هؤلاء المهمات القذرة في الحملات الانتخابية للمستقبل في المدينة، وكانت تحت تصرفهم رخص سلاح وسيارات مفيّمة ومواكب.
قاتل فتى الهلالية فقد كان ذاع صيته منذ فتنة أحمد الأسير كعنصر في «سرايا المقاومة»، ومن ثم كمسؤول للسرايا في منطقة عبرا. لكنه نشر على صفحته على فيسبوك قبل عدة أشهر كتاب استقالته من السرايا «لأسباب شخصية وتراكمات أخطاء ومشكلات تنظيمية وإدارية».
النائبة السابقة بهية الحريري سارعت إلى زيارة الضحايا في المستشفى وزارها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. لكن المشهد في القصر أحيا مخاوف أن يجري حل «المشكل» على الطريقة اللبنانية بعدما أوقفت عناصر حزبية أفراد العصابة إثر فرارهم إلى بلدة الخرايب الجنوبية وسلّمتهم للأمن العام. فيما أعلنت عشيرة الشاب أنه «إذا لم تأخذ الدولة حقنا سنثأر لابننا وقد أعذر من أنذر».
انفلات عقال العصابات قتلاً وإجراماً وسرقةً وابتزازاً يأتي في ظل عجز الأجهزة الأمنية بسبب تداعيات الأزمة المعيشية التي اضطرت القيادة إلى إعطاء عناصرها إجازات طويلة ما أدى إلى تقصير في الدوريات والحراسات. وفي هذا السياق، يقول مواطن سُرقت دراجته النارية إنه اتصل بمخفر صيدا للإبلاغ عن السرقة فأجابه المسؤول «خليها ع الله نحنا بالليل عم نربط بعضنا بالكلبشات حتى ما يجوا يسرقونا بالمخفر»!.