إذا سارت الأمور وفق المسار القائم منذ ثلاثة أسابيع، فإن لبنان على مسافة أيام من تسجيل انتصار جديد وكبير على العدوّ، ستكون له مفاعيله التي تتجاوز حفظ حقوقه وبدء كسر الحصار الغربي عليه. إذ سيكون واضحاً للجميع أن المقاومة أدّت دوراً حاسماً ليس فقط في إجبار العالم على التحرك وإنجاز الاتفاق، بل أيضاً في تحرير قسم كبير من المياه اللبنانية التي كان العدو يضع يده عليها أو يحاول سرقتها، إضافة الى الإقرار بحق لبنان في استخراج نفطه وغازه بعيداً عن أي ضغط إسرائيلي.مصادر لبنانية معنية بالتفاوض أكّدت أن التفاؤل الحذر «لا يعني توقع انقلاب على ما تم الاتفاق عليه في المفاوضات التي بدأت منذ الزيارة الأخيرة للوسيط عاموس هوكشتين، واستكملت في نيويورك في اليومين الماضيين، واستمر العمل عليها أمس بعيداً عن الولايات المتحدة». لكن الحذر لدى القيادات اللبنانية مردّه إلى أن «الصيغة الخطية النهائية لم تقدم بعد للتثبت من عدم وجود أي نوع من الفخاخ الأمنية أو القانونية». رغم ذلك، أشارت المصادر إلى أن مسار المحادثات يقود الى ترجيح كفة اتفاق قبل نهاية الشهر.
الجانب الأميركي المشرف على التفاوض بقي على تواصل مع القصر الجمهوري، لإدراكه أن الرئيس ميشال عون هو الجهة المخوّلة دستورياً إدارة الملف، ويحظى بثقة حزب الله، رغم انتقال «الحرتقات الداخلية» الى نيويورك. فبعد ما تردّد عن إعطاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي توصيات لمندوبة لبنان أدّت إلى ما أدّت إليه في القرار الأخير لمجلس الأمن بالتمديد لمهمة اليونيفيل، أقدم ميقاتي في اليومين الماضيين على سلسلة خطوات «غير مفهومة»، من إثارة ملف الحدود البرية مع الوسيط الأميركي الى محاولته إدارة الحوار مع الجانب الأميركي بطريقة توحي كأنه هو من يقود المفاوضات وصاحب القرار. وهو لم يخفِ امتعاضه من انتقال ممثل الرئيس عون في المفاوضات، نائب رئيس المجلس إلياس بوصعب، الى نيويورك ومشاركته في الاجتماعات الخاصة بالمفاوضات، رغم أن رئيس الحكومة لمس أن الجانب الأميركي يتعامل مع بوصعب بوصفه ممثل الجهة المقررة.

(هيثم الموسوي)

ورغم أن التعليمات في بيروت شدّدت على الحفاظ على موقف لبناني موحد، إلا أن بعض «الحركات» التي أقدم عليها ميقاتي أحرجته حتى لدى الأميركيين الذين يضغطون لإنجاز الاتفاق في أقرب وقت ممكن. وبحسب مصدر رسمي في بيروت، فإن الأميركيين والفرنسيين يريدون التفاوض مع من يمكنه الحديث بثقة مع حزب الله الذي بيده الكلمة الفصل، وهم يدركون أن حزب الله لا يمنح حكومة تصريف الأعمال الثقة التي يمنحها للرئيسين عون ونبيه بري في إدارة هذا الملف.
معطيات المصادر اللبنانية المعنية بالمفاوضات تشير الى أن الحصيلة التي يمكن تثبيتها حتى الآن هي:
أولاً، إقرار إسرائيلي بأن الخط 23 وكل ما يقع شماله ملك للبنان.
ثانياً، «حقل قانا» ملك للبنان بما في ذلك المساحة التي تمتد نحو ثلاثين كيلومتراً مربعاً داخل الأراضي الفلسطينية حيث يوجد الخزان الجوفي.
ثالثاً، تعهّدت فرنسا رسمياً، كما شركة «توتال»، بالعمل في لبنان فور إعلان الاتفاق وأن خطة عملها لا تشمل فقط بلوكات المنطقة الحدودية.
النقاش حالياً ينحصر بالمخرج المناسب حول ما اصطلح على تسميته «المنطقة الأمنية»


وأشارت المصادر الى أن النقاش حالياً ينحصر بالمخرج المناسب للجانبين اللبناني والإسرائيلي حول ما اصطلح على تسميته «المنطقة الأمنية» التي تقع ضمن مستطيل بمساحة تصل الى نحو 2.3 كيلومتر مربع داخل المياه الإقليمية اللبنانية، وأن البحث جارٍ عن آلية لإعادتها الى السيادة اللبنانية أو تكليف الأمم المتحدة تولّي الأمن فيها، علماً أن مسؤولاً في الوفد اللبناني استبعد توسيع دائرة عمل القرار 1701 وتعديل مهام قوات اليونيفيل لتشمل هذه المنطقة بما يمنع على العدو الوجود فيها. ولفتت المصادر إلى وجود أفكار لمعالجة هذا الشق «قيد التداول السري» بين المعنيين، و«ليست هناك مشكلة فعلية إلا إذا أراد العدو نسف الاتفاق بتقديم أفكار لا يمكن لبنانَ قبولُها، وهو ما نفاه هوكشتين في اتصالاته مع اللبنانيين».
ووفق المصادر، فإن المسوّدة المنتظرة من هوكشتين خلال أيام قليلة ستشمل كل النقاط وسيكون لدى الرؤساء في لبنان (بالتنسيق مع المقاومة) الوقت الكافي لتنسيق الموقف النهائي، ويجري على أساسه التوافق على الخطوات التنفيذية لإنجاز الاتفاق. وأشارت المصادر الى أن لبنان هو من طلب من الوسيط عدم إرسال المسوّدة «كون لبنان يرفض خطّ الطفّافات الذي طرحه هوكشتين». وجرى بحث مكثّف حول هذه النقطة في نيويورك، على أن ينجز هوكشتين مسوّدته المكتوبة خلال أيام.

تفاهم أو اتفاق كامل
وبحسب متابعين، فإن النقاش يتمحور حول شكل الإخراج لما يفترض أنه اتفاق بين الجانبين. إذ إن التفاهمات تتعلّق بخط بحري غير مكتمل المواصفات وليست فيه سيادة كاملة، وخصوصاً في المنطقة الأمنية الحدودية. ما يعني أنه يمكن إنجاز تفاهم له قوة الاتفاق يتيح للجانبين العمل من دون أي تهديد للاستقرار، ويبقي المسألة العالقة محصورة في المنطقة الأمنية التي يسعى لبنان إلى تثبيتها استناداً الى قانون البحار الذي ينصّ على إمكان إنجاز ترتيبات مؤقتة ذات طابع عملي لا تؤثر على التعيين النهائي للحدود.