ما تريده جمعية المصارف هو أن تكون القوى الأمنية والعسكرية حارسة على أبوابها. هذا هو محور النقاش الذي دار في مجلس الأمن المركزي، يوم الجمعة الماضي، انطلاقاً من طلب جمعية المصارف التي أقفلت ثلاثة أيام (انتهت أمس وجرى تجديدها من دون تحديد أي سقف زمني) من القوى السياسية والأمنية «خطّة أمنية» لحمايتها، وهو أمر مكلف جداً على ميزانيات القوى الأمنية والعسكرية. إذ إن هناك أكثر من 800 فرع مصرفي تتطلب حمايتها عدداً كبيراً من العناصر والضباط والآليات... في ظل إفلاس الخزينة العامة غير القادرة على تمويل شراء محابر وأوراق ودفع الرواتب الهزيلة لعناصرها.بدأ النقاش انطلاقاً من الاستنابة القضائية التي أصدرها المدعي العام التمييزي غسان عويدات، والتي تلزم الأجهزة الأمنية بملاحقة «المقتحمين» بتهمة «حجز الحرية الشخصية» طبقاً لما تنصّ عليه المادة 569 التي تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤقتة. عويدات لم يكن حاضراً في الجلسة، وحلّ محلّه القاضي غسان خوري الذي كان على تنسيق واضح مع وزير الداخلية بسام المولوي وممثلي قوى الأمن الداخلي الذين دافعوا عن هذا الرأي باعتباره الآلية القانونية الصائبة لردع مقتحمي المصارف الذين سيتم التعامل معهم كمجرمين جنائيين. إذ إن الاستنابة تحوّل المودعين الباحثين عن سُبُل لـ«استيفاء الحق بالذات»، إلى مجرمين جنائيين تنطبق عليهم أحكام «السطو» بقوّة السلاح. وتشير المعلومات إلى أن هذه الآلية ستكون قيد التطبيق حتى انتفاء الخطر عن المصارف، وهي تشمل الوقوف على أبواب المصارف بغرض الحماية و«قمع» التمرّد بالدرجة الأولى، ومهمّة البحث عن «المخلّين بأمن المصرف» وسوقهم إلى التحقيق وتطبيق المواد المنصوص عليها في حالات «السطو».
«فرمان» اعتبار المودع مجرماً، استثار نقاشاً واسعاً على طاولة مجلس الأمن المركزي، ليس من باب الحقوق أو حماية الأمن الاجتماعي، وإنما من باب الصعوبات الوظيفية التي سيفرضها قرار كهذا على كل جهاز. وقد سجّل انقسام بين ممثلي الأجهزة. فقوى الأمن الداخلي أيّدت هذا التوجه انطلاقاً من أمرين، أوّلهما أن هناك شكوكاً بوجود رابط بين عمليات الاقتحام يعزّز فرضية وجود مخطّط تخريبي، وثانيهما ضرورة حماية المصارف لكبح أعمال الشغب والإخلال بالأمن. وأشار ممثل قوى الأمن الداخلي إلى أن تقديرات أمنية بوجود «عمل منظّم يسترعي الانتباه في توقيته، وتوظيفه للإخلال بالأمن، وهو ما يوجب التحرّك لمواجهته على غرار حالات التمرّد التي واكبت أحداث 17 تشرين الأول 2019». في المقابل، رأى ممثّلا مخابرات الجيش وأمن الدولة أن هذه التقديرات مبالغ فيها، وأن ما يجري عبارة عن محاولات لـ«استيفاء حق»، إذ لم يثبت وجود رغبة في الإيذاء الجسدي.
قوى الأمن الداخلي تسعى إلى حماية المصارف وتتعامل مع الاقتحامات على أنّها عملية منظّمة


ونبّه المعارضون لفكرة الاستنابات القضائية إلى أن التعامل بشدّة مع ظاهرة المودعين قد يخلق «وضعية شائكة» في ظل ظروف حساسة لا تخدم محاولة الاحتواء الأمني. فمن جهة، لا يصح تحميل الأجهزة «المنهكة» مسؤولية توفير الحل في ظل مشهد «مريع سياسياً» تتخلّى فيه الدولة عن مسؤولياتها، وبالتالي لا بديل من الحل السياسي، ويفضّل أن تنحصر الخطوات الأمنية في مجال «الأمن المضادّ» ومحاولات وأد الحالة وعدم تفاقمها.
وتداول المجتمعون معلومات تشير إلى أن عناصر الأسلاك الأمنية الرسمية سيتحوّلون إلى جيش من موظفي الـ«Security»، لأن مهامهم في مراقبة المصارف وقمع التحرّكات على أبوابها ستكون بمواكبة من موظفي «الأمن الخاص» الذين استقدمتهم المصارف ليتولّوا أعمال الإدارة الأمنية على أبواب الفروع المصرفية لجهة التدقيق في أسماء الزبائن ومدى مطابقتهم لشروط الدخول إلى المصرف... وهذا ما قد يضعهم في مواجهة مباشرة مع «أصحاب الحقوق»، فضلاً عن أن قسماً لا بأس به من زبائن المصارف هم من القوى الأمنية والعسكرية، ما يعني أيضاً وضع هؤلاء في مواجهة زملائهم.