إقرار رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان) اللواء أهارون حاليفا بأنه لولا وجود حزب الله لكان لبنان جزءاً من اتفاقات التطبيع التي وقعتها أنظمة الخليج، يعبّر عن أحد أهم الأهداف التي لم ينجح المعسكر المعادي للمقاومة، محلياً وإقليمياً ودولياً، في تحقيقه في السنوات الثلاث الأخيرة تحديداً. وهو يؤكد أن الغاية السياسية لكثير من الحراك الداخلي والضغوط المتنوعة لتجريد لبنان من قوته هي إلحاقه بركب «اتفاقيات أبراهام»، من دون إغفال الأسباب الداخلية للأزمة المالية والاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان.وأهمية هذا الإقرار تكمن في مضمونه وتوقيته وتزامنه مع استنفاد المحاولات التي كانت تستند إلى رهانات جدية في هذا الاتجاه، بعد دخول المقاومة على خط المعادلة البحرية.
إلى ذلك، ينبغي التذكير بحقيقة أن ما أدلى به حاليفا لا يكشف هدفاً سرياً لكيان العدو. وقد كان رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو صريحاً، في كلمة له في الكنيست في تشرين الأول 2020، بالقول «طالما استمر حزب الله في السيطرة على لبنان، لن يكون هناك سلام مع هذا البلد».
يعني ذلك أن تل أبيب كانت تجاهر بالعمل، مباشرة وعبر الولايات المتحدة، على تحقيق هذا الهدف انطلاقاً من قناعة يكررها المسؤولون الصهاينة، مفادها أنه ما دامت المقاومة حاضرة بقوة في المعادلة السياسية اللبنانية والإقليمية، لن تنجح مساعي إقحام لبنان في مخطط التطبيع وإخضاعه للهيمنة الأميركية والإسرائيلية التامة. وهذا ما يفرض العمل على إضعافها وتقويض قاعدتها الشعبية والسياسية للوصول إلى الأهداف المنشودة. وهو ما لفتت إليه أيضاً دراسة سابقة لمعهد أبحاث الأمن القومي جاء فيها أن العقبات الأساسية التي تحول دون اتفاق سلام مع إسرائيل هي «حزب الله... حزب الله... حزب الله». وفي ضوء ذلك، فإن فرصة تحقيق تغيير استراتيجي في العلاقات الإسرائيلية - اللبنانية منخفضة طالما أن حزب الله يحافظ على مكانته ونفوذه في لبنان.
مستوى حضور هذا الهدف يكشف عن أن فشل هذا المخطط لم يكن أمراً مُسلَّماً أو عرضياً، بل كان بفعل المقاومة وقوتها وأدائها، بكل عناصرها السياسية والاجتماعية. وهي حقيقة ينبغي على الدوام التذكير بها في ضوء تجاهلها، خصوصاً أن إخضاع لبنان وإلحاقه بركب التطبيع كان ولا يزال هدفاً للحراك السياسي الذي يشهده لبنان، وتحوَّل الضغط المالي والاقتصادي إلى أحد أهم أدواته.
يتجلى هذا الإنجاز أكثر فأكثر مع تحقيق لبنان رفع الحظر المرتقب عن ثرواته الغازية في مياهه الاقتصادية، في الأيام والأسابيع المقبلة (بغض النظر عن كونه سيتحقق بمواجهة عسكرية أو من دونها)، من دون أن ينجح العدو في فرض إلحاقه بركب التطبيع. ويبدو أن المرحلة الحاسمة التي يقترب منها لبنان وكيان العدو وأمن الطاقة في المنطقة كانت سبباً ومناسبة لإقرار الاستخبارات العسكرية، بلسان رئيسها، أنه لولا حزب الله لانضم لبنان إلى «اتفاقيات أبراهام».
تهديدات غانتس في اللحظات الحاسمة: محاولة تحسين الصورة مقابل معادلة القوة


وقد شكَّلت هذه المرحلة الحاسمة عاملاً مُحفزاً أيضاً لوزير أمن العدو بني غانتس، لإطلاق التهديدات بأن لبنان كله سيدفع ثمن فشل المفاوضات، في محاولة لاستعادة صورة التوازن على المعادلة التي نجح حزب الله بتغييرها شكلاً ومضموناً، بعدما وضع العدو - ومعه واشنطن - أمام مسلّمة أن لا استخراج من كاريش من دون الاتفاق على رفع الحظر عن ثروات لبنان، وإدراكهما بأن إسرائيل وأمن الطاقة والمصالح الأميركية ستدفع أثماناً كبيرة إن لم يتم رفع الحظر عن هذه الثروات.
الحفاظ على قدر من التوازن في صورة الردع لا يقل أهمية عن مضمون الاتفاق وتوفير الأجواء التي تسمح باستخراج وتصدير الغاز. ويعود ذلك بصورة إجمالية إلى أسباب إقليمية من زاوية تأثيره في معادلات الصراع وقواعد الاشتباك مع المقاومة في لبنان والمنطقة، وأخرى من زاوية القلق من تداعيات الإنجاز الذي سيحققه لبنان باعتباره محطة تأسيسية لمراحل لاحقة أيضاً، ولأسباب تتعلق بمكانة إسرائيل في الاستراتيجية الأميركية والغربية إذ تحرص على أن تبدو قادرة على توفير المصالح الغربية بالاستناد إلى قدراتها الردعية والعسكرية. ولأسباب داخلية أيضاً، تتعلق بنظرة الجمهور الإسرائيلي إلى جيشه ودولته، وكي لا تبدو الحكومة الحالية كمن توصل إلى اتفاق على وقع تهديدات حزب الله وتأثير ذلك في الانتخابات المقبلة.